الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولى بالتقديم؛ لذا قال الذهبي في "الكاشف": "ثقة".
وأبو عبْس: -بإسكان الموحَّدة-، وقيل: أبو عيسى -بالياء-، والأوَّل أصحُّ، وهو الأنصاري المدني، شهِد بدرًا، ومات سنة 34 هـ.
• عن عقبة بن عامرٍ الجهني، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هلاك أمتي في الكتاب واللبن". قالوا: يا رسول الله! ما الكتاب واللبن؟ قال: "يتعلَّمون القرآن فيتأولونه على غير ما أنزله الله، ويُحبُّون اللبن فيدعون الجماعات والجُمَع ويبدون".
حسن: رواه أحمد (17415) وأبو يعلى (المقصد العلي- 369) كلاهما من طريق أبي عبد الرحمن (وهو عبد الله بن يزيد المقرئ)، عن ابن لهيعة - قال أحمد: عن أبي قبيل، وقال أبو يعلي: حدثني أبو قبيل (يحيي بن هانئ المعافري) قال: سمعت عقبة بن عامر. قال الإمام أحمد: قال ابن لهيعة: وحدثنيه يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر الجهني، فذكره.
وإسناده حسن، من أجل ابن لهيعة، وهو صدوق تغيَّر بعد احتراق كتبه، ولكن رواية العبادلة عنه قبل احتراق كتبه، ومنهم عبد الله بن يزيد المقرئ.
• عن محمد بن عبد الرحمن، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لا أعلمه إلَّا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"من سمع الأذان ثلاث جمعات ثم لم يحضر كُتب من المنافقين".
صحيح: رواه عبد الرزاق (5165) عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، فذكره. وإسناده صحيح.
3 - باب فضل يوم الجمعة والساعة التي فيها
• عن أبي هريرة، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال:"فيها ساعة لا يوافقها عبدٌ مسلمٌ وهو قائمٌ يصلِّي، يسأل الله شيئًا إلَّا أعطاه إيَّاه". وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده يُقلِّلها.
متفق عليه: رواه مالك في الجمعة (15) عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، فذكره.
ورواه البخاري في الجمعة (935) عن عبد الله بن مسلمة، ومسلم في الجمعة (852) عن يحيي ابن يحيي كلاهما عن مالكٍ.
• عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"خير يومٍ طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خُلق آدم، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أُخرج منها".
صحيح: رواه مسلم (854) عن حرملة، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب،
أخبرني عبد الرحمن الأعرج، أنَّه سمع أبا هريرة، فذكره.
ورواه من وجهٍ آخر عن الأعرج. وزاد فيه: ولا تقوم الساعة إلَّا يوم الجمعة".
• عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما طلعت الشّمس ولا غربت على يوم خير من يوم الجمعة، هدانا الله له، وأضلَّ الناس عنه، والناس لنا فيه تبع، فهو لنا، واليهود يوم السبت، والنصارى يوم الأحد، إنَّ فيه ساعةً لا يُوافقها مؤمن يصلي يسأل الله شيئًا إلَّا أعطاه".
صحيح: رواه ابن خزيمة (1726) من طريق ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة.
• عن أبي هريرةَ أنَّه قال: خرجتُ إلى الطور، فلقيت كعب الأحبار، فجلستُ معه، فحدَّثني عن التوراة، وحدَّثته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان فيما حدَّثته أن قلتُ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير يومٍ طلعت عليه الشمس يومُ الجمعةِ، فيه خُلِق آدم، وفيه أُهبِطَ من الجنَّة، وفيه تيبَ عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعةُ، وما من دابَّةٍ إلَّا وهي مُصيخةٌ يومَ الجمعةِ من حين تصبح حتَّى تطلع الشمس، شفقًا من الساعةِ، إلَّا الجنُّ والإنس. وفيه ساعةٌ لا يصادفها عبدٌ مسلمٌ وهو يُصلِّي يسأل الله شيئًا إلَّا أعطاه إيَّاه".
قال كعبٌ: ذلك في كلِّ سنةٍ يومٌ؟ فقلت: بل في كلِّ جمعةٍ. فقرأ كعب التوراةَ فقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو هريرةَ: فلقيت بَصرة بن أبي بَصرةَ الغِفاري، فقال: مِن أينَ أقبلتَ؟ فقلتُ: من الطور. فقال: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجتَ؛ سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تُعمل المطي إلَّا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، وإلى مسجد إيلياء، أو بيت المقدس". يشكُّ.
