المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: تعريف الكبيرة وحكم مرتكبها: - منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة

[تامر محمد محمود متولي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

-

- ‌الفصل الأول: دراسة لعصر رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: الحياة السياسية

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الحياة السياسية في الدولة العثمانية:

- ‌المطلب الثاني: الحياة السياسية في مصر

- ‌المطلب الثالث: الحياة السياسية في الشام:

- ‌المبحث الثاني: الحالة العلمية

- ‌المطلب الأول: الحياة العلمية في مصر

- ‌المطلب الثاني: الحياة العلمية في الشام:

- ‌المبحث الثالث: الحياة الدينية:

- ‌الفصل الثاني: دراسة لحياة رشيد رضا الشخصية

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه ومولده ونشأته وصفاته

- ‌المطلب الأول: اسمه ونسبه

- ‌المطلب الثاني: مولده ونشأته:

- ‌المطلب الثالث: أخلاقه وصفاته:

- ‌المبحث الثاني: طلبه للعلم:

- ‌المطلب الأول: نشأته العلمية:

- ‌المطلب الثاني: هجرته إلى مصر:

- ‌المبحث الثالث: شيوخه:

- ‌المبحث الرابع: مذهبه وآرؤه الفقهية

- ‌المطلب الأول: مذهب رشيد رضا الفقهي

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد من ربا الفضل

-

- ‌المبحث الخامس:أثر الشيخ رشيد رضا في العالم الإسلامي

- ‌المطلب الأول: أثر المنار في مصر والهند

- ‌المطلب الثاني: مدرسة دار الدعوة والإرشاد:

- ‌المطلب الثالث: مؤلفات رشيد رضا:

- ‌المطلب الرابع: الكتابات حول رشيد رضا:

- ‌المبحث السادس: وفاة الشيخ رشيد:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في الاستدلال وموقفه من علم الكلام

- ‌‌‌تمهيد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: مصادر التلقي عند رشيد رضا

- ‌المطلب الأول: القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: السنة النبوية:

- ‌المطلب الثالث: الإجماع:

- ‌المطلب الرابع: الفطرة:

- ‌المطلب الخامس: العقل:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الاستدلال عند الشيخ رشيد رضا

- ‌القاعدة الأولى: الإيمان بظاهر القرآن

- ‌القاعدة الثانية: الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الثالثة: رفض التأويل:

- ‌القاعدة الرابعة: الردّ عند التنازع إلى الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الخامسة: مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم:

- ‌القاعدة السادسة: درء التعارض بين العقل والنقل:

- ‌القاعدة السابعة: المحكم والمتشابه:

- ‌المبحث الثالث موقف الشيخ رشيد من علم الكلام

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: نشأة رشيد رضا على مذهب الأشعرية وتحوله عنه:

- ‌المطلب الثاني: مخالفة رشيد رضا للمتكلمين:

- ‌المبحث الرابع:‌‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌المبحث الخامس: موارد رشيد رضا في العقيدة

- ‌أولاً: مؤلفات ابن تيمية

- ‌ثانياً مؤلفات ابن القيم (ت: 751هـ) ومدرسة ابن تيمية:

- ‌ثالثاً: مصادر أخرى:

- ‌الباب الأول: منهج رشيد رضا في الإيمان بالله تعالى

- ‌الفصل الأول: تعريف رشيد رضا الإيمان ومباحثه

- ‌المبحث الأول: تعريف الإيمان

- ‌المطلب الأول: تعريف الإيمان في اللغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الإيمان في الشرع:

- ‌المطلب الثالث: أدلة أهل السنة على خصال الإيمان الثلاثة:

- ‌المبحث الثاني: الصلة بين "الإيمان" و"الإسلام

- ‌المبحث الثالث: زيادة الإيمان ونقصانه

-

- ‌المبحث الرابع: الكبائر

- ‌المطلب الأول: تعريف الكبيرة وحكم مرتكبها:

