المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: مظاهر البدع التي تعرض لها الشيخ رشيد رضا - منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة

[تامر محمد محمود متولي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

-

- ‌الفصل الأول: دراسة لعصر رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: الحياة السياسية

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الحياة السياسية في الدولة العثمانية:

- ‌المطلب الثاني: الحياة السياسية في مصر

- ‌المطلب الثالث: الحياة السياسية في الشام:

- ‌المبحث الثاني: الحالة العلمية

- ‌المطلب الأول: الحياة العلمية في مصر

- ‌المطلب الثاني: الحياة العلمية في الشام:

- ‌المبحث الثالث: الحياة الدينية:

- ‌الفصل الثاني: دراسة لحياة رشيد رضا الشخصية

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه ومولده ونشأته وصفاته

- ‌المطلب الأول: اسمه ونسبه

- ‌المطلب الثاني: مولده ونشأته:

- ‌المطلب الثالث: أخلاقه وصفاته:

- ‌المبحث الثاني: طلبه للعلم:

- ‌المطلب الأول: نشأته العلمية:

- ‌المطلب الثاني: هجرته إلى مصر:

- ‌المبحث الثالث: شيوخه:

- ‌المبحث الرابع: مذهبه وآرؤه الفقهية

- ‌المطلب الأول: مذهب رشيد رضا الفقهي

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد من ربا الفضل

-

- ‌المبحث الخامس:أثر الشيخ رشيد رضا في العالم الإسلامي

- ‌المطلب الأول: أثر المنار في مصر والهند

- ‌المطلب الثاني: مدرسة دار الدعوة والإرشاد:

- ‌المطلب الثالث: مؤلفات رشيد رضا:

- ‌المطلب الرابع: الكتابات حول رشيد رضا:

- ‌المبحث السادس: وفاة الشيخ رشيد:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في الاستدلال وموقفه من علم الكلام

- ‌‌‌تمهيد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: مصادر التلقي عند رشيد رضا

- ‌المطلب الأول: القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: السنة النبوية:

- ‌المطلب الثالث: الإجماع:

- ‌المطلب الرابع: الفطرة:

- ‌المطلب الخامس: العقل:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الاستدلال عند الشيخ رشيد رضا

- ‌القاعدة الأولى: الإيمان بظاهر القرآن

- ‌القاعدة الثانية: الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الثالثة: رفض التأويل:

- ‌القاعدة الرابعة: الردّ عند التنازع إلى الكتاب والسنة:

- ‌القاعدة الخامسة: مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم:

- ‌القاعدة السادسة: درء التعارض بين العقل والنقل:

- ‌القاعدة السابعة: المحكم والمتشابه:

- ‌المبحث الثالث موقف الشيخ رشيد من علم الكلام

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: نشأة رشيد رضا على مذهب الأشعرية وتحوله عنه:

- ‌المطلب الثاني: مخالفة رشيد رضا للمتكلمين:

- ‌المبحث الرابع:‌‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌ موقف الشيخ رشيد من ابن تيمية ومدرسته

- ‌المبحث الخامس: موارد رشيد رضا في العقيدة

- ‌أولاً: مؤلفات ابن تيمية

- ‌ثانياً مؤلفات ابن القيم (ت: 751هـ) ومدرسة ابن تيمية:

- ‌ثالثاً: مصادر أخرى:

- ‌الباب الأول: منهج رشيد رضا في الإيمان بالله تعالى

- ‌الفصل الأول: تعريف رشيد رضا الإيمان ومباحثه

- ‌المبحث الأول: تعريف الإيمان

- ‌المطلب الأول: تعريف الإيمان في اللغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الإيمان في الشرع:

- ‌المطلب الثالث: أدلة أهل السنة على خصال الإيمان الثلاثة:

- ‌المبحث الثاني: الصلة بين "الإيمان" و"الإسلام

- ‌المبحث الثالث: زيادة الإيمان ونقصانه

-

- ‌المبحث الرابع: الكبائر

- ‌المطلب الأول: تعريف الكبيرة وحكم مرتكبها:

- ‌المطلب الثاني: التكفير:

- ‌الفصل الثاني: منهج رشيد رضا في إثبات الربوبية

- ‌مدخل

- ‌في تقسيم التوحيد عند رشيد رضا

- ‌المبحث الأول: تعريف الربوبية

- ‌المطلب الأول: معنى كلمة "رب" في اللغة

- ‌المطلب الثاني: المعنى الشرعي لتوحيد الربوبية:

- ‌المبحث الثاني: منهج رشيد رضا في أدلة معرفة الله تعالى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الفطرة عند الشيخ رشيد رضا:

- ‌المطلب الثاني: النظر في الملكوت:

- ‌المطلب الثالث: الرسل وآياتهم:

- ‌المطلب الرابع: الاحتياط الواجب:

- ‌المطلب الخامس: موقف رشيد رضا من مسألة "حدوث العالم

- ‌المبحث الثالث: بدء الخلق:

- ‌الفصل الثالث: منهج رشيد رضا في إثبات الأسماء والصفات

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الأسماء الحسنى

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الناس من الأسماء الإلهية:

- ‌المطلب الثاني: مسألة الاسم والمسمى

- ‌المطلب الثالث: مصادر معرفة أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الرابع: عدد أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب الخامس: معنى إحصاء أسماء الله تعالى:

- ‌المطلب السادس: اسم الله الأعظم:

- ‌المطلب السابع: الإلحاد في أسماء الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: قواعد الصفات

- ‌المطلب الأول: منهج السلف في الصفات وتقرير الشيخ رشيد له جملة

- ‌المطلب الثاني: موقف الشيخ رشيد من قواعد المتكلمين:

- ‌المبحث الثالث: الصفات التي تكلم عليها رشيد رضا

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تقسيم الصفات:

- ‌المطلب الثاني: صفات الذات العقلية:

- ‌المطلب الثالث: صفات الفعل العقلية:

- ‌المطلب الرابع: صفات الذات الخبرية:

- ‌الفصل الرابع: منهج رشيد رضا في إثبات الألوهية ونفي الشرك والبدع

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الألوهية

- ‌المطلب الأول: تعريف الإله

- ‌المطلب الثاني: العبادة

- ‌المطلب الثالث: بعض أنواع العبادة التي ذكرها رشيد رضا

- ‌المبحث الثاني: نفي الشرك ومظاهره

- ‌تميهد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشرك:

- ‌المطلب الثاني: أقسام الشرك:

- ‌المطلب الثالث: منشأ الشرك:

- ‌المطلب الرابع: مفاسد الشرك ومساوئه:

- ‌المطلب الخامس: مظاهر الشرك:

-

- ‌المبحث الثالث: رفض البدع ومظاهرها

- ‌المطلب الأول: تعريف البدعة لغة وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: مظاهر البدع التي تعرض لها الشيخ رشيد رضا

- ‌الفصل الخامس: منهج رشيد رضا في إثبات القدر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: موقف رشيد رضا من الفرق في القدر

- ‌المبحث الأول: تعريف القدر: لغة وشرعاً

- ‌المطلب الأول: تعريف القدر لغة

- ‌المطلب الثاني: الإيمان بالقدر شرعاً:

- ‌المبحث الثالث: بيان رشيد رضا لأركان القدر

- ‌المطلب الأول: العلم

- ‌المطلب الثاني: الكتابة:

- ‌المطلب الثالث: الإرادة:

- ‌المطلب الرابع: الخلق:

- ‌المبحث الرابع: القدر والأسباب

- ‌المبحث الخامس: الهدى والضلال:

- ‌المبحث السادس: الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى

- ‌المبحث السابع: الحسن والقبح:

- ‌المبحث الثامن: الصلاح والأصلح

- ‌المبحث التاسع: العمر، والرزق، والدعاء:

- ‌المبحث العاشر: الكونيات والشرعيات:

- ‌المبحث الحادي عشر: الاحتجاج بالقدر:

- ‌الباب الثاني: منهج رشيد رضا في الإيمان بالملائكة والكتب والرسل

- ‌الفصل الأول: الإيمان بالملائكة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الملائكة

- ‌المطلب الأول: وجوب الإيمان بالملائكة جملة وتفصيلاً

- ‌المطلب الثاني: وظائف الملائكة وخصائصهم:

- ‌المطلب الثالث: التفاضل بين الملائكة والأنبياء:

-

- ‌المبحث الثاني: الجن والشياطين:

- ‌المطلب الأول: معنى الجن والشيطان:

- ‌المطلب الثاني: رؤية الجن:

- ‌المطلب الثالث: دخول الجن في جسم الإنسان:

- ‌الفصل الثاني: الإيمان بالكتب

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: القرآن

- ‌المبحث الثاني: التوراة:

- ‌المبحث الثالث: الإنجيل:

- ‌الفصل الثالث: الإيمان بالرسل

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف النبي والرسول:

- ‌المبحث الثاني: الحاجة إلى الوحي والنبوة:

- ‌المبحث الثالث: معنى الوحي وأنواعه، وشبهة الوحي النفسي

- ‌المطلب الأول: تعريف الوحي

- ‌المطلب الثاني: الوحي النفسي:

- ‌المطلب الثالث: الوحي والنبوة عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث الرابع: عدد الرسل:

- ‌المبحث الخامس: صفات الرسل ووظائفهم

- ‌المطلب الأول: صفات الرسل

- ‌المطلب الثاني: وظيفة الرسل:

- ‌المبحث السادس: عصمة الأنبياء

- ‌المطلب الأول: تعريف العصمة

- ‌المطلب الثاني: بعض مسائل العصمة:

- ‌المطلب الثالث: الأدلة العقلية والنقلية على ثبوت العصمة:

- ‌المطلب الرابع: دفع شبهات حول العصمة:

- ‌المطلب الخامس: عصمة الأنبياء عند أهل الكتاب:

- ‌المبحث السابع: آيات الأنبياء، وكرامات الأولياء، وخوارق الأشقياء

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشيخ رشيد للآية والمعجزة:

- ‌المطلب الثاني: أنواع الآيات:

- ‌المطلب الثالث: كرامات الأولياء:

- ‌المطلب الرابع: الفرق بين آيات الأنبياء وخوارق الأشقياء:

- ‌المبحث الثامن: نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: حاجة العالم لبعثة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: أدلة نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث التاسع: منهج رشيد رضا في الصحابة:

- ‌المبحث العاشر: الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الأول: تعريف الخلافة والإمامة

- ‌المطلب الثاني: طرق التولي:

- ‌المطلب الثالث: وظيفة الإمام:

- ‌المطلب الرابع: ما يخرج به الخليفة عن الإمامة:

- ‌المطلب الخامس: تعدد الأئمة:

- ‌الباب الثالث: منهج محمد رشيد رضا في الإيمان باليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول: منهج رشيد رشا لليوم الآخر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: إثبات الشيخ رشيد لليوم الآخر جملة وحكمه:

- ‌المبحث الثاني: الموت والبرزخ:

- ‌الفصل الثاني: البعث وأدلته

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: أدلة البعث

- ‌المطلب الأول: النشأة الأولى

- ‌المطلب الثاني: الاستدلال على البعث بالخلق:

- ‌المطلب الثالث: المشاهدة:

- ‌المطلب الرابع: قدرة الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: البعث يكون بالجسد والروح:

- ‌الفصل الثالث: الساعة وأشراطها

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الساعة

- ‌المطلب الأول: تعريف الساعة لغة واصطلاحاً وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: علم الساعة:

- ‌المبحث الثاني: أشراط الساعة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف الشيخ رشيد من أشراط الساعة جملة:

- ‌المطلب الثاني: موقف رشيد رضا من أشراط الساعة تفصيلاً:

- ‌الفصل الرابع: الصور والموازين

- ‌المبحث الأول: الصور

- ‌المبحث الثاني: الموازين:

- ‌الفصل الخامس: الجنة والنار

- ‌المبحث الأول: الجنة ونعيمها

- ‌المبحث الثاني: النار وعذابها:

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المطلب الثاني: مظاهر البدع التي تعرض لها الشيخ رشيد رضا

في معنى البدعة الشرعية، وهو أنها كلها ضلالة، وأما الذي يرد التقسيم فهو البدعة اللغوية، فهي التي تقسم إلى حسنة وسيئة أو إلى الأحكام الخمسة أي: الوجوب والندب والتحريم والكراهة والجواز والإباحة. وهي إنما تكون -كما يقول الشيخ رشيد-: "في المستحدثات الدنيوية، فالحين منها هو النافع كبناء القناطر والمدارس والمستشفيات وتدوين العلوم والصناعات والحرف، والقبيح يكون حراما أو مكروها، وما ليس من هذا ولا ذاك فهو المباح كمستحدثات الزينة غير المحرمة والطيبات من الرزق، وهذه إنما تسمى بدعة في اللغة لا في الشرع

"1.

وهذا الاتجاه في تعريف البدعة وتحديدها هو الصحيح الموافق للأدلة وعليه أكثر أهل العلم كما ذكرت قبل قليل.

ويقرر الشيخ رشيد أن البدع من هذا النوع، كثيرة "فإنهم أحدثوا في الدين أشياء ما كانت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه

"2.

ومن هنا ننتقل إلى بعض البدع التي تناولها الشيخ رشيد في كتاباته وقد قسمتها إلى أقسام، منها بدع الشهور والأيام، وبدع العبادات، وبدع المساجد، وبدع الموالد، وبدع العامة وغيرها.

1 مجلة المنار (23/476) .

2 المصدر نفسه والصفحة.

ص: 555

‌المطلب الثاني: مظاهر البدع التي تعرض لها الشيخ رشيد رضا

لقد تعرض رشيد رضا لكثير من البدع التي راجت بين المسلمين، سوف أقتصر على نماذج منها مخافة الإطالة.

أولاً: بدع الصوفية:

تعتبر فرقة الصوفية هي أم البدع، لقد استقر أمرها إلى أن صارت

ص: 555

كدين جديد له قواعده المختلفة عن دين الإسلام، كما أن له مصادر تلقي خاصة به غير مصادر التلقي العامة عند المسلمين.

ولقد تحدث الشيخ رشيد رضا عن هذه الفرقة وهو يعرفها تمام المعرفة، إذ كان –رحمه الله أحد السالكين للطريقة النقشبندية1. ولكنه تحول عن ذلك فيما تحول عنه بعد اطلاعه على كتب السلف لا سيما كتب ابن تيمية ومدرسته.

والذي يترجح في سبب تسمية الصوفية بهذا الاسم أنهم نسبوا إلى لبس الصوف2.

وقد تحدث الشيخ رشيد عن نشأة الصوفية وتطورها إلى أن صارت رأس الفرق المبتدعة وأبعدها أثرا في الإسلام، فيرى الشيخ رشيد أن أول ظهور الصوفية كان في صورة حسنة تقصد إلى "التخلق بالأخلاق الفاضلة وما تستتبعه من أعمال البر والتقوى"3. ثم إنها استقلت –بعد ذلك- وتميزت حتى صارت فرقا مستقلة، ثم مازجت كتبهم تعاليم غريبة وحدثت لهم اصطلاحات خاصة"4. ثم إن هذه الفرق –صارت- كما يقول الشيخ رشيد –وكما يعرفها الناس: "مصدر تلك المنكرات ومعهد تلك الموبقات"5.