قال أبو هريرة: ثمَّ لقيتُ عبد الله بن سلام فحدَّثته بمجلسي مع كعبٍ الأحبار، وما حدَّثته به في يوم الجمعةِ، فقلت: قال كعبٌ: ذلك في كلِّ سنةٍ يومٌ. قال: قال عبد الله بن سلام: كذب كعبٌ. فقلت: ثمَّ قرأ كعبٌ التوراة فقال: بل هي في كلِّ جمعةٍ. فقال عبد الله بن سلام: صدق كعبٌ. ثمَّ قال عبد الله بن سلام: قد علِمتُ أيَّةَ ساعةٍ هيَ. قال أبو هريرةَ: فقلت له: أخبرني بها ولا تضنَّ علىَّ. فقال عبد الله بن سلام: هي آخر ساعةٍ في يوم الجمعةِ. قال أبو هريرة: فقلت: وكيف تكون آخر ساعة في يوم الجمعة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يُصادفها عبد مسلم وهو
يصلِّي". وتلك الساعة ساعة لا يُصلَّي فيها؟ فقال عبد الله بن سلام: أَلم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جلس مجلسًا ينتظر الصلاةَ فهو في صلاةٍ حتَّى يُصلِّي"؟ قال أبو هريرة: فقلتُ: بلى. قال: فهو ذلك.
صحيح: رواه مالك في الجمعة (16) عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرةَ، فذكر الحديثَ.
ورواه أبو داود (1046) عن القعنبي، والترمذي (491) عن إسحاق بن موسى الأنصاري، عن مَعن، كلاهما عن مالك.
ورواه النسائي (1430) عن قتيبة، ثنا بكر (يعني بن مضر) عن ابن الهاد.
وإسناده صحيحٌ على شرط الشيخين. وصحّحه ابن حبَّان (2772) والحاكم (1/ 178) فأخرجاه من طريق مالكٍ. وصحّحه أيضًا ابن خزيمة (1727) من وجهٍ آخر عن أبي هريرةَ.
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشّيخين ولم يُخرجاه".
وقوله في الحديث: "ما من دابة إلَّا وهي مُصيخَةٌ يوم الجمعة". مصيخة: أي مستمعةٌ مصغِية تتوقَّعُ قيامَ الساعة.
• عن أبي هريرةَ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تطلع الشمس بيومٍ ولا تغرب بأفضل من يوم الجمعة. وما من دابة إلَّا وهي تفزع ليوم الجمعة إلَّا هذان الثقلان من الجنِّ والإنس. وعلى كلِّ إنسان ملكان يكتبان الأوَّل فالأول: كرجل قدَّم بدنةً، وكرجلٍ قدَّم بقرةً، وكرجلٍ قدَّم شاةً، وكرجلٍ قدَّم طيرًا، وكرجلٍ قدَّم بيضةً، فإذا قعد الإمام طُوِيَت الصحف".
حسنٌ: رواه الإمام أحمد (9896) عن محمد بن جعفر، ثنا شعبة، قال: سمعت العلاء يُحدِّث عن أبيه، عن أبي هريرةَ.
وإسناده حسن من أجل العلاء بن عبد الرحمن؛ فإنه حسن الحديث.
وصحّحه ابن خزيمة (1757) وابن حبَّان (2770) فأخرجاه من هذا الوجه مقتصرين على المقطع الأول والثاني من الحديث فقط.
ورواه أيضًا ابن خزيمة (1770) وابن حبَّان (2774) من حديث العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، واقتصرا على المقطع الأخير منه.
• عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، قال: قال لي عبد الله بن عمر: سمعتَ أباك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن ساعةِ الجمعة؟ قال: قلت: نعم، سمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تُقضى الصلاةُ".
صحيحٌ: رواه مسلم في الجمعة (853) من طريق ابن وهب، عن مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن أبي بردة، فذكره.