- ‌المطلب الثاني: التكفير:

- ‌الفصل الثاني: منهج رشيد رضا في إثبات الربوبية

- ‌مدخل

- ‌في تقسيم التوحيد عند رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: تعريف الربوبية

- ‌المطلب الأول: معنى كلمة "رب" في اللغة

- ‌المطلب الثاني: المعنى الشرعي لتوحيد الربوبية:

- ‌المبحث الثاني: منهج رشيد رضا في أدلة معرفة الله تعالى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الفطرة عند الشيخ رشيد رضا:

- ‌المطلب الثاني: النظر في الملكوت:

- ‌المطلب الثالث: الرسل وآياتهم:

- ‌المطلب الرابع: الاحتياط الواجب:

- ‌المطلب الخامس: موقف رشيد رضا من مسألة "حدوث العالم

- ‌المبحث الثالث: بدء الخلق:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في إثبات الأسماء والصفات

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الأسماء الحسنى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الناس من الأسماء الإلهية:

- ‌المطلب الثاني: مسألة الاسم والمسمى

- ‌المطلب الثالث: مصادر معرفة أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الرابع: عدد أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الخامس: معنى إحصاء أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب السادس: اسم الله الأعظم:

- ‌المطلب السابع: الإلحاد في أسماء الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الصفات

- ‌المطلب الأول: منهج السلف في الصفات وتقرير الشيخ رشيد له جملة

- ‌المطلب الثاني: موقف الشيخ رشيد من قواعد المتكلمين:

- ‌المبحث الثالث: الصفات التي تكلم عليها رشيد رضا

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تقسيم الصفات:

- ‌المطلب الثاني: صفات الذات العقلية:

- ‌المطلب الثالث: صفات الفعل العقلية:

- ‌المطلب الرابع: صفات الذات الخبرية:

- ‌الفصل الرابع: منهج رشيد رضا في إثبات الألوهية ونفي الشرك والبدع

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الألوهية

- ‌المطلب الأول: تعريف الإله

- ‌المطلب الثاني: العبادة

- ‌المطلب الثالث: بعض أنواع العبادة التي ذكرها رشيد رضا

- ‌المبحث الثاني: نفي الشرك ومظاهره

- ‌تميهد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشرك:

- ‌المطلب الثاني: أقسام الشرك:

- ‌المطلب الثالث: منشأ الشرك:

- ‌المطلب الرابع: مفاسد الشرك ومساوئه:

- ‌المطلب الخامس: مظاهر الشرك:

-

- ‌المبحث الثالث: رفض البدع ومظاهرها

- ‌المطلب الأول: تعريف البدعة لغة وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: مظاهر البدع التي تعرض لها الشيخ رشيد رضا

- ‌الفصل الخامس: منهج رشيد رضا في إثبات القدر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: موقف رشيد رضا من الفرق في القدر

- ‌المبحث الأول: تعريف القدر: لغة وشرعاً

- ‌المطلب الأول: تعريف القدر لغة

- ‌المطلب الثاني: الإيمان بالقدر شرعاً:

- ‌المبحث الثالث: بيان رشيد رضا لأركان القدر

- ‌المطلب الأول: العلم

- ‌المطلب الثاني: الكتابة:

- ‌المطلب الثالث: الإرادة:

- ‌المطلب الرابع: الخلق:

- ‌المبحث الرابع: القدر والأسباب

- ‌المبحث الخامس: الهدى والضلال:

- ‌المبحث السادس: الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى

- ‌المبحث السابع: الحسن والقبح:

- ‌المبحث الثامن: الصلاح والأصلح

- ‌المبحث التاسع: العمر، والرزق، والدعاء:

- ‌المبحث العاشر: الكونيات والشرعيات:

- ‌المبحث الحادي عشر: الاحتجاج بالقدر:

- ‌الباب الثاني: منهج رشيد رضا في الإيمان بالملائكة والكتب والرسل

- ‌الفصل الأول: الإيمان بالملائكة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الملائكة

