الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
13 - باب ما جاء في لباس المرأة في الصّلاة
• عن عائشة عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقبل الله صلاة حائض إِلَّا بخمار".
صحيح: رواه أبو داود (641)، والتِّرمذيّ (377)، وابن ماجة (655) كلّهم من طرق عن حمّاد بن سلمة، عن قتادة، عن محمد بن سيرين، عن صفية بنت الحارث، عن عائشة فذكرتِ الحديث.
قال الترمذيّ: حسن.
وإسناده صحيح، وقد صحَّحه ابن خزيمة (775) وعنه رواه ابن حبان (1712)، والحاكم (1/ 251) كلّهم من طريق حمّاد بن سلمة به مثله.
قال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وأظن أنه لخلاف فيه على قتادة".
ثمّ ساق رواية ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فذكر مثله. مرسلًا، وقد أشار إليه أبو داود عقب الحديث المتصل.
قلت: وهذه ليست بعلة، فإن الصَّحيح لا يُعَلُّ بالضعيف كما هو معروف في علم علل الحديث. فإذا كان ابن أبي عروبة يرُوي عن قتادة مرسلًا وحماد بن سلمة يرويه متصلًا فالحكم لمن زاد لا سيما أن حمّاد بن سلمة ثقة، وقد تابعه حمّاد بن زيد فروى عن قتادة متصلًا ابن حزم في "المحلى" (3/ 219) وأظهر الدَّارقطنيّ علة أخرى وهي أن شعبة وسعيد بن بشير روياه عن قتادة موقوفًا. قلت: والحكم لمن زاد.
وقوله: الحائض، أي التي بلغت سن الحيض، ولم يرد به المرأة التي هي في أيام حيضها، فإن الحائض لا تُصلي بوجه.
ولباس المرأة في الصّلاة مما لا خلاف فيه الدرع والخمار، فإن الدرع الذي يُشبه القميص يُغطي ظاهر قدميها، والخمار يغطي رأسها وعنقها، فهي إذا سجدت قد يبدو باطن القدم كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة "حجاب المرأة ولباسها في الصّلاة"(ص 26).
وقد رُوي عن ميمونة وأم سلمة أنهما كانتا تصليان في درع وخمار، ليس عليهما إزار، ذكره مالك في الموطأ، ولذا قال أحمد: قد اتفق عامتهم على الدرع والخمار، "المغني"(2/ 330).
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: "وبالجملة" فقد ثبت بالنّص والإجماع أنه ليس عليها في الصّلاة أن تلبس الجلباب الذي يسترها إذا كانت في بيتها، وإنما ذلك إذا خرجت، وحينئذ فتصلي في بيتها، وإن بدا وجهها ويداها وقدماها". مجموع الفتاوي (22/ 115).
وأمّا حديث أمِّ سلمة الذي في "السنن" بإسناد صحيح، قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم تجر المرأة من ذيلها؟ قال: "شبرًا". قلت: ينكشف عنها (أي سوقها) قال: "ذراع لا تزيد عليه". وسيأتي تخريجه في كتاب اللباس.
فقال شيخ الإسلام: "هذا إذا خرجن من البيوت .... ".
وقال: "وكنّ نساء المسلمين يصلين في بيوتهنّ، وقد قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهنّ خير لهن" ولم يؤمرن مع القمص إِلَّا الخُمُر، لم تؤمر بما يغطي رجليها، لا خف ولا جورب، ولا بما يغطي يديها لا بقفازين ولا غير ذلك. فدلّ على أنه لا يجب عليها في الصّلاة ستر ذلك إذا لم يكن عندها رجال أجانب"(ص 32).
وكانت عائشة تصلي في الدرع والخمار، وكذلك كانت ميمونة تصلي في الدرع والخمار، ليس عليها إزار، وعن هشام بن عروة، عن أبيه أن امرأة استفتته فقالت: إن المِنْطَق يَشق عليَّ. أفأصَلِّي في دِرع وخمار؟ فقال: نعم، إذا كان الدِرعُ سابغًا.
كل هذه الآثار أخرجها مالك في كتاب صلاة الجماعة.
المِنْطَق ما يُشد به الوسط.
قال ابن عبد البر: المِنْطَق والحقو والإزار والسراويل واحد، وقال أيضًا: أجمع العلماء على أنها لا تُصلي متنقِّبةً ولا متبرقعةً. انظر: "الاستذكار"(5/ 444).
وأمّا ما رُوِيَ عن محمد بن زيد بن قُنْفُذ، عن أمِّه، أنها سألت أم سلمة: ماذا تُصلي فيه المرأة من الثياب؟ فقالت: "تصلي في الخمار والدرع السابع الذي يُغَيّبُ ظهور قدميها"، فهو موقوف.
رواه مالك في صلاة الجماعة (36) عن محمد بن زيد بن قُنفذ به مثله. ورواه أبو داود (639) عن القعنبيّ، عن مالك.
وأم محمد لا تعُرف كما قال الذّهبيّ في "الميزان" كنيتُها "أم حرام" واسمها: "آمنة".