يقول الشيخ رشيد: "

إن مقاصد الصوفية الحسنة قد انقلبت ولم يبق من رسومهم الظاهرة إلا أصوات وحركات يسمونها ذكرا يتبرأ منها كل صوفي وإلا تعظيم قبور المشايخ تعظيما دينيا مع الاعتقاد بأن لهم سلطة

1 انظر: المنار والأزهر (ص:148) ، والنقشبندية، هي إحدى الطرق الصوفية نسبة إلى الشيخ محمد بهاء الدين شاه نشقنبند. انظر: عبد الرحمن دمشقية: "النقشبندية (ص:29) ط: دار طيبة، الرياض، الثالثة 1409هـ/1988م.

2 انظر: ابن تيمية: مجموع الفتاوى (11/6-7) .

3 مجلة المنار (1/119) .

4 المصدر نفسه والصفحة.

5 المصدر نفسه والصفحة.

ص: 556

غيبية تعلوا الأسباب التي ارتبطت بها المسببات بحكمة الله تعالى، بل يدبرون الكون ويتصرفون فيه كما يشاءونه

وزادوا على هذا شيئاً آخر هو أظهر منه قبحا وأهدم للدين - وهو زعمهم أن الشريعة شيء والحقيقة شيء لآخر، فإذا اقترف أحدهم ذنبا ف، كر عليه منكر قالوا في المجرم إنه من أهل الحقيقة فلا اعتراض عليه، وفي المنكر أنه من أهل الشريعة فلا التفات إليه

"1.

وباختصار فقد "انحرف المنتسبون لطريقة التصوف عن هدي سلفهم"2.

وقد كان للصوفية أسوأ الأثر على عقائد المسلمين. وفي ذلك يقول الشيخ رشيد: "

فلينظر الناظرون إلى أين وصل المسلمون ببركة التصوف واعتقاد أهله بغير فهم ولا مراعاة شرع - اتخذوا الشيوخ أندادا، وصار يقصد بزيارة القبور والأضرحة قضاء الحوائج وشفاء المرضى وسعة الرزق، بعد أن كانت للعبرة وتذكر القدوة

ونتيجة ذلك كله أن المسلمين رغبوا عما شرع الله إلى ما توهموا أنه يرضي غيره ممن اتخذوهم أنداداً، وصاروا كالإباحيين في الغالب، فلا عجب إذا عم فيهم الجهل واستحوذ عليهم الضعف، وحرموا ما وعد الله به المؤمنين من النصر

"3. ومن أشهر بدع الصوفية ما يلي:

أ – الألقاب الصوفية:

يخلع الصوفية على رؤسائهم ألقابا دينية تماثل الألقاب العسكرية في الدول الحديثة، وكما خلع الفلاسفة صفات الإله على ما أسموه "العقل الأول" وكما خلع النصارى صفات الإله على ما سموه "الكلمة" فإن الصوفية جعلوا صفات الإلهية والربوبية على ما أسموه بالقطب والوتد4.

1 تفسير المنار (2/72-74) والصوفية يتمسكون بأذكارهم المبتدعة ولا يتبرؤون منها. انظر: الوكيل: هذه هي الصوفية. (ص:141) .

2 مجلة المنار (1/823) .

3 تفسير المنار (2/76) .

4 انظر: عبد الرحمن الوكيل: "هذه هي الصوفية"(ص:124) .

ص: 557

والقطب عند الصوفية هو أكمل إنسان متمكن في مقام الفردية، أو الواحد الذي هو موضع نظر الله في الأرض في كل زمان، عليه تدور أحوال الخلق، وقد يسمى الغوث باعتبار التجاء الملهوف إليه1.

وهذا القطب هو خليفة الله في الأرض، خلافة مطلقة جملة وتفصيلا، خليفة في تصريف الحكم وتنفيذه ويقوم على شؤون الكون جميعاً2.

ولهذا القطب أعوان، هم الأوتاد الأربعة، وقيل ثلاثة، كلما مات قطب الوقت أقيم أحدهم مكانه، ثم الأبدال وهم أدنى منزلة من الأوتاد وفي عددهم خلاف3.

ويخلع الصوفية على أصحاب هذه المراتب صفات الربوبية كالتصرف في الكون والإسعاد والإشقاء، والمنع والعطاء.

ويرد الشيخ رشيد على هذه الوظائف الروحية عند الصوفية، باعتبار أنها لم ترد في الكتاب ولا في السنة فيقول: "

وأما القطب وسائر الموظفين الروحانيين في دائرة تصرفه الذين يسمونهم رجال الغيب كالإمامين والأوتاد والأبدال، فلم يرد شيء صحيح في السنة إلا ما رووه في الأبدال وهي روايات ضعيفة مضطربة في بعضها يعدون ثلاثين وبعضها أربعين إلخ

"4.

ونقل الشيخ رشيد كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه الألقاب في رسالة "الصوفية والفقراء" ومما نقله قوله: "وأما الأسماء الدائرة على ألسنة كثير من النساك والعامة مثل الغوث الذي يكون بمكة والأوتاد الأربعة والأقطاب السبعة والأبدال الأربعين والنجباء الثلاثمائة – فهذه الأسماء ليست

1 انظر: الجرجاني: التعريفات (ص:155، 325)، وعبد الرحمن الوكيل: المصدر نفسه.

2 انظر: علي حرازم: جواهر المعاني (ص:81) وما بعدها.

3 انظر: المصدر نفسه (ص:93)، والمنوفي: جمهرة الأولياء (1/121 و406)، والجرجاني: التعريفات (ص:33 وص:235) .

4 مجلة المنار (5/ 56) .

ص: 558

موجودة في كتاب الله تعالى ولا هي مأثورة عن النبي

"1 ثم قال الشيخ رشيد ملخصا لكلام شيخ الإسلام: "ثم ذكر –أي ابن تيمية- أن لفظ الغوث لا يستحقه إلا الله تعالى، وأن القول بالقطب من جنس دعوى الرافضة بالإمام المعصوم

ثم تكلم في لفظ الأبدال وجميع ما قيل في معناه وما يصح منه وما لا يصح

"2.

ثم يقول الشيخ رشيد عن لفظ الأبدال الوارد فيبعض الروايات: "

ولفظ الأبدال أشهر في هذه الألفاظ ولم يكن الناس يفهمون في القرن الثاني والثالث من هذا اللفظ ما ادعاه الصوفية بعد، بل قال الإمام أحمد إن الأبدال هم أهل الحديث، وأما ما في هذه الروايات من أن الله تعالى ينصر أهل الشام ويرزقهم بالأبدال فهو من علل متونها ودلائل وضعها، فالله تعالى قد جعل للنصر أسباباً تعرف من كتابه ومن سننه في خلقه

وإننا نرى أهل الشام الآن في غاية البؤس وضيق الرزق والجيوش الفرنسية تدمر بلادهم

"3.

ولا يقتصر عجز هؤلاء المتصرفين في الكون على الشام، بل إن كل بلاد التي يزعمون فيها هؤلاء المتصرفين في الكون تراها في أتعس حال ولأشد بلاء.

يقول الشيخ رشيد: " وقد آن أن نعقل ونفهم ديننا من القرآن

، آن لنا أن ندوس هؤلاء المضلين وكل من ينصرهم ويتأول لهم من سدنة القبور المعبودة لاعتقاد العامة أن الرزق وسعادة الدنيا تطلب من المدفونين فيها

"4.

1 المصدر نفسه (27/752-754)، وقارن مع ابن تيمية: مجموع الفتاوى (11/433) .

