الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جموع أبواب السهو
1 - باب ما جاء في سجدتي السهو والبناء على اليقين
• عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ أحدكم إذا قام يُصلي، جاءه الشيطان، فلَبَسَ عليه. حتى لا يدري كم صلَّى؟ فإذا وجد أحدكم فليسجد سجدتين، وهو جالس".
متفق عليه: رواه مالك في السهو (1) عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحن بن عوف، عن أبي هريرة فذكره.
ورواه البخاري في السهو (1232) عن عبد الله بن يوسف، ومسلم في المساجد (82) عن يحيى بن يحيى - كلاهما عن مالك به مثله.
ورُوِي مثل هذا أيضًا عن أبي سعيد الخدري ولفظه: "إذا صلى أحدكم فلم يدرِ زاد أم نقص، فليسجد سجدتين وهو قاعد، فإذا أتاه الشيطان فقال: إنك قد أحدثتَ فليقل: كذبتَ، إلا ما وجد ريحًا بأنفه، أو صوتًا بأذنه".
رواه أبو داود (1029)، والترمذي (396)، وابن ماجة (1204) كلهم من طريق إسماعيل بن إبراهيم (المعروف بابن علية) عن هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عياض (يعني ابن بلال) عن أبي سعيد الخدري فذكره واللفظ لأبي داود، واختصر الترمذي وابن ماجة في قوله:"إذا صلى أحدكم فلم يَدرِ كم صلى فليسجد سجدتين وهو جالس".
قال الترمذي: "حسن".
قلت: بل إسناده ضعيف، فإن عياض بن بلال، وقيل: ابن أبي زهير كذا ترجمه ابن حبان في الثقات (5/ 266) لم يوثقه غيره، تفرد بالرواية عنه يحيى بن أبي كثير، ولذا قال الحافظ في التقريب:"مجهول" وترجمه باسم: عياض بن هلال.
قال الترمذي: "وقد رُوي هذا الحديث عن أبي سعيد من غير هذا الوجه".
قلت: إنه يقصد حديث أبي سعيد الآتي ذكره في البناء على اليقين، ثم سجود سجدتي السهو وعليه جمهور أهل العلم، ولكن ذهب الحسن البصري وبعض السلف إلى ظاهر هذه الأحاديث، فقالوا: إن المصلي إذا شك فلم يدرِ زاد أو نقص، فليس عليه إلا سجدتان.
وقال الجمهور: إنّ حديث أبي هريرة مجمل يفسره حديث أبي سعيد الخدري الآتي وهو: "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثًا أو أربعًا؟ فليطرح الشكَّ، ولْيَيْنِ على ما استيقن، ثم
يسجد سجدتين قبل أن يُسلم"، لقد صدق الإمام أحمد رحمه الله تعالى عند ما قال: "الحديث يفسر بعضه بعضًا".
• عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا نُوديَ بالصلاة أدبر الشيطانُ وله ضراطٌ حتى لا يسمعَ الأذانَ، فإذا قُضِي الأذانُ أقبل، فإذا ثُوَّبَ بها أدْبَر، فإذا قُضِي التثويبُ أقبل حتى يَخطِرَ بين المرءِ ونفسه، يقول: أذكر كذا وكذا - ما لم يكن يذكرُ - حتى يَظَلَّ الرجلُ إن يدري كم صلَّى، فإذا لم يدْرِ أحدُكم كم صلَّى - ثلاثًا أو أربعًا - فليسجد سجدتين وهو جالس".
متفق عليه: رواه البخاري في السهو (1231)، ومسلم في المساجد (83: الرقم الصغير) كلاهما من طريق هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة فذكر مثله ولفظهما سواء. ورواه مسلم من وجه آخر وزاد فيه:"فهنَّاه ومنَّاه، وذَكَّره من حاجاته ما لم يكُن يذكرُه".
وقوله: "إن يدري" إن هنا نافية بمعني ما.
وقوله: "فهنَّاه" ذكَّره المهانئ، و "منَّاه" عرضَ له الأماني، والمراد به: ما يعرض للإنسان في صلاته من أحاديث النفس ومواعيد الشيطان الكاذبة.
وقوله: "ثُوَّب" التثويب بالصلاة - إقامتها، والنداء بها. "جامع الأصول"(5/ 548).
• عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدْر كم صلَّى؟ ثلاثًا أم أربعًا؟ فليطرح الشكَّ، وليبْن على ما استيقَ، ثم يسجدْ سَجْدتين قبل أن يُسلِّم. فإن كان صلى خمسًا شفعنَ له صلاتَه، وإن كان صلَّى إتمامًا لأربع كانتا ترغيمًا للشيطان".
صحيح: رواه مسلم في المساجد (571) من طريق سليمان بن بلال، عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري فذكر مثله.
اختلف على زيد بن أسلم فرواه عنه سليمان بن بلال كما رأيت موصولًا، وكذلك رواه كل من:
هشام بن سعد. أسند عنه أبو عوانة (2/ 193) قال: أخبرنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أنبا ابن وهب، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم بمثل حديث سليمان بن بلال بتمامه.