قال البيهقيّ (2/ 232): وكذلك رواه بكر بن منصور وحفص بن غياث وإسماعيل بن جعفر ومحمد بن إسحاق، عن محمد بن زيد، عن أمه، عن أم سلمة موقوفًا، وقال: ورواه عثمان بن عمر، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن محمد بن زيد مرفوعًا".
قلت: حديث عثمان بن عمر رواه أبو داود (640) عن مجاهد بن موسى، عنه، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار به.
وقال فيه: عن أم سلمة أنها سألتِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: أتُصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار؟ قال: "إذا كان الدرع سابغًا يُغَطِّي ظهور قدميها".
قال أبو داود: "روي هذا الحديث مالك بن أنس ويكر بن مضر وحفص بن غياث وإسماعيل بن جعفر وابن أبي ذئب وابن إسحاق، عن محمد بن زيد، عن أمه، عن أم سلمة. ولم يذكر أحد منهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قصروا به على أمِّ سلمة رضي الله عنها".
وفيه إشارة إلى أن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار انفرد برفعه عن محمد بن زيد وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار وإن كان من رجال البخاريّ فقد قال فيه أبو حاتم: "فيه لين، يُكتب حديثه ولا يحتج به".
أي عند المخالفة. ولذا رجّح الحافظ في التلخيص الوقف وقال: "أعلّه عبد الحق بأن مالكًا وغيره رووه موقوفًا، وهو الصواب".
وأمّا الحاكم فرواه (1/ 250) من طريق مجاهد بن موسى مثل إسناد أبي داود إِلَّا أنه قال فيه: "عن أبيه، عن أم سلمة" وقال: صحيح على شرط البخاريّ، وفيه وهمان:
الأوّل: قوله: "عن أبيه" وكل من روى هذا الحديث قال فيه: "عن أمه" فلا ندري هل هذا الخطأ منه أم من النساخ.
والثاني: محمد بن زيد بن المهاجر بن قُنْفُذ ليس من رجال البخاريّ وإن كان هو ثقة من رجال مسلم، وكذلك أبوه وأمه ليسا من رجال البخاريّ.
وأهم من كل هذا فإن البخاريّ لا يخرج حديث رجل خالف جماعة فرفعه، ووقفه الآخرون، كون الراوي من رجاله لا يكفي للحكم عليه بأنه على شرطه حتَّى نعرف كيفية الرواية عنه.
قال ابن الجوزي في "التحقيق"(1/ 114) عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ضعَّفه يحيى، وقال أبو حاتم:"لا يحتج به، والظاهر أنه غَلِط في رفع هذا الحديث".
وقال صاحب "التنقيح": "عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار روي له البخاريّ في صحيحه، ووثَّقه بعضُهم لكنه غَلِط في رفع هذا الحديث" انظر أيضًا: "نصب الراية"(1/ 299 - 300).
وأمّا فقهاء الإسلام فأجمعوا على أنه يجوز للمرأة كشف وجهها في الصّلاة، واختلفوا في كشف الكفين؛ فعند الإمام أحمد روايتان: إحداهما يجوز كشفها، وهو قول مالك والشافعي؛ لأن ابن عباس كان يقول في قوله تعالى:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] قال: الوجه والكفين.
وكذلك اختلفوا في تغطية القدمين، فقال أبو حنيفة: القدمان ليسا من العورة؛ لأنهما يظهران غالبًا. وقال أحمد: يجب تغطية القدمين؛ لما جاء في حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة" فقالت أم سلمة: فكيف يصنعن النساء بذيولهن؟ قال: "يرخين شبرًا" فقالت: إذا تنكشف أقدامهن. قال: "فيرخينه ذراعًا لا يزدن عليه". رواه أصحاب السنن، وقال الترمذيّ (1731): حسن صحيح. وسيأتي تخريجه في كتاب اللباس، ولكن حمله شيخ الإسلام على الخروج من البيت كما مضى.
وقال في فتاواه (22/ 114، 115): "فكذلك القدم يجوز إبداؤه عند أبي حنيفة وهو الأقوى.
فإن عائشة جعلته من الزينة الظاهرة. قالت: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قالت: "الفتح" حلق من فضة تكون في أصابع الرجلين. رواه ابن أبي حاتم. فهذا دليل على أن النساء كن يظهرن أقدامهن أولا، كما يظهرن الوجه واليدين، كن يرخين ذيولهن فهي إذا مشت قد يظهر قدمها، ولم يكن يمشين في خفاف وأحذية، وتغطية هذا في الصّلاة فيه حرج عظيم. وأم سلمة
قالت: "تصلي المرأة في ثوب سابغ يغطي ظهر قدميها" فهي إذا سجدت قد يبدو باطن القدم.
وبالجملة: قد ثبت بالنص والإجماع أنه ليس عليها في الصّلاة أن تلبس الجلباب الذي يسترها إذا كانت في بيتها، وإنما ذلك إذا خرجت، وحينئذ فتصلي في بيتها وإن رئي وجهها ويداها وقدماها كما كن يمشين أولا قبل الأمر بإدناء الجلابيب عليهن، فليست العورة في الصّلاة مرتبطة بعورة النظر، لا طردًا ولا عكسًا". انتهى.
• * *