2 المصدر نفسه والصفحة، وقارن مع ابن تيمية: مجموع الفتاوى (11/437) .

3 المصدر نفسه والصفحة، وانظر: أحاديث الأبدال: الهيثمي: مجمع الزوائد (10/62-63) .

4 المصدر نفسه والصفحة. وقارن مع جميل غازي: الصوفية: مجلة التوحيد، سنة 23، عدد 3، (ص:21) وما بعدها، الوكيل: هذه هي الصوفية (ص:124) .

ص: 559

ب – التصرف في الكون:

وما يدعيه الصوفية لهؤلاء الموظفين، أنهم يجتمعون في ديوان "يجتمع فيه الأحياء والميتون فما أقروا عليه فهو الذي يقع في الكون

"1. ويزعمون: "أن منهم من يتصرف في الكون ويقدر على قلب نواميسه وتبديل سننه وتحويلها، فيسعد ويشقى ويفقر ويغني مكن غير سبب غير مجرد تصرفه

"2.

وبين الشيخ رشيد خطورة هذا الاعتقاد على العامة وتوحيدهم لأنهم "متى سلموا بها جزموا بأن مثل هذا الولي يفعل ما يشاء فيصرفون قلوبهم إليه ويطلبون حوائجهم منه، فيكونون قد اتخذوه إلهاً

"3.

ويقول عن هذا الاعتقاد: "هذا الاعتقاد هو الذي شقي به قبل الإسلام من لا يحصى من الأقوام، هذا الاعتقاد هو الذي يقيد إرادة الإنسان بإرادة غيره من أبناء جنسه

وهذا الاعتقاد هو المرض الذي يفسد العقل ويجعله يرجوا م لا يرجى ويخاف مما لا يخاف، هذا الاعتقاد هو شعبة من الشرك

"4.

ويقول: "إن الإيجاد والتصرف في الأشياء بمقتضى الإرادة المعبر عنها بكلمة "كن" هو خاص بخالق العالم ومدبره

"5.

إن الذي يدعيه الصوفية في أوليائهم هم من خصائص الربوبية فالذي يسعد ويشقي ويمنع ويعطي هو الله تعالى، ويترتب على هذا الشرك في الربوبية، شرك في الألوهية بتوجه هؤلاء الدهماء المغفلين، الذين يصدقون باعتقاد تصرف الأولياء في الكون إلى هؤلاء بأنواع العبادة المختلفة والتي لا تنبغي إلا لله تعالى.

1 مجلة المنار (7/434) .

2 المصدر نفسه (2/147-148) .

3 المصدر نفسه (7/297) .

4 مجلة المنار (2/212-213) والصواب أن هذا الاعتقاد هو الشرك بعينه.

5 المصدر نفسه (7/281) .

ص: 560

ولقد بلغت جرأة هؤلاء على اله تعالى واستعبادهم لعبيده، أن زعموا أنهم يستطيعون بيع قصور الجن لمن يشاءوا وقد نشر الشيخ رشيد أحد عقود بيع قصر في الجنة بين أحد الأولياء وأحد الحمقى والمغفلين1.

ج – الذكر الصوفي:

إن الذكر الذي يحبه الله ورسوله ويؤجر عليه فاعله هو ما ورد في الكتاب والسنة، ونقله الأئمة الذين يعول عليهم في ذلك. وهو الذكر المأمور به في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} 2 وهو الموافق لقوله تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} 3 وقول النبي صلى الله عليه وسلم "أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله"4.

ولكن الصوفية ابتدعوا شيئاً أسموه ذكراً، ومن باب التلبيس والتضليل، ففي أعياد الوثنية التي يسمونها: موالد، وفي معابد الأضرحة التي يسمونها مساجد، يعقدون حلقات للرقص، المصحوب بآلات الموسيقى (المعازف) ، تتمايل معها أجسامهم يمنة ويسرة، ويسمون ذلك الرقص ذكرا5. وهذه الطريقة في الذكر هي سنة اليهود في ذكرهم لله كما هو مدون في كتابهم المقدس6.

1 مجلة المنار (2/149-150) وقارن مع الوكيل: هذه هي الصوفية (ص:131) وما بعدها.

2 سورة الأحزاب، الآية (41-42) .

3 سورة البقرة، الآية (255) .

4 رواه الترمذي: كتاب: الدعوات، باب في دعاء يوم عرفة، ح:3585، وقال: هذا حديث غريب (5/572) ط. شاكر وزملائه. ورواه مالك: الموطأ، ك: القرآن، باب: ما جاء في الدعاء، ح:32، ط. دار الحديث، مصر، الثانية، سنة 1413هـ.

5 انظر: علي محفوظ: الإبداع (ص:312)، والوكيل: هذه هي الصوفية (ص:143) .

6 انظر: العهد القديم: المزامير: المزمور (ص:149)(ص:936، ط. دار الكتاب المقدسي)، وانظر: ابن الجوزي: نقد العلماء أو تلبيس إبليس (ص:22) ت: محمود مهدي الإستانبولي 1396.

ص: 561

وقد رد الشيخ رشيد رحمه الله – الذكر الصوفي واستدل على ذلك بأدلة الشرع، واستشهد على بطلانه بمن استطاع من العلماء المعاصرين له المؤيدين للسنة. فقال: "

وقد أكمل الله لنا الدين فليس لنا أن نزيد فغي عباداته ولا أن ننقص منها، لا كما ولا كيفا، فالاجتماع لذكر الله تعالى ومزجه بالعزف بآلات الطرب كالدفوف والمزمار والشبابة ونحوها بدعة في الدين وزيادة عبادة1 لم يأذن بها الله، فلا تباح بحسن القصد كما لا يباح لنا أن نخترع كيفية لصلاة التطوع بأن نسجد في كل ركعة ثلاث مرات لأجل زيادة الخشوع مثلاً. ولقد عمل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم – بالدين على أكمل وجوهم فحسبنا ما صح نقله عنهم

"2.

وورد إلى الشيخ رشيد من بعض البلاد العربية ليعرضه على علماء الأزهر - والسؤال كان حول الرقص والتغني والإنشاد في مجلس الذكر، فعرضه الشيخ على بعضهم فأجاب بما يلي: "

إن الرقص والتواجد أحدثهما أصحاب السامري

والرقص دين الكفار وعباد العجل، فينبغي للسلطان ونوابه أن يمنعوهم من الحضور إلى المساجد وغيرها، ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم ولا يعينهم على طلبهم

ومن أدلة التحريم قوله تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} 3 فسره مجاهد بالغناء والمزامير4، ومنها قواه تعالى:{أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ، وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ، وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} 5 أي: مغنون6

ومن هذا كله تعلم أن المذاهب كلها على تحريم ما يصنع هؤلاء وأن فعلهم هذا ممقوت عند الله وعند العلماء والعقلاء وأن

1 على أنه لا يجوز أن يطلق على مثل هذه الأفعال أنها عبادة.

2 مجلة المنار (4/704) .

3 سورة الإسراء، الآية (64) .

4 انظر: ابن كثير: التفسير (3/94) .

5 سورة النجم، الآيات (59، 60، 61) .

6 انظر: البن كثير: التفسير (4/261)، وانظر: الهيثمي: مجمع الزوائد (7/116) وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح.

ص: 562

مجلسهم مجلس الشيطان لا مجلس الرحمن، ولا يجوز إفشاء السلام عليهم

فيترك السلام خوفاً أن يظنوا أنهم محقون مكرمون مرضي عنهم

"1.

ومن بدع الذكر الصوفي ذكر الله تعالى بأسمائه مفردة، فيقولون: الله الله، حي حي حي، وربما ذكروا بالضمير: هو هو هو، ونادوه: يا هو2.