وفي الباب ما رُوِي عن سعد بن عُبادة أنَّ رجلًا من الأنصار أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: أخبرنا عن يوم الجمعةِ ماذا فيه من الخير؟ قال: "فيه خمس خِلالٍ: فيه خُلق آدم، وفيه أُهبِط آدم، وفيه توفَّي الله آدم، وفيه ساعةٌ لا يسأل اللهَ عبدٌ فيها شيئًا إلَّا آتاه، ما لم يسأل مأثمًا أو قطيعة رحم، وفيه تقوم الساعة ما من ملكٍ مقرَّبٍ، ولا سماءٍ ولا أرضٍ، ولا جبالٍ، ولا حجرٍ، إلَّا وهو يُشفق من يومِ الجمعةِ".
أخرجه الإمام أحمد (22457) والبزار (3738) من طريق عبد الله بن محمد بن عَقيل، عن عمرو بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة، عن أبيه، عن جدِّه، عن سعد بن عُبادة فذكره.
وعمرو بن شرحبيل وأبوه لم يوثِّقهما غير ابن حبَّان؛ فهما مقبولان حيث يتابعان، ولم يُتابعا في هذا الحديث.
أمَّا البزَّار فقال: "وهذا الكلام لا نعلمه يُروي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلَّا من هذا الوجه، وإسناده صالحٌ". وقال الحافظ: "هذا حديثٌ حسنٌ إن كان شرحبيل سمع من جدِّه سعد بن عُبادةَ".
وفي الإسناد علة أخرى: وهي أنَّ عبد الله بن محمد بن عقيل قد خالف في هذا الإسناد؛ لأنَّه رواه كما عند ابن ماجة (1084) والإمام أحمد (15548)، عن عبد الرحمن بن يزيد الأنصاري، عن أبي لبابة بن عبد المنذر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ يوم الجمعة سيِّد الأيام، وأعظمها عند الله، وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى، ويوم الفطر، فيه خمس خلالٍ: خلق الله فيه أدم، وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفي الله أدم، وفيه ساعةٌ لا يسأل الله فيها العبد شيئًا إلَّا أعطاه، ما لم يسأل حرامًا، وفيه تقوم الساعة، ما من ملكٍ مقرَّب، ولا سماءٍ ولا أرض، ولا رياح ولا جبال، ولا بحرٍ، إلَّا وهنَّ يُشفقنَ من يوم الجمعة".
فخالف في الإسناد والمتن، ولعلَّ الحافظ ابن حجر يشير إلى هذا بقوله:"سيء الحفظ يصلح حديثه للمتابعات، وأمَّا إذا انفرد؛ فيُحسَّن، وأمَّا إذا خالف؛ فلا يُقبل". "التلخيص"(2/ 108).
وكذلك ما رُوي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنَّه قال: كان أبو هريرة يحدِّثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "إنَّ في الجمعة ساعة لا يوافقها مسلمٌ وهو في صلاةٍ يسأل الله خيرًا إلَّا آتاه إياه". قال أبو هريرةَ: وقلَّلَها أبو هريرةَ بيده. قال: فلمَّا توفي أبو هريرة قلت: والله! لو جئتُ أبا سعيد فسألته عن هذه الساعة، أن يكون عنده منها علمٌ، فأتيته، فأجده يقوِّم عراجين، فقلت: يا أبا سعيد، ما هذه العراجين التي أراك تقوِّم؟ قال: هذه عراجين جعل الله لنا فيها بركةً، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحبُّها ويختصر بها، فكنَّا نُقوِّمُها ونأتيه بها، فرأى بصاقًا في قبلةِ المسجد وفي يده عُرجونٌ من تلك العراجين، فحكَّه وقال:"إذا كان أحدكم في صلاته فلا يبصق أمامه؛ فإنَّ ربَّه أمامه، وليبصق عن يساره، أو تحت قدمه، فإن لم" قال سريج: "فإن لم يجد مَبصقًا ففي ثوبه أو نعله". قال: ثمَّ
هاجت السماء من تلك الليلة، فلمَّا خرج النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة برقت برقةٌ، فرأى قتادة بن النعمان، فقال:"ما السُّرى يا قتادهُ؟ ". قال: علمتُ يا رسولَ الله! أنَّ شاهد الصلاة قليلٌ، فأحببتُ أن أشهدها. قال:"فإذا صلَّيت فاثبت حتَّى أمرَّ بكَ. فلمَّا انصرف أعطاه العرجون، وقال: "خذ هذا فسيُضيءُ لك أمامك عشرًا، وخلفك عشرًا، فإذا دخلتَ البيتَ وتراءيتَ سوادًا في زاوية البيتِ، فاضربه قبل أن يتكلَّم؛ فإنَّه شيطان". قال: ففعل، فنحن نُحبُّ هذه العراجين لذلك. قال: قلتُ يا أبا سعيدٍ! إنَّ أبا هريرةَ حدَّثنا عن الساعة التي في الجمعةِ، فهل عندك منها علمٌ؟ فقال: سألتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عنها، فقال:"إنِّي كنتُ قد أُعلِمتُها، ثمَّ أُنسيتُها كما أنسيتُ ليلةَ القدرِ". قالتُ: ثم خرجت من عندِه فدخلتُ على عبد الله بن سلام.
