الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: وقد آضتِ الشمسُ" معناه رجعت إلى حالها الأول قبل الكسوف، وهو من أض يَئيضُ إذا رجع ومنه قولهم: أيضًا. وهو مصدر منه.
• عن عطاء يقول: سمعتُ عُبَيد بن عُمير يقول: حدثني من أصدِّقُ -حسبتُه يُريد عائشة- أن الشمس انكسفتْ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام قيامًا شديدًا، يقوم قائمًا ثم يركع، ثم يقوم ثم يركع، ثم يقوم ثم يركع، ركعتين في ثلاث ركعات، وأربع سجدات، فانصرف، وقد تَجَلَّتِ الشمسُ، وكان إذا ركع قال:"الله أكبر" ثم يركع، وإذا رفع رأسه قال:"سمع الله لمن حمده" فقام فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال:"إن الشمس والقمر لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما من آيات الله يُخوِّفُ الله بهما عبادَه، فإذا رأيتُم كُسُوفًا فاذكروا الله حتى ينجليا".
صحيح: رواه مسلم في الكسوف (901) عن إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا محمد بن بكر، أخبرنا ابن جريج، قال: سمعت عطاءً فذكره.
ورواه من وجه آخر عن قتادة، عن عطاء بن أبي رباح، وفيه عن عائشة بدون شك، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم صلَّي ستَّ ركعات وأربعَ سجدات.
وقوله: "ركعتين في ثلاث ركعات" هو بمعنى قوله: "ست ركعات وأربع سجدات" أي: أنه صلى ركعتين، وفي كل ركعة ثلاث ركوع وسجدتان.
وفي سنن أبي داود (1177): "فقام النبي صلى الله عليه وسلم قيامًا شديدًا
…
حتى إن رجالًا يومئذ لَيُغشَي عليهم مما قام بهم، حتى إنَّ سِجال الماء لتُصَبُّ عليهم".
وأما ما ورد في نصب الراية (2/ 226) عن ابن عباس أنه عليه السلام صلي في الكسوف فقرأ ثمَّ ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم سجد، وقال الأخرى مثلها. رواه مسلم عن طاوس، عن ابن عباس، فهذا وهم من المصنف رحمه الله تعالى، والصواب أنه: قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، يعني أربع ركعات كما سيأتي.
6 - باب ثمان ركعات في ركعتين
• عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صَلَّى في كسوف، قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم سجد، قال: والأخرى مثلها.
وفي رواية: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كسفتِ الشمسُ ثمان ركعات في أربع سجدات، وعن علي مثل ذلك.
صحيح: رواه مسلم في الكسوف (909) من طريق يحيى، عن سفيان، قال: حدثنا حبيب، عن طاوس، عن ابن عباس فذكره.
والرواية الثانية رواها (908) من طريق إسماعيل ابن عُلية، عن سفيان.
وهذا حديث صحيح رواه أيضًا أبو داود (1183)، والترمذي (560)، والنسائي (1468) كلهم من طريق يحيي به، وقال الترمذي: حسن صحيح، وسكت عليه أبو داود والمنذري، وتكلم البيهقي (3/ 327) بما لا يشفي وهذا لفظه:"وأما محمد بن إسماعيل رحمه الله فإنَّه أعرض عن هذه الروايات التي فيها خلاف رواية الجماعة، وقد رُوِينا عن عطاء بن يسار وكثير بن عباس، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه صلاها ركعتين في كل ركعة ركوعان، وحبيب بن أبي ثابت وإن كان من الثقات فقد كان يدلِّس، ولم أجده ذكر سماعه في هذا الحديث عن طاوس، ويحتمل أن يكون حمله عن غير موثوقٍ به عن طاوس" انتهى.
وكون الرواة رووا عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه صلى ركعتين في كل ركعة ركوعان لا يمنع من صحة حديث حبيب بن أبي ثابت لإمكان التعدد، فإنه إذا جُمعت أحاديث الكسوف كما ستري فإنها تدل على أنها تكررت وتعددت صفاتها.
وقول مسلم: وعن علي مثل ذلك. هو الحديث الآتي:
• عن رجل يُدعى حنشًا قال: كسفتِ الشمسُ فصلَّى عَلِيٌّ للناس، فقرأ:{يس} أو نحوها. ثم ركع نحوًا من قدر سورة، ثم رفع رأسه فقال: سمع الله لمن حمده، ثم قام قدر السورة يدعو ويُكبر، ثم ركع قدر قراءته أيضًا، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ثم قام أيضًا قدر السورة، ثم ركع قدر ذلك أيضًا حتى صلي أربع ركعات، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ثم سجد، ثم قام إلى الركعة الثانية ففعل كفعله في الركعة الأولى، ثم جلس يدعو ويَرْغَبُ، حتى انكشفتِ الشمس، ثم حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك فعل.
حسن لغيره: رواه الإمام أحمد (1216) عن يحيى بن آدم، حدثنا زهير، حدثنا الحسن بن الحُرّ، حدثنا الحكم بن عُتيبة، عن رجل يُدعى حنشا فذكره.