واحتجوا بان الذكر لم يرد مقيدا بل مطلقا فيجوز ذكره تعالى بكل طريق، وببعض الآثار كقوله صلى الله عليه وسلم: "

حتى لا يقال في الأرض: الله الله3، وبإجماع الصوفية لا سيما كبراؤهم4.

وقد رد الشيخ رشيد على كل تلك الشبهات، فمنع الدعوى الأولى بأن الذكر جاء مقيدا ومطلقا فيحمل هذا على ذاك، وبعدم حجية كلام الصوفية في إثبات العبادة، وأما الأحاديث فقال:"وأما حديث أنس فقد ورد بروايات وفي أحدها بلفظ "على أحد أن يقول لا إله إلا الله" 5 وفي زيادة: "ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر" 6، والظاهر أن المراد من الرواية الأولى ما هو بمعنى الثانية، أي لا أحد يذكر الله وحده في إسناده الأمور إليه، والروايات وردت برفع لفظ الجلالة لا بسكونه واللفظ في العربية لا بكون مرفوعا ولا منصوبا ولا مجرورا إلا في الكلام المركب

"7.

ومن البدع التي أنكرها الشيخ رشيد في الذكر الصوفي، بدعة الذكر

1 مجلة المنار (12/273) وما بعدها، والمفتون بذلك هم جماعة من المدرسين على المذاهب الأربعة بالأزهر، انظر أسمائهم وتوقيعاتهم في المصدر المحال عليه.

2 انظر الوكيل: مصدر سابق (ص: 144-145) .

3 مسلم: الصحيح: ك: الإيمان، ح234 (148)(1/131) .

4 انظر: مجلة المنار (14/99-103) .

5 هذا لفظ الحاكم: المستدرك (4/494)، قال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

6 رواه بهذا اللفظ: الحاكم: المستدرك (4/494) وقال: صحيح على شرط مسلم، والخطيب في تاريخ بغداد (3/82) .

7 مجلة المنار (9/290، و14/99-103) .

ص: 563

مع نطق العدد دون تكرار اللفظ: كأن يقال: سبحان الله ألف مرة، والحمد لله ثلاثا، أو نحوه، لأن ذلك يقضي – إذا سلم- أنه يجوز أن نغير الأذان بأن يقول المؤذن:"الله أكبر أربع مرات، أشهد أن لا إله إلا الله مرتين"

وهكذا بذكر لفظ العدد، وما هو إلا قياس شيطاني يراد به إفساد الدين، فهو قول باطل لا يلتفت إليه

"1.

د) - الكشف الصوفي:

من أصول الدين الإسلامي أنه لا يعلم الغيب إلا الله تعالى، قال تعالى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ

} 2 وأن الخلق مهما كانت منزلة أحدهم لا يصل إلى معرفة الغيب إلا من شاء الله يطلعه على ما شاء من ذلك. قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} 3.

ولكن الصوفية خالفوا آيات الكتاب وادعوا علم الغيب وسموا ذلك كشفا. وهو لفظ عام يدخل تحته أمور: منها رؤية النبي يقظة، وكذلك الأولياء بعد موتهم، والرؤى في المنام، والإلهام والفراسة والهواتف، وخرق الحجب الحسية، وإطلاع على المغيبات بعين البصر أو البصيرة4.

وجعل الصوفية الكشف من كمصادر تلقي الدين عندهم5.

ولقد رد الشيخ هذا الأصل الصوفي، وهذه الدعوى الواهية، فقال: "لم يقل أحد من أئمة المسلمين أن الكشف من الدلائل الشرعية أو من مآخذ الأحكام الدينية، ولا يقبل أحد من المتكلمين ولا من المحدثين، ولا من الفقهاء الاحتجاج بحديث لم تصح روايته بالطرق المعروفة في علم

1 المصدر نفسه (7/463-164) وقارون مع الوكيل: هذه هي الصوفية (ص: 141) وما بعدها.

2 سورة النمل، الآية (65) .

3 سورة الجن، الآية (26) .

4 انظر: ابن تيمية: مجموع الفتاوى (11/313) .

5 انظر: صادق سليم: المصادر العامة للتلقي عند الصوفية (ص: 183) وما بعدها.

ص: 564

الحديث ممن يدعي أنه صح من طريق الكشف، فهذا الكشف الذي يتحدث به الصوفية، شيء لا يثبت به حكم شرعي ولا دليل حكم شرعي كالحديث، ولو جعلنا الكشف حجة شرعية لما كانت دلالة الشرع محصورة فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه وتلقوه عنه أصحابه الذين هم خيرة هذه الأمة وهم لم يقولوا بهذا الكشف ولم يحتجوا به

"1.

وعن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة وتلقي الأحكام عنه، وهو بعض ما يدعيه الصوفية –يقول الشيخ رضا "وأما ما نقله

من استشارة الأئمة المجتهدين للنبي صلى الله عليه وسلم يقظة في كل ما أثبتوه، ومن القول بعصمتهم فهما من الباطل الذي لا يقبله إلا الخرافي الجاهل ثم إن الذين ادعوا أنهم يرون النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة ويسألونه عن الأحاديث المروية عنه وعن الأحكام والحقائق يختلفون في كل ذلك اختلافا يدور بين النفي والإثبات والحلال والحرام والكفر والإيمان فكيف يمكن أن تصح دعواهم؟

"2.

وهذه حجة صحيحة، فإن الاختلاف والتناقض دليل البطلان، كما قال تعالى:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} 3.

وأما دعوى رؤية النبي صلى الله عليه وسلم –بعد موته- فهي دعوى بلا دليل، وهي لم تقع لأحد من الصحابة على حبهم له. يقول الشيخ رشيد: "وأما مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة أي رؤية روحه الشريفة القدسية متشكلة بصورته الكاملة الجسدية، فقد اختلف العلماء فيها4، فنفاها قوم وأثبتها آخرون ممن يدعونها أو يصدقون من ادعاها من الصوفية، ومن الثقات من قال بإمكان

1 مجلة المنار (10/349) .

2 مجلة المنار (26/736-737) .

3 النساء، الآية (82)

4 لم يقل أحد من العلماء الثقات المعتبرين بجواز رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة، ولا قال أحد منهم بوقوعها، وإنما هو قول الخرافيين والدجالين من الصوفية ونحوهم. انظر: ابن حجر: فتح الباري (12/م400-402) .

ص: 565

حصولها في حال بين النوم واليقظة

"1.

ويعتمد مدعو رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة، على حديث:"من رآني في المنام فسيراني في اليقظة"2. الحق أن هذا الحديث تفسيره الرواية الأخرى وفيها: "فكأنما رآني في اليقظة" 3 وكلاهما في الصحيح. وأما أخذ الرواية الأولى على ما يذهب إليه الصوفية فهو مشكل جداً، "ولو حمل على ظاهره لكان هؤلاء صحابة ولأمكن بقاء الصحبة إلى يوم القيامة، وبعكر عليه أن جمعاً جماً رأوه في المنام قم لم يذكر واحد منهم رآه في اليقظة وخبر الصادق لا يختلف"4، وفي توجيه الرواية أوجه أخرى، كلها تدل على غير ما يريده الصوفية5.

فالصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرى في اليقظة ويرى في المنام كما دلت الأحاديث ولكن ليس ذلك دليلا شرعيا يترتب عليه أحكام شرعية كما يدعي الصوفية، وأما ما ادعاه بعضهم من رؤيته صلى الله عليه وسلم يقظة، فهو إن كان ممن لا يتعمد الكذب فهي من الرؤية الخيالية لا من الرؤية الحقيقية، وكما يقول الشيخ رشيد:" إنها لا تتضمن أخذ شيء عنه ينافي القرآن أو غيره من أصول الشريعة أو فروعها القطعية"6.