- ‌المطلب الأول: وجوب الإيمان بالملائكة جملة وتفصيلاً

- ‌المطلب الثاني: وظائف الملائكة وخصائصهم:

- ‌المطلب الثالث: التفاضل بين الملائكة والأنبياء:

-

- ‌المبحث الثاني: الجن والشياطين:

- ‌المطلب الأول: معنى الجن والشيطان:

- ‌المطلب الثاني: رؤية الجن:

- ‌المطلب الثالث: دخول الجن في جسم الإنسان:

- ‌الفصل الثاني: الإيمان بالكتب

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: القرآن

- ‌المبحث الثاني: التوراة:

- ‌المبحث الثالث: الإنجيل:

- ‌الفصل الثالث: الإيمان بالرسل

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف النبي والرسول:

- ‌المبحث الثاني: الحاجة إلى الوحي والنبوة:

- ‌المبحث الثالث: معنى الوحي وأنواعه، وشبهة الوحي النفسي

- ‌المطلب الأول: تعريف الوحي

- ‌المطلب الثاني: الوحي النفسي:

- ‌المطلب الثالث: الوحي والنبوة عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث الرابع: عدد الرسل:

- ‌المبحث الخامس: صفات الرسل ووظائفهم

- ‌المطلب الأول: صفات الرسل

- ‌المطلب الثاني: وظيفة الرسل:

- ‌المبحث السادس: عصمة الأنبياء

- ‌المطلب الأول: تعريف العصمة

- ‌المطلب الثاني: بعض مسائل العصمة:

- ‌المطلب الثالث: الأدلة العقلية والنقلية على ثبوت العصمة:

- ‌المطلب الرابع: دفع شبهات حول العصمة:

- ‌المطلب الخامس: عصمة الأنبياء عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث السابع: آيات الأنبياء، وكرامات الأولياء، وخوارق الأشقياء

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشيخ رشيد للآية والمعجزة:

- ‌المطلب الثاني: أنواع الآيات:

- ‌المطلب الثالث: كرامات الأولياء:

- ‌المطلب الرابع: الفرق بين آيات الأنبياء وخوارق الأشقياء:

- ‌المبحث الثامن: نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: حاجة العالم لبعثة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: أدلة نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث التاسع: منهج رشيد رضا في الصحابة:

- ‌المبحث العاشر: الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الأول: تعريف الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الثاني: طرق التولي:

- ‌المطلب الثالث: وظيفة الإمام:

- ‌المطلب الرابع: ما يخرج به الخليفة عن الإمامة:

- ‌المطلب الخامس: تعدد الأئمة:

- ‌الباب الثالث: منهج محمد رشيد رضا في الإيمان باليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول: منهج رشيد رشا لليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الشيخ رشيد لليوم الآخر جملة وحكمه:

- ‌المبحث الثاني: الموت والبرزخ:

- ‌الفصل الثاني: البعث وأدلته

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: أدلة البعث

- ‌المطلب الأول: النشأة الأولى

- ‌المطلب الثاني: الاستدلال على البعث بالخلق:

- ‌المطلب الثالث: المشاهدة:

- ‌المطلب الرابع: قدرة الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: البعث يكون بالجسد والروح:

- ‌الفصل الثالث: الساعة وأشراطها

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الساعة

- ‌المطلب الأول: تعريف الساعة لغة واصطلاحاً وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: علم الساعة:

- ‌المبحث الثاني: أشراط الساعة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الشيخ رشيد من أشراط الساعة جملة:

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد رضا من أشراط الساعة تفصيلاً:

- ‌الفصل الرابع: الصور والموازين

- ‌المبحث الأول: الصور

- ‌المبحث الثاني: الموازين:

- ‌الفصل الخامس: الجنة والنار

- ‌المبحث الأول: الجنة ونعيمها

- ‌المبحث الثاني: النار وعذابها:

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المطلب الأول: تعريف الكبيرة وحكم مرتكبها:

حديث أبي بكرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين ـ وكان متكئاً فجلس ـ وقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور" فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت" 1

وكان صلى الله عليه وسلم يذكر في كل مقام ما تمس إليه الحاجة، فلم يرد شيء من ذلك في مقام الحصر والتحديد، ولكن الأحاديث صريحة في إثبات الكبائر ويقابلها الصغائر والظاهر منها أن كبرها في ذواتها وأنفسها لما فيها من المفسدة والضرر، والموبقات أكبر الكبائر.."2.

وفي ذهاب الشيخ رشيد إلى أن الكبائر وصفت بذلك لشيء في ذاتها، مخالفة لشيخه "محمد عبده" الذي يذهب إلى أن الكبائر هي كذلك بحسب قصد فاعلها، أي لسبب خارجي غير ذاتي 3.

ويظهر أيضاً من هذا النفي أن الشيخ رشيد يرى أن الكبائر لم تحصر في عدد معين، وكما قال أيضاً:"وقال بعضهم: إن الله تعالى أبهم الكبائر لتجتنب كل المعاصي، فإن عرضت له كل معصية لم يعلم أنها من الكبائر التي يعاقب عليها أو من الصغائر التي يكفرها الله عنه بترك الكبائر، فالاحتياط يقضي عليه بأن يجتنبها.."4.

1 البخاري: الصحيح: ك: الشهادات، باب: ما قيل في شهادة الزور، ح: 2654 (5/ 462 مع الفتح)

2 تفسير المنار (5/ 47)

3 انظر: المصدر نفسه (5/ 50ـ 51)

4 المصدر نفسه (5/49)

ص: 230

‌المطلب الأول: تعريف الكبيرة وحكم مرتكبها:

اختلف العلماء رحمهم الله في تعريف الكبيرة على أقوال كثيرة تزيد على عشرين قولاً، وأكثرها متقاربة وبعضها ضعيف 5. وأقرب الأقوال

5 انظر هذه الأقوال عند النووي: شرح مسلم (2/85ـ87) ط. الريان، وابن القيم: مدارج السالكين (1/321ـ 327)، وابن أبي العز: شرح الطحاوية (ص:417ـ 418) ط. المكتب الإسلامي، وابن حجر العسقلاني: فتح الباري (10/ 410ـ 411) وابن حجر الهيتمي: الزواجر (1/5ـ10) .

ص: 230

إلى الصواب هو قول ابن عباس رضي الله عنهما أنها: "كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب"1. وممن قال بهذا القول أيضاً: سعيد بن جبير 2، ومجاهد 3 والحسن4، والضحاك 5، 6. ورجح شيخ الإسلام هذا القول7.

وأما الشيخ رشيد فإنه ذكر الأقوال في تعريف الكبيرة ومال إلى أحدها فقال: "..اختلفوا في تعريف الكبيرة فقيل هي كل معصية أوجبت الحد، وقيل ما نص الكتاب على تحريمه ووجب في جنسه حدّ، وقيل: كل محرم لعينه لا لعارض أو لا لسد الذريعة، وضعفوا هذه الأقوال، وأقوالاً أخرى كثيرة، وقال بعض العلماء: إن الكبائر كل ما توعد الله عليه، قيل: في القرآن، وقيل: وفي الحديث أيضاً، وقال بعضهم:.. إنها كل ما يشعر بالاستهانة بالدين وعدم الاكتراث به، وهو قول مقبول قريب من المعقول.."8.

وهذا القول وإن كان مقبولاً وجائزاً إلا أنه غير منضبط، والأولى منه هو ما روي عن السلف وقد ذكرته أول البحث.