وصححه ابن خزيمة (1388) ورواه من طريق زهير إلا أنه لم يسق لفظه كاملًا وإنما قال في آخر الحديث: "في هذا الخبر إنه ركع أربع ركعات في كل ركعة مثل خبر طاوس عن ابن عباس".
قلت: رجاله ثقات غير حنش وهو: ابن المعتمر الكوفي، مختلف فيه فقال أبو داود: ثقة.
وقال أبو حاتم: هو عندي صالح، وقال العجلي: تابعي ثقة.
وتكلم فيه النسائي وابن حبان وغيرهما والخلاصة فيه كما قال الحافظ في التقريب: "صدوق له أوهام" أي: هو صدوق إلا إذا ثبت أنه وهم فتُضعَّفُ روايته تلك. ولم أجد هنا ما يُضعَّف بسببه غير أنَّه انفرد برواية هذا الحديث عن علي بن أبي طالب ولا يَروِي عنه غيرُه، ولكن لا يمنع هذا من تحسين حديثه في الشواهد، ولذا أشار إليه مسلم ولم يخرجه لأنه ليس على شرطه.
ولا يُعل بما رواه البيهقي (3/ 330) من طريق سليمان الشيباني، عن الحكم بن عُتيبة موقوفًا، ومن طريق الحسين بن الحر مرفوعًا. والحسن بن الحر ثقة فاضل فزيادته مقبولة.
يرى البيهقي رحمه الله تعالى بناء على توحيد القصة بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الكسوف يوم توفي ابنه إبراهيم ركعتين في كل ركعة ركوعين فقال: "من نظر إلى هذه القصة وفي القصة التي رواها أبو الزبير، عن جابر علم أنها قصة واحدة، وأن الصلاة التي أخبر عنها إنما فعلها يوم توفي إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد اتفقت رواية عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة، ورواية عطاء ابن يسار، وكثير بن عباس، عن ابن عباس، ورواية أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو، ورواية أبي الزبير عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما صلَّاها ركعتين في كل ركعة ركوعين، وفي حكاية أكثرهم قوله صلى الله عليه وسلم يومئذ أن الشمسُ والقمر آيتان من آيات الله، لا تنخسفان الموت أحد، ولا لحياته دلالة على انه إنما صلاها يوم توفي ابنه، فخطب، وقال هذه المقالة ردًّا القولهم: إنما كسفتْ لموته. وفي اتفاق هؤلاء العدد مع فضل حفظهم دلالة على أنه لم يزد في كل ركعة على ركوعين، كما ذهب إليه الشافعي ومحمد بن إسماعيل البخاري رحمهما الله تعالي" انتهى. انظر: "السنن الكبرى"(3/ 326).
قلت: يرى البيهقي رحمه الله تعالى، وقبله ابن عبد البر أنَّ الصّحيح من صلاة الكسوف ركعتان، في كل ركعة ركوعان كما في حديث عائشة وغيرها.
وهو أصح ما في هذا الباب، والروايات التي تُخالفه مثل: في كل ركعة ثلاث ركوعات، أو أربع ركوعات، أو خمس ركوعات فكلها شاذة ومعلولة. وفيه نظر؛ فإن الروايات الصحيحة التي فيها الزيادات لا يحكم عليها بالشذوذ؛ لاحتمال أنَّ الذي ذكر الزيادة حضر من بداية الصلاة، والذي ذكر ركعتين في ركعة لعله حضر في وسط الصّلاة، أو أنها صلاة صلاها في وقت آخر، فإن البعض من هذه الصلوات لم يذكر فيها قوله صلى الله عليه وسلم: إن الشّمس والقمر آيتان من آيات الله
…
إلخ" والله تعالى أعلم.
وإلى بعض هذه التأويلات يشير البيهقي (3/ 331) قائلًا: "ومِن أصحابنا من ذهب إلى تصحيح الأخبار الواردة في هذه الأعداد، وأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها مرَّاتٍ، مرة ركوعين في كل ركعة، ومرة ثلاث ركوعات في كل ركعة، ومرة أربع ركوعات في كل ركعة، فأدَّى كل منهم ما حفظ، وإن الجميع جائز، وكأنه صلى الله عليه وسلم كان يزيد في الركوع إذا لم ير الشمس قد تجلت. ذهب إلى هذا إسحاق ابن راهويه، ومِن بعدِه محمد بن إسحاق بن خزيمة، وأبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب الصبغي، وأبو سليمان الخطابي، واستحسنه أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر صاحب الخلافيات، والذي أشار إليه الشافعي من الترجيح أصح" انتهى.
قلت: ذهب الشافعي والبخاري وغيرهما من أهل العلم إلى ترجيح الروايات بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُصل إلا مرة واحدة، يوم توفي ابنه إبراهيم، في كل ركعة ركوعان وسجودان. وهو اختيار شيخ