إن الشيخ رشيد رحمه الله إذ يقرر أن "الكشف ضرب من علم الغيب

1 مجلة المنار (26/736) ، ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام لا بد أن تكون على الصفة التي كان عليها صلى الله عليه وسلم في حياتهو فليس كل من رأى شخصاً يكون قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يكون رآه على صفة صحيحة كما في كتب وروايات المحدثين.

2 انظر: السيوطي: تنوير الحالك (2/50)، وابن حجر الهيثمي: الفتاوى الحديثية (ص:212)، والحديث عند البخاري: الصحيح، ك: التعبير، باب: من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، ح: 6993 (12/399) مع الفتح.

3 انظر: مسلم: الصحيح، ك: الرؤيا، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من رآني في المنام فقد رآني"، ح: 2261 (4/1775)، وانظر: ابن حجر: فتح الباري: () 12/400 وما بعدها.

4 ابن حجر: الفتح: نفس الصفحة، و (12/402) .

5 المصدر نفسه والصفحة.

6 مجلة المنار (26/737) .

ص: 566

في الظاهر"1، وأن البحث في مسألة رؤية النبي يقظة هو بحث "علمي لا ديني إذ الدين لم يكلفنا باعتقاد أن الناس يرون الأرواح المجردة ولكن نقل ذلك عن كثير من الناس.....واختلف فيه هل هو حقيقي أو خيالي، أو في حالة بين اليقظة والنوم، وأن له طريقا صناعية –أي التخيل- وأن هذا أمر مبهم، هو في ذلك كله يواجه ما ادعاه الصوفية من الكشف برؤية النبي يقظة وغيره "ويجب القطع ببطلان كل ما ينقل في هذه الحالة عن روح النبي صلى الله عليه وسلم وغيره...."2.

هـ) - الزهد الصوفي:

لقد جاء القرآن بكل ما فيه صلاح النفس الإنسانية لتبلغ كمالها وسعادتها باتباعه، و"إن في إخلاص التوحيد وصدق الإيمان وطيب الإحسان فيما أنعم الله به لواحة وريفة الظل

"3. وليس فوق هداية القرآن وإصلاحه للنفس هداية وإصلاح {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} 4.

ولكن الصوفية لم تكفهم آيات الكتاب المنزلة للهداية وإصلاح حال البشرية، فابتدعوا طريقا آخر لإصلاحها، فوضعوا قوانين رياضية لتهذيب النفس، بل لتعذيب النفس، حتى تصل – بزعمهم- إلى كمالها. وسموا ذلك:"زهدا".

وزهد الصوفي هو: "بغض الدنيا والإعراض عنها، وقيل: هو ترك راحة الدنيا طلبا لراحة الآخرة. وقيل: هو أن يخلو قلبك مما خلت منه يدك"5.

وأما الزهد السني، فهو ترك ما لا ينفع في الآخرة، وقصر الأمل، وليس الزهد بأكل أنواع من الطعام دون أنواع، ولا لبس شيء مخصوص

1 المصدر نفسه (7/500) .

2 المصدر نفسه (26/737) .

3 عبد الرحمن الوكيل: هذه هي الصوفية (ص:136) .

4 سورة الجاثية، الآية (6) .

5 الجرجاني: التعريفات (ص:102) ومع ذلك فقد وجد لكثير من "زهاد" الصوفية مدخرات وأموال كثيرة بعد وفاتهم وانكشاف ثرواتهم.

ص: 567

من الثياب1. أما الزهد الصوفي فليس من شريعة الإسلام، بل فيه القضاء على الفرد وعلى الجماعة. وأصله مأخوذ من ديانات الوثنية الذين بنوا دينهم على تعذيب النفس لتهذيبها2.

ولقد عارض الشيخ رشيد هذه الفلسفة الصوفية ووصفها بالغلو، واعتبر أن سيرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هي المثل الأعلى، وأن الصوفية وشيوخهم "لم يبلغوا مد أحدهم ولا نصيفه"3، ووصف هذه الفلسفة الصوفية بأنها "فلسفة خيالية من خيالات وحدة الوجود البرهمية الهندية، قد شغل بها أفراد عن فطرة الله وشرعه معا

وما إرادة وجه الله تعالى إلا الإخلاص له في كل عمل مشروع من مصالح الدين والدنيا وتحري هداية دينه فيه، لا ما تخيلوه من أن إرادة وجهه تعالى هو الوصول إلى ذاته بعد التجرد من كل نعمة في الدنيا والآخرة جميعا...."4.

وأشار الشيخ رشيد إلى الزهد الصوفي، وإلى الأصل الذي أخذه الصوفية منه، فقال: "وأما ترك الطيبات البتة كما تترك المحرمات تمسكا وتعبدا لله تعالى بتعذيب النفس وحرمانها، فهو محل شبه فتن بها كثير من العباد والمتصوفة، فكان من بدعهم التركية، التي تضاهي بدعهم العملية، وقد اتبعوا فيها سنن من قبلهم شبرا بشبر وذراعا بذراع، كعبادة بني إسرائيل ورهبان النصارى، وهؤلاء أخذوها من بعض الوثنيين كالبراهمة الذين يحرمون جميع اللحوم ويزعمون أن النفس لا تزكو ولا تكمل إلا بحرمان الجسد من الذات، وقهر الإرادة بمشاق الرياضات

"5.

ويرى الشيخ رشيد أن هدي القرآن كاف في تزكية النفس الإنسانية وتربية الإرادة فيقول:" وحسبنا منه ما شرعه الله لنا من الصيام وهو مما

1 ابن القيم: مدارج السالكين (2/10) .

2 انظر: الوكيل: المرجع السابق (ص:138) وما بعدها.

3 تفسير المنار (2/239) وأيضا (7/26) .

4 المصدر نفسه (2/239) .

5 المصدر نفسه (7/19) .

ص: 568

يدخل في عموم التقوى في هذا المقام

فالصيام رياضة بدنية نفسية وجمع بين حرمان النفس من لذاتها لقصد التربية وبين تمتعها بها توسلاً إلى شكر النعمة والقيام بالخدمة

"1.

ويبين الشيخ رشيد وسطية هذا الدين في هذا الجانب فيقول: "

إن هدى القرآن في الطيبات أي المستلذات هو ما تقتضيه الفطرة السليمة المعتدلة من التمتع بها مع الاعتدال والتزام الحلال

"2.

ومن حيث الدليل، فإنه لا يوجد دليل يحتج به هؤلاء المتصوفة على وجوب الجوع من السعة، إصلاحا للنفس وتهذيبا لها، ولذلك فإنهم عندما يأتي وقت الاستدلال يعدلون عن الاستدلال بالكتاب والسنة إلى ذكر وقائع وأحوال لا يحتج بمثلها في دين الله. يقول الشيخ رشيد: "أعوز هؤلاء النص على دعوى كون الغلو في التقشف من الدين، فتعلقوا ببعض وقائع الأحوال من سيرة فقراء السلف الصالح

"3. ثم ضرب مثلاً لذلك بما فعل أبو حامد في إحيائه، فإنه لم يجد آية يبدأ بها موضوع "فضيلة الجوع وذم الشبع" فبدأ بحديث أكثرها لا يعرف المحدثون لها أصلا قط، وبعضها ضعيف أو موضوع

"4.