أخرجه أحمد (11624) عن يونس وسُريج، قالا: ثنا فُلَيح، عن سعيد بن الحارث، عن أبي سلمةَ، فذكره.
وأخرجه أيضًا البزَّار (620 - كشف الأستار) من وجه آخر عن فُلَيح به. وزاد فيه بعد قوله: "ثمَّ خرجتُ مِن عنده": "حتَّى أتيت دار رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم"، قال: قلت: هذا رجل قد قرأ التوراة، وصَحِب النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال: فدخل عليه فقلت: أخبرني عن هذه الساعة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيها ما يقول في الجمعة؟ قال: نعم! خلق الله آدم يوم الجمعة، وأسكنه الجنة يوم الجمعة، وأهبطه إلى الأرض يوم الجمعة، وتوفاه يوم الجمعة، وهو اليوم الذي تقوم فيه الساعة، وهي آخر ساعة من يوم الجمعة. قال: قلت: ألست تعلم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: في صلاةٍ؟ قال: ولَستَ تعلم أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "من انتظر صلاة فهو في صلاةٍ".
ففي إسناده فليح بن سليمان، أخرج له الجماعة، لكن تُكُلّم فيه من قبل حفظه؛ فضَّعفه ابن معين، وأبو حاتم، وأبو داود، والنسائي، وأبو زرعة الرازي، ووثَّقه الدارقطني في رواية، وقال في أُخرى:"يختلفون فيه وليس به بأسٌ".
وقال ابن عدي: "ولفُلَيح أحاديث صالحة، ويروي عن سائر الشيوخ من أهل المدينة أحاديث مستقيمة، وغرائب، وقد اعتمده البخاري في صحيحه، وروى عنه الكثير، وهو عندي لا بأس به".
قلت: وقد انفرد فُلَيح برواية هذا الحديث بهذا السياق، وقد جمع فيه عدَّةَ أحاديثَ لبعضها طرق صحيحة وحسنة، وانفرد في هذا السياق بعض الألفاظ، منها: فهذه العراجين جعل الله لنا فيها بركة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبها ويتخصَّر بها". ومنها:"إنِّي كنتُ أُعِلمتها ثمَّ أُنسيتُها". وقد صحَّح هذه اللفظة ابن خزيمة (1741) والحاكم (1/ 279، 280) من طريق يونس بن محمد، عن فليح به.
قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين".
قلت: والإسناد كيفما دار فهو يدور على فُلَيح، وقد سبق ذكر أقوال العلماء فيه.
وكذلك ما رُوي عن أبي سلمة قال: سمعت أبا هريرةَ وأبا سعيد يذكران عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه
قال: "إنَّ في الجمعة ساعةً لا يوافقها عبد وهو يصلِّي يسأل الله فيها شيئًا إلَّا أعطاه إيَّاه". قال: وعبد الله بن سلام يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: نعم، هي آخر ساعة. قلت: إنَّما قال: وهو يصلِّي، وليس تلك ساعة صلاةٍ فقال: أو ما سمعت أو ما بلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من انتظر الصلاة فهو في صلاةٍ".
فجعل ذكر آخر ساعةٍ من المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم.
رواه البزار (619 - كشف الأستار) عن الحسن بن الصباح، عن عبد الله بن جعفر، ثنا عبد الله بن عمرو، عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة به.
