الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم عليه الحافظ بأنه شاذ.
38 - باب الاقتصاد في العبادة وكراهية التّشديد فيها
• عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألم أُخْبرَ أَنَّك تقومُ الليلَ وتصومُ النهارَ؟ " قلت: إني أفعل ذلك. قال: "فإنَّك إن فعلت ذلك هَجَمَتْ عينُك، ونَفِهَتْ نفسك، وإنَّ لنفسِك حقًّا، ولأهلك حقًّا، فصُم وأفطِر، وقُم ونَمُ".
متفق عليه: رواه البخاريّ في التهجد (1153)، ومسلم في الصوم (1159/ 188) كلاهما عن سفيان، عن عمرو، عن أبي العباس، قال: سمعتُ عبد الله بن عمرو فذكره.
وعمرو هو: ابن دينار. وأبو العباس هو: السائب بن فروخ ويعرف بالشاعر.
قوله: هَجَمَتْ: ضَعُفَتْ لكثرة السهر.
وقوله: نَفِهتُ: أي كلَّت.
ولهذا الحديث قصة طويلة رواها الإمام أحمد (6477) عن هُشيم، عن حصين بن عبد الرحمن ومغيرة الضَّبِّي، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، قال: زوَّجني أبي امرةً من قريشٍ، فلمّا دَخَلَتْ عليَّ جَعَلْتُ لا أنحاشُ لها، ممَّا بي من القوّة على العبادة، من الصوم والصلاة، فجاء عمرو بن العاص إلى كَنَّتِه، حتَّى دخل عليها، فقال لها: كيف وَجَدْتِ بَعْلَكِ؟ قالت: خَيْرُ الرِّجال، أو كخير البُعُولَة، مِن رجل لم يُفَتِّشْ لنا كَنَفًا، ولم يَعْرفْ لنا فِرَاشًا! فَأَقْبَل عليَّ، فَعَذَمَني وعضَّني بلسانه، فقال: أنْكحْتُك امرأةً من قريش ذاتَ حَسَبٍ، فَعَضَلْتَها، وَفَعَلْتَ وَفَعَلْتَ! ثمّ انطلق إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فشكانيّ، فأرسل إليَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فأتيته، فقال لي:"أَتَصُومُ النَّهَارَ؟ " قلتُ: نعم، قال:"وتَقُومُ اللَّيْلَ؟ " قلتُ: نعم، قال:"لكنِّي أصومُ وأفْطِرُ، وأُصلِّي وأنامُ، وأمَسُّ النساءَ، فمن رَغِبَ عن سُنَّتِي، فليس مِنِّي"، قال:"اقْرَأِ القرآنَ في كل شهرٍ"، قلت: إني أجدُني أقْوَى من ذلك، قال:"فاقرأه في كل عشرةِ أيامٍ"، قل: إني أجدُني أقْوى من ذلك، قال أحدُهما: إما حُصَيْنٌ وإما مغيرة: قال: "فاقرأه في كلِّ ثلاثٍ"، قال: ثمّ قال: "صُمْ في كلِّ شهرٍ ثلاثةَ أيام"، قلت: إني أقوى من ذلك، قال: لم يَزَلْ يَرْفَعُنِي حتَّى قال: "صُمْ يومًا وأفْطِرْ يومًا، فإنه أفضلُ الصيامِ، وهو صيامُ أخي داود صلى الله عليه وسلم".
قال حُصين في حديثه: ثمّ قال صلى الله عليه وسلم: "فإنَّ لكل عابدٍ شِرَّةً، ولكل شِرَّةٍ فَتْرَة، فإمَّا إلى سُنَّة، وإما إلى بِدْعة، فمن كانت فَتْرَتُه إلى سُنَّةٍ، فقد اهتدى، ومن كانت فَتْرَتُه إلى غير ذلك، فقد هَلَكَ".
قال مجاهد: فكان عبد الله بن عمرو، حيثُ ضَعُف وكَبِير، يصومُ الأيامَ كذلك، يَصِلُ بعضَها إلى بعض، ليتقوَّى بذلك، ثمّ يُفطِرُ بِعَدِّ تلك الأيام، قال: وكان يقرأ في كُلٍّ حزبه كذلك، يزيدُ أحيانًا، ويَنْقُصُ أحيانًا، غير أنه يُوفي العَدَد، إما في سَبْعٍ، وإما في ثلاثٍ، قال: ثمّ كان يقولُ بعد ذلك: لأن أكونَ قَبْلُتُ رخصةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبُّ إليَّ مما عُدلَ به أو عَدَل، لكنِّي فارقتُه على أمرٍ أكرهُ أن
أًخَالِفَه إلى غيره، وإسناده صحيح.
ومن طريق مغيرة الضَّبِّي رواه البخاريّ في فضائل القرآن (5052) إِلَّا أنه اختصره.
• عن مجاهد قال: دخلت أنا ويحيى بن جعدة على رجل من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مولاة لبني عبد المطلب، فقال: إنها تقومُ الليلَ وتصومُ النهارَ. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكني أنا أنام وأُصلِّي، وأصوم وأُفطِر، فمن اقتدي بي فهو منِّي، ومن رَغِبَ عن سُنَّتِي فليس مِنِّي، إنَّ لكل عملٍ شِرَّةً ثمّ فترةً، فمن كانت فترتُه إلى بدعةٍ فقد ضلَّ، ومن كانت فترتُه إلى سنةٍ فقد اهتدى".
صحيح: رواه الإمام أحمد (23474) عن يحيى بن سعيد، حَدَّثَنَا جرير، عن منصور، عن مجاهد قال فذكره.
قال الهيثميّ في "المجمع"(3/ 193): "رواه أحمد، ورجاله رجال الصَّحيح".