1 الطبري: التفسير (8/ 246)

2 سعيد بن جبير بن هشام الأسدي، أبو محمد الحافظ المقرئ المفسر من كبار التابعين قتله الحجاج سنة 95هـ (السير 4/ 321ـ 343 وتهذيب التهذيب: 4/ 11ـ 14)

3 مجاهد بن جبر ثقة إمام في التفسير والعلم صاحب ابن عباس (التقريب: 921)

4 الحسن هو البصري: ثقة فقيه فاضل مشهور. توفي 110هـ (تقريب: 236)

5 الضحاك هو ابن مزاحم الهلالي، صاحب التفسير، كان من أوعية العلم، ت: 102هـ (الذهبي: السير: 4/ 598، وابن كثير: البداية والنهاية: (9/ 223)

6 انظر: الطبري: التفسير (8/246) ط. دار المعارف، مصر، ت: محمود وأحمد شاكر.

7 انظر: مجموع الفتاوى (11/654ـ 656)

8 تفسير المنار (5/ 49)

ص: 231

المسألة الثانية: حكم مرتكب الكبيرة عند السلف:

يعتقد أهل السنة والجماعة أن من ارتكب كبيرة ـ خلا الشرك ـ ولم يستحلها، فإنه لا يكفر، بل يسمى مؤمناً ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته ـ وأن التوبة تجبها ـ وإن مات مصرّاً عليها فهو في مشيئة الله تعالى، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه بقدرها، ولا يخلد في النار.

قال أحمد:"والكف عن أهل القبلة، ولا نكفر أحداً منهم بذنب ولا نخرجه من الإسلام" 1،وقال البخاري:"..المعاصي من أمر الجاهلية، ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا الشرك"2.

وقال الطبري: "إن كل صاحب كبيرة ففي مشيئة الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه، ما لم تكن كبيرته شركاً بالله"3.

المسألة الثالثة: رأي الشيخ رشيد في حكم مرتكب الكبيرة:

يرى الشيخ رشيد أن من قواعد أهل السنة أنهم لا يكفرون أحداً من أهل القبلة بكل ذنب خلافاً للخوارج 4والمعتزلة 5، وهو في رأيه هذا متبع لشيخ الإسلام ابن تيمية، فقد نقل عنه نصاً طويلاً في شرح هذه القاعدة السلفية، كما نقل عنه حكم المجتهد المخطئ في الأصول والفروع 6.

1 السنة (ص: 72) ت: إسماعيل الأنصاري، نشر وتوزيع رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء، بالسعودية.

2 الصحيح: ك: الإيمان (1/ 13) مع الفتح

3 التفسير (8/ 450) وانظر: ابن تيمية: العقيدة الواسطية (ص:233ـ 235) مع شرح محمد خليل هراس.

4 الخوارج: إحدى الفرق المبتدعة، أشغلت الدولة الإسلامية فترة من الزمان، تكفر بالكبيرة. انظر: البغدادي: الفرق بين الفرق (ص: 54) ومصطفى الغرابي: تاريخ الفرق الإسلامية (ص: 41) وغالب العواجي: فرق معاصرة (1/65)

5 أتباع واصل بن عطاء ويسمون أنفسهم أهل العدل والتوحيد، والعدل عندهم إنكار القدر، والتوحيد: إنكار الصفات. انظر: البغدادي الفرق بين الفرق (ص: 93) ومصطفى الغرابي تاريخ الفرق الإسلامية (ص:41)، وغالب العواجي: فرق معاصرة (2/821)

6 انظر: مجلة المنار (22/ 121)، وانظر: شيخ الإسلام في: منهاج السنة (5/ 81) وما بعدها.

ص: 232

فقد ذكر الشيخ رشيد هذه القاعدة " لا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب" وقال: "هذه القاعدة من قواعد أهل السنة والجماعة الذين يصدق عليهم هذا القول ـ لا من يسمون أنفسهم بهذا الاسم ليتميزوا من المعروفين بأسماء أخرى.."1. ونقل عن شيخ الإسلام أن ذلك مبني على مسألتين:

" إحداهما: أن الذنب لا يوجب كفر صاحبه كما تقوله الخوارج، بل ولا تخليده في النار ومنع الشفاعة فيه كما تقوله المعتزلة.