فالظاهر أنَّ هذا وهمٌ من بعض رواته، فإنَّ رواته بين ثقة وصدوق، لكن وصف شيخ البزار، وعبد الله بن جعفر، وكذا عبيدالله بن عمرو، وُصِف كلٌّ منهم بشيءٍ من الوهم، وإنَّما صحَّ هذا من قول عبد الله بن سلام كما سبق.
قال الهيثمي: "حديث أبي هريرة في الصحيح، وحديث ابن سلام لم أره مرفوعًا عند أحد منهم".
قلت: والذي يظهر أن عبد الله بن سلام كان يروي على وجهين، فمرة يرويه مرفوعًا، وأخرى موقوفًا، كما يدل عليه الحديث الذي بعد حديث جابر.
• عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"التمسوا الساعة التي ترجى في يوم الجمعة بعد العصر إلى غيبوبة الشمس".
حسن: رواه الترمذي (489) عن عبد الله بن الصباح الهاشمي البصري، قال: حدثنا عبيد الله ابن عبد المجيد الحنفي، قال: حدّثنا محمد بن أبي حميد، قال: حدّثنا موسي بن وردان، عن أنس، فذكره.
قال الترمذي: "هذا حديث غريب من هذا الوجه، وقد روي هذا الحديث عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير هذا الوجه، ومحمد بن أبي حميد يضعف، ضعفه بعض أهل العلم من قبل حفظه، ويقال له: حماد بن أبي حميد، ويقال: هو أبو إبراهيم الأنصاري، وهو منكر الحديث". انتهى.
قلت: محمد بن أبي حميد ضعيف باتفاق أهل العلم، ولكن قال ابن عدي: وهو مع ضعفه يكتب حديثه أي: للاعتبار. فقد وجدت له متابعا وهو ابن لهيعة، عن موسي بن وردان. أخرجه الطبراني في الأوسط (136) من طريقه. وابن لهيعة فيه كلام معروف، ولكنه لم يتهم، ولذا يقبل في المتابعة، وبهذا صار الحديث حسنا.
وأما موسي بن وردان فهو مختلف فيه غير أنه حسن الحديث إذا لم يخالف في الإسناد، ولم يأت في حديثه ما ينكر عليه.
• عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يوم الجمعة اثنتا عشرة -يريد: ساعة-، لا يوجد مسلمٌ يسأل الله عز وجل شيئًا إلَّا آتاه الله عز وجل، فالتمسوها
آخر ساعةٍ بعد العصرِ".
حسن: رواه أبو داود (1048) والنسائي (1389) كلاهما من طريق ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن الجلاح -مولي عبد العزيز-، أنَّ أبا سلمة حدَّثه، عن جابر بن عبد الله، فذكره.
وإسناده حسن من أجل الجلاح؛ فهو صدوق.
وصحّحه الحاكم (1/ 279) على شرط مسلم، وقال:"فقد احتجَّ بالجلاح بن كثير، ولم يخرجاه".
وروي بمعناه عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله عز وجل فيها خيرًا إلا أعطاه إياه، وهي بعد العصر".
رواه أحمد (7677) عن عبد الرزاق -وهو في المصنف (5584) -، أخبرنا ابن جريج، حدثني العباس حديثا، عن محمد بن مسلمة الأنصاري، عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة، فذكراه.
والحديث أيضًا أخرجه العقيلي (4/ 140) من طريق عبد الرزاق، وقال: حدثني آدم بن موسي، قال: سمعت البخاري قال: محمد بن مسلمة الأنصاري، عن أبي سعيد وأبي هريرة في ساعة الجمعة لا يتابع عليه.
وقال العقيلي: "والرواية في فضل الساعة التي في يوم الجمعة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير هذا الوجه، وأما التوقيت فالرواية فيها أيه، كذا -أظنه "لينة"- كما سيأتي. ثم قال: والعباس رجل مجهول لا يعرف، ومحمد بن مسلمة أيضًا مجهول. وأمَّا العصر فالرواية فيه لينة" انتهي.
كذا قال، مع أن التوقيت بالعصر فالرواية فيه أيضًا ثابتة، كما أن التوقيت ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة ثابتة، وقد نقل الزهري في الموضع المشار إليه سابقًا عن بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن الساعة التي ترجى بعد العصر إلى أن تغرب الشمس، وبه يقول أحمد وإسحاق. وقال أحمد:"أكثر الأحاديث في الساعة التي تُرجى فيها إجابة الدعوة أنَّها بعد صلاة العصر، وترجي بعد زوال الشمس". انتهي.