ولكن رواه الطبرانيّ في الكبير (2/ 320) والطحاوي في مشكله (1238) من طريق يحيى، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن جعدة بن هبيرة قال: ذُكِر للنبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث مثله.
فجعل الحديث من مسند جعدة بن هبيرة وهو القرشي المخزوميّ، أمه أم هانئ بنت أبي طالب، مختلف في صحبته فقال البخاريّ وأبو حاتم وابن حبان:"إنه من التابعين" وجزم المزي والبغوي بأنه له صحبة، إِلَّا أنهم نفوا الرواية عنه وقالوا: له رؤية وليس له رواية، وعلى هذا فما رُوي عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يكون مرسلًا، وهذا المرسل يقوي ما رواه مجاهد عن رجل من الأنصار، لأنه غير هذا، فكأن لمجاهد شيخين أحدهما الأنصاري والثاني القرشي.
وللحديث إسناد آخر رواه البزّار "كشف الأستار"(724) من طريق جرير، عن مسلم، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: كانت مولاة للنبي صلى الله عليه وسلم تصوم النهار وتقوم الليل فذكر نحوه.
قال البزّار: "لا نعلم إِلَّا عن ابن عباس، وليس له عنه إِلَّا هذا الطريق بهذا اللّفظ، تفرّد به مسلم".
قلت: مسلم هو الأعور - هكذا نسبه الطحاويّ في مشكله (1241) بعد أن رواه من طريق محمد بن خازم، عن مسلم الأعور به مثله. والأعور هذا هو: مسلم بن كيسان الضَبِّي وهو ضعيف باتفاق أهل العلم، روى له الترمذيّ وابن ماجة. وأمّا قول الهيثميّ في "المجمع"، (2/ 258) رواه البزّار ورجاله رجال الصَّحيح، فهو ظن منه بأنَّ مسلمًا هذا هو: ابن عمران البطين وهو من رجال الجماعة.
والشرة: بالكسرة - الحدَّة والنشاط.
• عن عائشة زوج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالت: دخلت عليَّ خويلةُ بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السُلمية - وكانت عند عثمان بن مظعون - قالت: فرأى رسول الله
- صلى الله عليه وسلم بذاذة هيئتِها، فقال لي:"يا عائشه! ما أبذَّ هيئة خُوَيْلةَ؟ " قالت: فقلتُ: يا رسول الله! امرأةُ لا زَوْجَ لها يَصُوم النَّهار ويقوم الليل فهي كَمَنْ لا زوجَ لها، فتركت نفسها وأضاعتها، قالت: فبعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن مظعون فجاءه، فقال:"يا عثمانُ! أَرَغْبَةٌ عن سُنَّتِي؟ " قال: فقال: لا والله يا رسول الله! ولكن سُنَّتك أطْلُبُ، قال:"فإنِّي أنامُ وأصَلِّي، وأصُومُ وأفْطِرُ، وأَنْكِحُ النِّساء، فاتَّق الله يا عُثمانُ! فإِنَّ لأهْلك عليك حقًّا، وإن لضَيْفِك عليك حقًّا، وإنَّ لنَفْسك عليكَ حقًّا، فصُم وأفطِر، وصلِّ ونَمْ".
حسن: رواه الإمام أحمد (26308) عن يعقوب (بن إبراهيم بن سعد الزهري) قال: حَدَّثَنَا أبيّ، عن ابن إسحاق، قال: حَدَّثَنِي هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة فذكرته.
وإسناده حسن لأجل محمد بن إسحاق وهو صدوق مدلِّس، ولكنه صرَّح بالتحديث فانتفت عنه تهمة التدليس.
ورواه أبو داود (1369) عن عبيد الله بن سعد، قال: حَدَّثَنَا عمي، حَدَّثَنَا أبي، عن ابن إسحاق به مختصرًا، وفيه ابن إسحاق لم يصرح بالتحديث.
وعم عبيد الله بن سعد هو: يعقوب بن إبراهيم بن سعد.
• عن سعد بن أبي وقَّاص قال: لما كان من أمر عثمان بن مظعون الذي كان ممن ترك النساء بعث إليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا عثمان! إني لم أُومَر بالرهبانيّة، أَرَغِبْتَ عن سنّتي؟ قال: لا يا رسول الله! قال: "إنَّ من سنَّتِي أن أصلِّي وأنام، وأصوم وأطعم، وأنكح وأطلق، فمن رغب عن سنَّتي فليس منِّي، يا عثمان! إنَّ لأهلك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا" قال سعد: فوالله! لقد كان أجمع رجالٌ من المسلمين على أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هو أقرَّ عثمان على ما هو عليه أن نختصي فنتبتَّلَ.
حسن: رواه الدَّارميّ (2173) عن محمد بن يزيد الحزاميّ، ثنا يونس بن بكير، قال: حَدَّثَنِي ابن إسحاق، حَدَّثَنِي الزّهريّ، عن سعيد بن المسيب، عن سعد بن أبي وقَّاص فذكره.
وإسناده حسن لأجل الكلام في يونس بن بكير فقد تكلم فيه النسائيّ، ومشاه غيره. وهو لا بأس به في الشواهد.
والحديث مخرج في الصحيحين البخاريّ (8074)، ومسلم (1402) من طريق ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن سعد بن أبي وقَّاص باختصار بلفظ:"رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل، لو أذن له لاختصينا" وسيأتي في كتاب النكاح وللحديث شاهد من حديث أبي موسى قال: دخلت امرأة عثمان بن مظعون على نساء النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فرأَيْنَها سَيِّئَةَ الهيْئَةِ، فقُلن: ما لَكِ،