إن التوسط هو ميزة الدين الكبرى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} 5، ومن لم يصلح القرآن والسنة نفسه، فلا صلاح لها، ولا أصلحها الله، ولسنا –إذًا- بحاجة إلى اختراع دين مبتدع لتحقيق ما جاء القرآن لتحقيقه {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} 6.

1 المصدر نفسه (7/30) .

2 المصدر نفسه والصفحة.

3 المصدر نفسه (7/31) .

4 المصدر نفسه والصفحة، وانظر: الغزالي: إحياء علوم الدين (3/79) دار القلم، بيروت. الثالثة.

5 سورة البقرة، الآية (143) .

6 سورة البقرة، الآية (2) : وانظر: عبد الرحمن الوكيل: المصدر السابق (ص:138) وقارن أيضا مع: محمد علي عبد الرحيم فقد بين الزهد الصوفي مع بيانه بطلان الثاني لنفس المعاني: الأخلاق المحمدية (ص:72-74) .

ص: 569

ثانياً: الموالد ومفاسدها:

الموالد هي الاجتماعات التي تقام لتكريم الماضين من الأنبياء والأولياء، والأصل فيها أن يتحرى الوقت الذي ولد فيه من يقصد بعمل المولد، وقد يتوسع فيها حتى تتكرر في العام الواحد

1 ولا ريب لأن الاجتماع على هذا النحو يسمى عيداً، فالعيد اسم جنس لما يعتاد من المكان أو الزمان2.

وهذه الأعياد – الموالد - هي من الأعياد الزمانية والمكانية المبتدعة، لأنها أيام لم تعظمها الشريعة، ولا فضل لها فيها أصلاً، لا مكانا ولا زمانا3. ومن هذه الأعياد - الموالد - المبتدعة، هو ما اتخذ مشابهة للنصارى من الاحتفال بعد مولد النبي صلى الله عليه وسلم، مع اختلاف الناس في مولده صلى الله عليه وسلم فإن هذا لم يفعله أحد من السلف ولو كان خيرا لسبقونا إليه، وكانوا أحق به منا4.

وقد واجه الشيخ رشيد هذه الظاهرة البدعية بكل سبيل وطالب بإزالتها، وإزالة ما فيها من منكرات وبين مساوئها وما يحدث فيها من مخالفات للشريعة.

فعن انتشار هذه البدعة وتتابع الناس عليها وما يصحبها من منكرات قال: "ولقد تشوهت سيرة مدعي التصوف في هذا الزمان وصارت رسومهم أشبه بالمعاصي والأهواء من رسوم الذين أفسدوا التصوف من قبلهم،،وأظهرها في هذه البلاد الاحتفالات التي يسمونها "الموالد" ومن العجيب أن تبع الفقراء في استحسانها الأغنياء فصاروا يبذلون فيها الأموال العظيمة زاعمين أنهم يتقربون بها إلى الله تعالى، ولو طلب منهم بعض هذا المال لنشر علم أو إزالة منكر أو إعانة منكوب اضنوا به وبخلوا

"5.

1 علي محفوظ: (ص:250-251) .

2 انظر: ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم (2/442 و531) .

3 المصدر السابق (2/615) .

4 المصدر نفسه (2/613 و654) .

5 تفسير المنار (2/74-75) .

ص: 570

وأما المنكرات التي تصحب هذه الاحتفالات "الدينية" فيقول عنها الشيخ رشيد: "فالموالد أسواق الفسوق، فهي خيام للعواهر وحانات للخمور، ومراقص يجتمع فيها الرجال لمشاهدة الراقصات المتهتكات العاريات، ومواضع أخرى لضروب من الفحش في القول والفعل، يقصد بها إضحاك الناس

"1.

ولم يقتصر الاشتراك في هذه المفاسد على عامة الناس وسقطتهم وأهل الجهل منهم –بل- وبكل أسى لقد تجاوز الأمر ذلك إلى من ينتسبون إلى العلم –كما يقول الشيخ رشيد-: "ويرى بعض كبار مشايخ الأزهر يتخطون هذا كله لحضور موائد الأغنياء في السرادقات، والقباب العظيمة التي يضربونها وينصبون فيها الموائد المرفوعة

ويهنئ بعضهم بعضا بهذا العمل الشريف في عزفهم

"2.

هذه الحالة التي وصلت إليها هذه الاجتماعات بلغت مدى بعيدا في الفساد، فسماها الشيخ رشيد "مفاسد لا موالد"3.

ويتحدث عن خطورة مشاركة العلماء للجهلاء في هذه الموالد أو المفاسد فيقول: "

وأضر البدع وأشدها إغواء وضررا مل يحضره صنف من علماء الدين لأن يكون هذا غشا للناس يجعلهم يعتقدون بأن البدعة شريعة دينية

فيحتج الجهلاء بهم على إماتة السنة وإحياء البدعة

"4.

ويقرر الشيخ رشيد أن عمل المولد للنبي صلى الله عليه وسلم بدعة كغيره، "

إن عمل الموالد بدعة لم تنقل عن أحد من سلف الأمة الصالح من أهل القرون الثلاثة التي هي خير القرون بشهادة الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، ومن زعم بأنه يأتي في هذا الدين بخير مما جاء به

1 المصدر نفسه والصفحة، وأيضا: انظر: تصوير الشيخ لمنكرات الموالد. مجلة المنار (1/93-98) واقتراح لإزالتها، المصدر نفسه (1/100-101، 112-119) .

2 تفسير المنار (2/75) ووانظر: مجلة المنار (8/221) .

3 مجلة المنار (4/594) .

4 المصدر نفسه (3/664) .

ص: 571

رسول الله صلى الله عليه وسلم وجرى عليه ناقلو سنته فقد زعم أنه صلى الله عليه وسلم لم يؤد رسالة ربه

وأما القيام عند ذكر وضع أمه له صلى الله عليه وسلم وإنشاد بعض الشعر أو الأغاني في ذلك فهو من جملة هذه البدع

"1.

ولقد كان الشيخ رشيد يهيب بالعلماء والمصلحين بأن ينكروا هذه البدع وما يحدث فيها من مفاسد، ولكنه كان مما يلقى عنتا وشدة في دعوته تلك، وكان يأمل دائما أن تزال هذه المنكرات، ولو بالتدريج، إلا أنه يعلن أسفه لاستمرار هذه البدعة وعدم إنكار العلماء في عصره لها فيقول: "قد احتفل في الأسبوع المنصرم بهذا المولد الاحتفال المعتاد، فكان أكثر بدعاً ومنكرات مما سبقه على غير ما كنا نتوقع من مبادرة علماء الدين إلى السعي في محو هذه الفضائح بالتدريج عاما بعد عام

"2.

ولقد زادت مفاسد هذه الموالد بعد الشيخ رشيد وإلى اليوم، ولا يزال يختلف إليها العدد الكبير ويزدحمون فيها كما يزدحمون في الحج، ويلبسون الثياب التي يلبسونها إلا في الأعياد الدينية، وترتكب في هذه الاحتفالات - الدينية - كل الموبقات، رغم أنه احتفال بمولد نبي أو صالح، ولكنه من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين3.

ثالثاً: بدع الأيام والشهور:

ذكرت أن الأعياد المبتدعة، تكون مكانية وزمانية، ويشمل هذا كل ما لم يعظمه الشرع ولم يأمر بتعظيمه من الأماكن والأيام، فمن البدع الاحتفال بيوم لم يحتفل به الشرع4، ومن ذلك الاحتفال بشهر رجب، وتخصيصه

1 مجلة المنار (29/665-666) باختصار، وانظر أيضا (2/288) وما بعدها، و (3/664) .

2 مجلة المنار (3/427) .