ورُوي عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال:"الساعة التي تُذكر يوم الجمعة ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس". وكان سعيد بن جبير إذا صلى العصر لم يكلِّم أحدًا حتَّى تغرب الشمس، قال الحافظ ابن القيم:"وهذا قول أكثر السلف، وعليه أكثر الأحاديث". "زاد المعاد"(1/ 394).
• عن عبد الله بن سلام، قال: قلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ: إنَّا لنجد في كتاب الله في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبدٌ مؤمن يصلِّي يسأل الله فيها شيئًا إلَّا قضي له حاجته.
قال عبد الله: فأشار إلىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أو بعض ساعة". فقلت: صدقت، أو بعض ساعة. قلتُ: أي ساعة هي؟ قال: "هي آخر ساعات النهار". قلت: إنَّها ليست ساعة صلاة. قال: "بلى. إنَّ العبد المؤمن إذا صلَّى ثمَّ جلس، لا يحبسه إلَّا
الصلاة فهو في الصلاة".
حسن: رواه ابن ماجة (1139) عن عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، ثنا ابن أبي فُديك، عن الضحاك بن عثمان، عن أبي النضر، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن سلام، فذكره.
وإسناده حسن؛ من أجل الضحاك بن عثمان لأنه صدوق، وبقية رجاله ثقات. قال البوصيري: هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات على شرط الصحيح".
ورواه أحمد (23781) عن عبد الله بن الحارث، عن الضحاك به مثله. وفيه: قال أبو النضر: قال أبو سلمة: سألته: أية ساعة هي؟ قال: (أي عبد الله بن سلام) آخر ساعات النَّهار. فقلت: إنها ليست بساعة صلاة. فقال: بلى إنَّ العبد المسلم في صلاة إذا صلَّى ثم قعد في مصلاه لا يحبسه إلَّا انتظار الصلاة". انتهي.
وفي الباب ما رُوي عن أنس بن مالكٍ، قال: عُرضت الجمعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء جبريل في كفِّه كالمرآة البيضاء، في وسطها كالنُكْتة السوداء، فقال:"ما هذه يا جبريل؟ ". قال: "هذه الجمعة، يَعرِضها عليك ربُّك لتكون لك عيدًا، ولِقومِك من بعدك، ولكم فيها خيرٌ، تكون أنت الأوَّل، ويكون اليهود والنصارى من بعدك، وبها ساعةٌ لا يدعو أحَدٌ ربَّه بخيرٍ هو له قَسْمٌ إلَّا أعطاه، أو يتعوَّذ مِن شرٍّ إلَّا دفع عنه ما هو أعظم منه، ونحن ندعوه في الآخرة يوم المزيدِ، وذلك أنَّ ربَّك اتَّخذ في الجنَّة واديًا أَفْيَحَ مِن مسكٍ أبيض، فإذا كان يوم الجمعة نزل من عِلِّيين فجلس على كرسيِّه، وحفَّ الكرسيَّ بمنابر من ذهبٍ، مكلَّلة بالجواهر، وجاء الصدِّيقون والشهداء وجلسوا عليها، وجاء أهل الغُرف من غرفهم حتَّى يجلسوا على الكثيبِ، وهو كثيب أبيض من مسك أذْفَر، ثمَّ يتجلَّى لهم فيقول: أنا الذي صدقتكم وعدي، وأتممت عليكم نعمتي، وهذا محلُّ كرامتي، فسلوني، فيسألونه الرضا، فيقول: رضاي أَحلَّكم داري، وأنالكم كرامتي، فسلوني، فيسألونه الرضا، ثَّم يفتح لهم ما لم تَره عينٌ، ولم يخطر على قلب بشرٍ، إلى مقدار مُنصرَفهم من الجمعة، وهي زبرجدة خضراء، أو ياقوتة حمراء، متدلِّية فيها ثمارُها وخدمها، فليس هم في الجنة بأشوق منهم إلى يوم الجمعة، ليزدادوا نظرًا إلى ربَّهم عز وجل وكرامته، وكذلك وهي يوم المزيدِ".