وأبو غسان وهو محمد بن مطرف، عن زيد بن أسلم. أسند عنه أيضًا أبو عوانة وأحمد (3/ 87). وعبد العزيز بن أبي سلمة، عن زيد بن أسلم. أسند عنه أيضًا أبو عوانة والنسائي (1239)، وأحمد (3/ 84).
وفليح بن سليمان، عن زيد بن أسلم، أسند عنه أحمد (3/ 72) عن يونس بن محمد، ثنا فليح
ابن سليمان به.
ومحمد بن عجلان، عن زيد بن أسلم. أسند عنه أبو داود (1024)، والنسائي (1238)، وابن ماجة (1210).
وزاد أبو داود وابن ماجة واللفظ لابن ماجة: "فإن كانت صلاته تامةً كانت الركعةُ نافلةً، وإن كانت ناقصهً كانت الركعةُ لتمام صلاته، وكانت السجدتان رغْم أنْفِ الشيطان".
وفي لفظ أبي داود: "مُرَغّمَتَي الشيطان" وصحّحه الحاكم (1/ 327) على شرط مسلم، إلا أن محمد بن عجلان روي له مسلم متابعة، ومن عادة الحاكم أنه لا يفرق بين الأصالة والمتابعة.
وداود بن قيس، عن زيد بن أسلم بهذا الإسناد رواه مسلم في صحيحه عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، حدثني عمي عبد الله (ابن وهب) حدثني داود بن قيس به موصولًا كما قال سليمان بن بلال.
ولكن روى البيهقي (2/ 331) من طريق بحر بن نصر قال: قرئ على ابن وهب: أخبرك مالك بن أنس وداود بن قيس وهشام بن سعد أن زيد بن أسلم حدثهم، عن عطاء بن يسار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكر الحديث.
قال البيهقي: إلا أن هشامًا بلغ به أبا سعيد الخدري، هكذا رواه بحر بن نصر الخولاني وغيره، عن ابن وهب، ورواه أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، عن عمه ابن وهب فجعل الوصلَ لداود بن قيس، ثم رواه من طريق أبي بكر بن إسحاق، ثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب به وقال:"ورواه مسلم في الصحيح عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، ورواية بحر بن نصر كأنها أصح. وقد وصل الحديث جماعة، عن زيد بن أسلم مع سليمان بن بلال وهشام بن سعده". انتهى.
قلت: لم يذكر هذا الإسناد ابن خزيمة في صحيحه (1024).
وإنما رواه من طرق أخرى موصولة عن أبي سعيد الخدري منها يونس بن عبد الأعلى، نا ابن وهب، أخبرني هشام - وهو ابن سعد به.
فلعله أورده في المسند الكبير.
وأما مالك فأرسله عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، الصلاة:(62) قال ابن عبد البر: هكذا رواه جميع الرواة عن مالك إلا ما رُوي عن الوليد بن مسلم، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم. "الاستذكار"(4/ 348).
قال أبو داود بعد أن روى من طريق مالك ويعقوب بن عبد الرحمن القاري مرسلًا: "كذلك رواه ابن وهب عن مالك، وحفص بن ميسرة، وداود بن قيس، وهشام بن سعد إلا أن هشامًا بلغ به أبا سعيد الخدري".
ومعنى هذا أن مالك لم ينفرد بإرسال هذا الحديث بل تابعه أيضًا حفص بن ميسرة وداود بن قيس ويعقوب بن عبد الرحمن القاري.
فيظهر منه أن زيد بن أسلم كان يروي على وجهين مرسلًا وموصولًا. وذلك يعود إلى نشاطه وعدمه، فإذا نشط أوصل، وإن لم ينشط أرسل كما هو معلوم في علم الحديث. فالحجة مع من عنده الزيادة وهي الوصل. وبهذا صحَّ حديث أبي سعيد الخدري، وكان مسلم رحمه الله تعالى مصيبًا في اختيار الموصول.
هذا ما يتعلّق بالإمام الذي قام إلى الخامسة، فسبّح له فلم يلتفت وظنّ أنّه لم يسْهُ، فهل يقوم المأمومون معه أو لا؟ أجاب شيخ الإسلام فقال:"إن قاموا معه جاهلين لم تبطل صلاتهم، ولكن مع العلم لا ينبغي لهم أن يتابعوه بل ينتظرونه حتَّى يسلِّم بهم، أو يسلِّموا قبله، والانتظار أحسن". مجموع الفتاوي (23/ 53).
• عن عثمان بن عفان قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني صلَّيتُ فلم أدر أشفعتُ أم أوترتُ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إيايَ، وأن يتلعَّبَ بكم الشيطانُ في صلاتكم، من صلَّى منكم فلم يدرِ أشَفَعَ أو أوْتَر، فليسجدْ سجدتين، فإنهما تمام صلاته".
حسن: رواه الإمام أحمد (450) عن محمد بن عبد الله بن الزبير، حدثنا مسَرَّةُ بن معبد، عن يزيد بن أبي كَبْشَة، عن عثمان بن عفان فذكر مثله.