الثانية: أن المتأول الذي قصد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم لا يكفر، ولا يفسق إذا اجتهد وأخطأ.. 2.

وعند قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} 3، قال: "..ومهما أذنب الموحدون فإن ذنوبهم لا تحيط بأرواحهم، وظلمتها لا تعم قلوبهم، لأنهم بتوحيد الله ومعرفته وعز الإيمان ورفعته يغلب خيرهم على شرهم، ولا يطول الأمد في غفلتهم عن ربهم، بل هم كما قال الله تعالى:{إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} 4 يسرعون إلى التوبة، واتباع الحسنة السيئة {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} فإذا ذهب أثر السيئة من النفس كان ذلك هو الغفران، فكل سيئات الموحدين قابلة للمغفرة، ولذلك قال تعالى:{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} أي: يغفر ما دون الشرك لمن يشاء من عباده المذنبين وإنما مشيئته موافقة لحكمته، وجارية على مقتضى سنته.. وأما سنته تعالى فيما لا يغفره من الذنوب فتظهر من المقابلة وتلك هي الذنوب التي لا يتوب منها صاحبها ولا يتبعها بالحسنات

" 5.

ولكن المذنب الذي لا يتوب من ذنبه ويموت عليه هو في مشيئة الله

1 مجلة المنار (22/ 121)، وانظر: العقيدة الواسطية (ص: 233)

2 مجلة المنار نفس الصفحة.

3 سورة النساء، الآية (48، 116)

4 سورة الأعراف، الآية (201)

5 تفسير المنار (5/ 149 ـ 150)

ص: 233

تعالى، كما ذكرت عن أهل السنة، وكما هو رأي شيخ الإسلام ابن تيمية: وهو ما يحكيه الشيخ رشيد عن أهل السنة الذين يقولون: "إنه لا يخلد في النار إلا من مات كافراً وأما من مات عاصياً فأمره إلى الله وهو بين أمرين: إما أن يعفو الله عنه ويغفر له، وإما أن يعذبه على قدر ذنبه ثم يدخله الجنة لقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} 1 2

". وهذا القول هو في مقابل قول المعتزلة ومن على رأيهم، "وهؤلاء يقولون: إن مرتكب المعصية القطعية الكبيرة يخلد في النار

" 3.

واحتجت المعتزلة على مذهبها بآيات منها: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى} 4. قال الشيخ رشيد عندها: "قال الأستاذ الإمام رحمه الله تعالى: واستدلت المعتزلة بالآية على إحباط الكبائر للأعمال الصالحة حتى كأنها لم تعمل، وأجيب عن الآية بأن المراد بها لا تبطلوا ثواب صدقاتكم، وبغير ذلك من التكلف الذي لا يُحتاج إليه، لأن الكلام في إحباط المن والأذى للفائدة المقصودة من الصدقة.." 5. ثم قال الشيخ رشيد: "والذي تزعمه المعتزلة هو ان ارتكاب أي كبيرة من الكبائر يبطل جميع الأعمال الصالحة ويوجب الخلود في النار، فاستدلالهم بالآية على هذا إنما يدل على أنهم لم يفهموا هدى الله تعالى في كتابه.." 6.

وبيّن الشيخ رشيد اضطراب أصحاب المذاهب والمقالات في فهم قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} فقال:"وقد اضطرب في فهم الآية على بلاغتها وظهورها أصحاب المقالات والمذاهب الذين جعلوا القرآن عضين فلم يأخذوا بجملته ويفسروا بعضه

1 سورة النساء، الآية (48، 116)

2 تفسير المنار (4/ 432)

3 نفس المصدر والصفحة.

4 سورة البقرة، الآية (264)

5 تفسير المنار (3/ 65)

6 المصدر نفسه والصفحة.

ص: 234