رواه الطبراني في "الأوسط"(2150): عن أحمد بن زُهَير، قال: ثنا محمد بن عثمان بن كَرامة، ثنا خالد بن مَخلَد القطواني، ثنا عبد السلام بن حفص، عن أبي عِمران الجَوني، عن أنسٍ، فذكر الحديثَ.
قال الطبراني: "لم يروه عن أبي عِمران إلَّا عبد السلام، تفرَّدَ به خالد".
قلتُ: وهو كما قال، وخالد هذا هو ابن مخلد القطواني، وهو وإن كان من رجال الشيخين إلَّا أنَّه وُصِف بأنَّ له أحاديث مناكير، وكان متشيعًا، وفي متنه غرابة.
ورواه أبو يعلي (4228) عن شيبان بن فروخ، ثنا الصعق بن حزن، ثنا علي بن الحكم البناني،
عن أنس فذكر نحوه.
قال الحافظ عن هذا الإسناد بعد أن ساق للحديث أسانيد الأخرى: "هذا أجود من الأول".
وأورده الذّهبي في "العلو"(1/ 351 - 365) من عدّة طرق لا يسلم منها شيء، ثم قال:"هذه طرق يعضِّد بعضها بعضًا، رزقنا الله وإياكم لذَّة النظر إلى وجهه الكريم".
وأورده الحافظ ابن القيم في "الزاد"(1/ 367 - 371) من أوجهٍ أُخرى كثيرةٍ أيضًا، ولا يصح منها شيءٌ، وذكر له شاهدًا من حديث حذيفة، وفيه عبد الله بن عرادة الشيباني، قال فيه البخاري:"منكر الحديث". وضعَّفه غير واحد من أهل العلم.
وأمَّا ما رواه الإمام أحمد (8102): عن هاشم، ثنا الفرج بن فضالة، ثنا علي بن أبي طلحة، عن أبي هريرة قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: لأيِّ شيءٍ سمِّي يوم الجمعة؟ قال: "لأنَّ فيها طُبعت طينة أبيك آدم، وفيها الصعقة، والبعثة، وفيها البطشة، وفي آخر ثلاث ساعات منها ساعة من دعا الله عز وجل فيها استُجيب له". فهو ضعيف، لضعف الفرج بن فضالة، وعلي بن ابي طلحة لم يُدرك أبا هريرةَ، فهو مع ضعفه منقطعٌ.
وفي الباب أحاديث أخرى، منها: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ في الجمعة الساعة لا يوافقها مسلم يسأل الله فيها خيرًا إلَّا أعطاه إياه".
رواه البزَّار (666) عن عبد ربِّه بن خالدٍ، ثنا فُضَيل بن سليمان، عن عبد الله بن محمد بن عمر ابن علي، عن أبيه، عن جده عن علي بن أبي طالبٍ، فذكره. وشيخ البار فيه لم يُوثّقه أحدٌ، وذكره ابن حبَّان في "الثقات"، وقد روى عنه جمعٌ منهم البزار وابن ماجة.
وأمّا ما رُوي "أفضل الأيام يوم عرفة وافق يوم الجمعة، وهو أفضل من سبعين حجّة في غير يوم جمعة" فهو لا أصل له، أورده ابن الأثير في "جامع الأصول"(6867). -تحقيق أيمن صالح- وعزاه إلى رزين.
ورزين هو ابن معاوية بن عمار الأندلسيّ السرقسطيّ المتوفى سنة خمس وثلاثين وخمس مائة بمكة، وصفه الذهبي في "سير أعلام النبلاء"(20/ 204) بأنه الإمام المحدِّث الشهير صاحب كتاب "تجريد الصحاح" وكان إمام المالكين بالحرم.
وقال ابن الأثير في "مقدمة جامع الأصول"(1/ 48 - 50): جمع بين كتب البخاري، ومسلم، والموطأ لمالك، وجامع الترمذي، وسنن أبي داود، وسنن أبي عبد الرحمن النسائي رحمة الله عليهم".
وهو الذي بني عليه الحافظ ابن الأثير كتابه "جامع الأصول" ولكن كما يقول الحافظ الذهبي: "أدخل في كتابه زيادات واهية، لو تنزه عنها لأجاد".
وهذا الحديث من هذا القبيل.
وقد حاول أئمة الحديث الوقوف على إسناد هذا الحديث فلم يقفوا عليه.