3 انظر وصفا قريبا للموالد يشبه ما يحدث اليوم: عند الجبرتي: التاريخ، ط. دار الجيل، بيروت، الثانية، 1978م (1/304)، وانظر أيضا: علي محفوظ: الإبداع (ص:250-252) ونفس هذه الآراء عند أنصار السنة، انظر: محمد علي عبد الرحيم: مصدر سابق: (ص:110 و165) .

4 انظر: ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم (2/613) .

ص: 572

بصلاة وصيام كتعظيم أول خميس منه، وصلاة الرغائب فيه1.

فأما الصلاة في رجب فلم يصح في شهر رجب صلاة مخصوصة تختص به والأحاديث المروية في فضل صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من شهر رجب كذب وباطل، وأما الصيام فلم يصح في فضل صوم رجب بخصوصه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه2.

وفي مناسبة شهر رجب من كل عام كان الشيخ رشيد رحمه الله ينبه قراءه على البدع في هذا الشهر، ففي عدد السبت (6 رجب سنة 1317هـ)، عقد الشيخ رشيد فصلاً بعنوان "بدع رجب" ومما قال فيه: "لا تحضر في هذا الشهر جمعة في مسجد إلا وتسمع فيها الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم على المنبر حتى منبر الأزهر

وقد اتفق علماء الحديث على أن ما روي في صيام رجب موضوع أو واه لا أصل له، ونذكر بعض الأحاديث الموضوعة في رجب وصومه للتحذير منه.."3. ثم ذكر بعض الأحاديث وأورد كلام أهل العلم عليها، ثم قال: "وأقبح من هذه الأكاذيب أكذوبة صلاة الرغائب

"4، ويضيف أهل مصر لهذه البدع منكرات أخرى فإنهم "يذهبون رجالا ونساء وأطفالا إلى المقابر فيبيتون في القصور المبنية عليها، يأكلون ويشربون ويهلون ويلعبون

"5.

وفي رجب 1318هـ فعل الشيخ نفس الشيء6.

وفي نفس السنة نبه الشيخ رشيد على بدع شعبان فقال: "سيصدر هذا

1 المصدر نفسه والصفحة. وصلاة الرغائب: صلاة مخصوصة تؤدى في أول جمعة من رجب، وهذه الصلاة بدعة عند جمهور العلماء، وأول ما ظهرت بعد الأربعمائة، لذلك لم يذكرها المتقدمون. انظر: ابن رجب: لطائف المعارف (ص:228) .

2 ابن تيمية: المصدر نفسه والصفحة. وابن رجب: لطائف المعارف (ص:228) .

3 مجلة المنار (2/559-560) .

4 المصدر نفسه والصفحة.

5 المصدر نفسه والصفحة.

6 المصدر نفسه (3/617) .

ص: 573

الجزء من المنار في إثر الاحتفالات بليلة النصف من شعبان وهو من مواسم البدعة التي ينسبونها إلى الشرع وليست منه

"1.

وفي العدد السادس من المجلة يقول عن ليلة النصف من شعبان: إن اتخاذ هذه الليلة موسما من مواسم الدين من البدع الحادثة في القرون المتوسطة

"2، وذكر من هذه البدع دعاء مخصوصا يقرأ في هذه الليلة.

وقال في العدد الرابع عشر: "

وجملة القول أن الشعائر التي تقام في ليلة النصف من شعبان ليس لها أصل صحيح في الكتاب ولا في السنة

وإن هذه العبادات والمتصوفة، وأنكرها المحدثون والفقهاء لعدم ثبوت أصلها، ولأن الله تعالى قد أكمل الدين فمن زاد فيه كمن نقص منه، كلاهما مبتدع

"3.

وأما شهر رمضان هو وإن كان زمانا قد عظمه الشرع وخصه بمزيد فضل، إلا أنه كذلك قد ناله نصيب وحظ مما ناله سابقيه من البدع. فلم تسلم عبادة من عبادات هذا الشهر من بدعة فيها4. كما أنه أورد بعض الأحاديث الموضوعة في هذا الشهر5.

ومن البدع التي أنكرها الشيخ في هذا الشهر ترك بعض الصلوات، كالمغرب والعشاء "والصلاة أفضل من الصوم بالإجماع"6، وكذلك أنكر على من يتفلت من عبادة الصوم إلى اللهو واللعب، بل وربما ذهب بعضهم إلى أماكن الحرام كالحانات والمراقص7، ومن الأشياء التي أنكرها في رمضان انتشار الوعاظ الجهلاء حتى في المساجد الكبرى8.

1 مجلة المنار (3/665) .

2 المصدر نفسه (6/724) .

3 المصدر نفسه (14/254-256) .

4 المصدر نفسه (3/711) .

5 المصدر نفسه والصفحة.

6 مجلة المنار (3/753) .

7 المصدر نفسه والصفحة.

8 المصدر نفسه والصفحة. وأيضا (3/711 و3/789) .

ص: 574

ومن البدع كذلك، ما يدخل في سماع القرآن، وهو من خصائص هذا الشهر، إلا أنه دخل فيه من البدع رفع الصوت فيه فيشوش على المصلين، وقراءته بألحان أهل الفسق كالمغنين والعازفين، دون الاعتبار بمعانيه والاهتداء بهديه"1.

رابعاً: بدع المساجد:

ومن البدع التي أنكرها الشيخ رشيد بدع المساجد، ومنها ما يحدث في أقدم مساجد مصر، وهو جامع عمرو بن العاص، أو الجامع العتيق، ومنها: تعظيم الصلاة فيه إلى آخر جمعة من رمضان، ومنها: عزف الموسيقى في ذلك اليوم وإحضار الأشجار الصغيرة والرياحين في المحراب والمنبر، ومنها: ضرب العامة لأحد أعمدة هذا المسجد بناء على أسطورة كاذبة، ومنها: التبرك بمنبر فيه، ومنها: "

أنهم جعلوا فيه قبرا كسائر مساجد مصر يزدحم الرجال والنساء للتبرك به" وغيرها من البدع2.

ومن البدع التي تحدث في المساجد وأنكرها الشيخ جلوس النساء تحت المنبر للاستشفاء3، ومنها: ما يحدث من المنكرات في المسجد المنسوب للحسين بن علي رضي الله عنهما -4، وإلى السيدة زينب بنت الحسين رضي الله عنهما-5.

ومن البدع التي أنكرها الشيخ رشيد - وكانت في مهدها لم تزل- إلا أنها نمت الآن بفعل عوامل كثيرة - فلم تنكر، بل ينكر على من ينكرها، بدعة التبرج في نساء مصر6.

1 مجلة المنار (3/754) .

2 المصدر نفسه (3/793-794) وأسطورة العمود هي: زعمهم أن كل أعمدة المسجد جاءت من الحجاز تسعى بنفسها يسوقها عمرو بن العاص رضي الله عنه إلا هذا العمود فإنه قد عصى. انظر: مجلة المنار (3:794) .

3 المصدر نفسه (7/501-502) .

4 المصدر نفسه (2/72، و23/221) .

5 المصدر نفسه والصفحة.

6 مجلة المنار (8/517)، وأيضا:(8/819) .

ص: 575

ومنها كذلك – وقد استقرت كسابقتها - بدعة التشبه بالأوروبيين1.

ومنها كذلك، وهي آخر ما أورده هنا - بدعة الزار2.

1 المصدر نفسه (1/550) .

2 المصدر نفسه (1/561-566 و6/288 و293) ولم أجد تعريفا للزار، وهو: احتفال تصحبه بعض الآلات الموسيقية ويكون صاخبا وغالبا حضوره من النساء وغرضه التقرب إلى الجن وعمل ما يرضيهم لإخراجهم. انظر: الوكيل: دعوة الحق (ص:107) .

ص: 576