وفي الإسناد مسرة بن معبد اللخمي الفلسطيني المقدسي قال فيه أبو حاتم: "شيخ ما به بأس"، ومثله يحسن حديثه.
وشيخه يزيد بن أبي كبشة السكسكي كان معروفًا في عصره، قال البخاري: كان عريف السكاسك، وذكره الهيثم بن عدي ومجالد بن سعيد فيمن وَلِيَ العراقين، وجاء له ذكر في صحيح البخاري في كتاب الجهاد (2996) إن إبراهيم أبا إسماعيل السكسكيّ قال: سمعتُ أبا بردة، واصطحب هو ويزيد بن أبي كبشة في سفر، فكان يزيد يصومُ في السفر فقال له أبو بردة: سمعتُ أبا موسى مرارًا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مرض العبد، أو سافر، كُتِب له مثلُ ما كان يعملُ مقيمًا صحيحًا".
ويظهر منه أن الرجل كان محمود السيرة، وجاء له ذكر في كتب الحديث والتاريخ، ولم نجد فيها من تكلم فيه بسوء، وذكره ابن حبان في الثقات فمثله يحسن حديثه، وأما الحافظ فجعله في مرتبة "مقبول" على قاعدته وهي: أن كل من وثَّقه ابن حبان ولم يُوثِّقه غيره فهو "مقبول" عنده.
ولكن في الإسناد انقطاع فإن ابن أبي كبشة لم يسمع من عثمان، فإن بينهما مروان بن الحكم كما رواه عبد الله بن أحمد (451) عن يحيى بن معين وزياد بن أيوب، قالا: حدثنا سوَّار أبو عُمارة الرملي، عن مسرَّة بن معبد قال: صلى بنا يزيد بن أبي كبشة العصر، فانصرف إلينا بعد صلاته فقال: إني صلَّيتُ مع مروان بن الحكم، فسجد مثل هاتين السجدتين، ثم انصرف إلينا فأعلَمنا أنه
صلَّى مع عثمان وحدَّث عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر مثله نحوه، فأقام سوَّار بن عمارة أو سوَّار أبو عُمارة
هذا الإسناد وهو "صدوق" قال فيه النسائي: ليس به بأس.
وحديث عثمان هذا مثل حديث أبي هريرة مجمل، يفسره حديث أبي سعيد الخدري.
• وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا صلَّى أحدكم فلا يدري كم صلَّى، ثلاثًا أو أربعًا، فليركع ركعة، يُحسن ركوعَها وسجودَها، ويسجد سجدتين".
صحيح: رواه ابن خزيمة (1026)، والحاكم (1/ 260، 322) كلاهما من حديث أيوب بن سليمان بن بلال، حدثني أبو بكر بن أبي أويس، عن سليمان بن بلال، عن عمر بن محمد بن زيد، عن سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر فذكر مثله.
قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذه الزّيادة من ذكر الرابعة.
• عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا شكَّ أحدكم في صلاته فلم يدرِ اثنين صَلَّى، أو ثلاثًا، فليلق الشك، ولين على اليقين".
صحيح: رواه البيهقي في "الكبري"(2/ 333) عن أبي عبد الله الحافظ في "الفوائد الكبير" لأبي العباس، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة، أنبأ جعفر، أنبأ سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس فذكره. وإسناده صحيح وجعفر هو: ابن عون ثقة من رجال الشيخين.
وله شاهد من حديث عبد الرحمن بن عوف وفيه مقال رواه الترمذي (398)، وابن ماجة (1209) كلاهما من حديث محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن مكحول، عن كُريب، عن ابن عباس، عن عبد الرحمن بن عوف قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سها أحدكم في صلاته فلم يَدرِ واحدًة صلَّى أو ثنتين فليبْنِ على واحدةٍ، فإن لم يدرِ ثِنتين صلَّى أو ثلاثًا فليبْنِ على ثِنْتين، فإن لم يدرِ ثلاثًا صلَّى أو أربعًا فليبْنِ على ثلاث، وليسجد سجدتين قبل أن يُسلِم".
قال الترمذي: حسن صحيح، وفي نسخة: حسن غريب صحيح.
قلت: فيه محمد بن إسحاق وهو مدلس وقد عنعن إلا أنه صرَّح بالتحديث في رواية أبي يعلى (839).
ورواه الحاكم (1/ 324) من طريق محمد بن سلمة به، وذكر فيه قصة عمر بن الخطاب مع ابن عباس وهو قول ابن عباس: جلستُ إلى عمر بن الخطاب وهو خليفة فقال: يا ابن عباس! ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من أحد من أصحابه ما يذكر ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بها المرء في صلاته؟ قلت: لا، أو ما سمعت يا أمير المؤمنين؟ قال: لا، فدخل علينا عبد الرحمن بن عوف فقال: فيما أنتما؟ فقال عمر: سألته هل سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من أحد من أصحابه بذكر ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سها المرء في صلاته، فقال عبد الرحمن: عندي علم من ذلك، فقال عمر: هلم فأنت العدل الرضا، فقال عبد الرحمن: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا شك أحدكم في الاثنتين