الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقه هذا الباب:
استدل بعض أهل العلم بقول ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عجل به السير جمع بين المغرب والعشاء بأنَّ الجمع لا يجوز في السفر وهو نازل مقيم غير سائر إلَّا في عرفة لأجل اتصال الوقوف، وإنَّما شرع الجمع إذا جدَّ به السير لتخفيف المشقَّة.
وتعقبه ابن المنذر فقال: "ولعلَّ بعض من لم يتسع في العلم يحسب أن الجمع بين الصلاتين في السفر لا يجوز إلَّا في الحال التي يَجِدُّ بالمسافر السيرُ، وليس ذلك كذلك، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه جمع بين الظهر والعصر، وهو نازل غير سائر، ثم أخرج حديث معاذ بن جبل من طريق هشام، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ بن جبل قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فكان لا يروح حتى يبرد، ويجمع بين الظهر والعصر، فإذا أمسى جمع بين المغرب والعشاء.
فقال: فدلَّ قوله: فكان لا يروح على أنه جمع بينهما، وهو نازل غير سائر، ثم استدل بحديث مالك: فأخر الصلاة يومًا ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعًا، ثم دخل، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعًا يدل على أنَّه جمع بين الصلاتين، وهو نازل غير سائر. وليس هذا خلافًا للذي ذكره ابن عمر، لأنَّ الجمع بينهما جائز نازلًا وسائرًا. حكى ابن عمر ما رأى من فعله، وذكر معاذ ما فعل، فأخبر كل واحد منهما ما رأى، فالجمع بين الصلاتين في السفر جائز نازلًا وسائرًا كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه نهى عن الجمع بين الصلاتين في السفر في حال دون حال، فيوقف عن الجمع بينهما لنهي النبي صلى الله عليه وسلم انتهى. "الأوسط"(2/ 420).
وقلت في "المنة الكبرى"(2/ 143): "والقيد في حديث ابن عمر وأنس بن مالك لمن جدَّ به السير للغالب، وليس شرطًا في الجمع، لما نرى إطلاق الأمر في أحاديث الجمع" انتهى.
9 - باب الجمع بين الصلاتين في الحضر
• عن عبد الله بن عباس أنَّه قال: صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعًا، والمغرب والعشاء جميعًا في غير خوف ولا سفر.
قال مالك: أرى ذلك كان في مطرٍ.
متفق عليه: رواه مالك في قصر الصلاة في السفر (4) عن أبي الزبير المكي، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عباس.
ورواه مسلم في صلاة المسافرين (705) عن يحيى بن يحيى، قال: قرات على مالك به مثله.
قال أبو الزبير: فسألت سعيدًا: لِم فعل ذلك؟ فقال: سأل ابن عباس كما سألتني، فقال: أراد أن لا يُحرج أحدًا من أمّته.
ورواه الشيخان: البخاري في مواقيت الصلاة (543)، ومسلم (705/ 56) من حديث حماد بن
زيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد (وهو أبو الشعثاء) عن ابن عباس أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى بالمدينة سبعًا وثمانيًا: الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.
زاد البخاري: فقال أيوب: لعلَّه في ليلةٍ مطيرة؟ قال: عسي.
وأيوب هو: السختياني.
والمقول له هو: جابر بن زيد أبو الشعثاء.
وللحديث أسانيد أخرى ذكرها مسلم منها: ما رواه حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير وفيه: في غير خوف ولا مطر. وفيه رد على من قال إن ذلك كان لمطرٍ.
ويبدو أن ابن خزيمة أيضًا لم يقف على متن الحديث ففي ذكر المطر. انظر صحيحه (2/ 86).
وفي رواية عبد الله بن شقيق قال: خطبنا ابن عباس يومًا بعد العصر حتى غربت الشمسُ وبدت النجومُ. وجعل الناس يقولون. الصلاة. الصلاة. قال: فجاءه رجل من بني تميم، لا يفتُر ولا ينثني: الصلاةَ الصلاةَ. فقال ابن عباس: أتُعلمني بالسنة؟ لا أم لك! . ثمَّ قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.
وفي رواية: لا أمَّ لك أتعلمنا بالصلاة؟ ! وكنَّا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عبد الله بن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شيء. فأتيتُ أبا هريرة فسألتُه، فصدَّق مقالتَه.
وهذه الروايات كلُّها صحيحة وهي في صحيح مسلم.
ورويا أيضًا: البخاري (1174)، ومسلم (55) من طريق سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار به.
قال عمرو بن دينار: قلت يا أبا الشعثاء! أظنُّه أخَّر الظهر وعجَّل العصر، وعجل العشاء وأخَّر المغرب، فقال: وأنا أظنُّه.
فهم بعض أهل العلم من قول أبي الشعثاء بأنَّه جمع صوري وهو أن يؤخِّر الأولى إلى آخر وقتها، ويقدِّم الثانية عقبها في أوّل وقتها.
والصواب أن الجمع الصوري لم يقع من النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وإنّما هو ظنٌّ وتخمين من أبي الشّعثاء - واسمه جابر بن زيد -، وقد ضعَّف غير واحد من أهل العلم الجمع الصور لما فيه من المشقة أكثر من أدائها في وقتها، والنّبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بالجمع رفع الحرج والمشقة عن أمته.
وقوله: فأتيت أبا هريرة فصَدَّق مقالته. هذا هو الصحيح من تصديق أبي هريرة لحديث ابن عباس. ولا يصح ما رُوي عنه مرفوعًا كما سيأتي.
وأما ما رُوي عن ابن عمر قال: جمع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقيمًا غير مسافر بين الظهر والعصر والمغرب، فقال رجل لابن عمر: لِم ترى النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك؟ قال: لأن لا يحرج أمته إن جمع رجلٌ.
فهو ضعيف، رواه عبد الرزاق (4437) عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب، عن عبد الله بن عمر فذكره.
قال البخاري: "لم يسمع ابن جريج من عمرو بن شعيب". يعني أنه دلّسه.
وكذلك ما رُوي عن أبي هريرة: "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين في المدينة من غير خوف" فهو ضعيف.
رواه البزار "كشف الأستار"(689) عن الحسن بن أبي زيد، ثنا عثمان بن خالد، ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن الأعرج، عن أبي هريرة فذكره.
وعثمان بن خالد هو: الأموي العثماني أبو عفان المدني قال فيه البخاري والنسائي وأبو أحمد الحاكم: "منكر الحديث"، وقال ابن حبان: يروي المقلوبات عن الثقات، لا يجوز الاحتجاج به.
وقال الهيثمي في المجمعه (2/ 161): "هو ضعيف" وقال الحافظ في "التقريب": "متروك الحديث".
وكذلك لا يصح ما رُوي عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف، رواه تمام (433) من حديث الربيع بن يحيى، نا سفيان الثوري، عن محمد بن المنكدر، عن جابر فذكره.
ظاهرة السلامة، ولكن قال ابن أبي حاتم في "العلل" (313): سمعت أبي وقيل له: حديث محمد بن المنكدر، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الجمع بين الصلاتين فقال:"حدثنا الربيع بن يحيى، عن الثوري غير أنه باطل عندي، هذا خطأ لم أدخله في التصنيف، أراد أبا الزبير، عن جابر، أو أبا الزبير عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، والخطأ من الربيع" انتهى.
قلت: الربيع بن يحيى أبو الفضل البصري الأشناني من رجال البخاري قال فيه أبو حاتم: ثقة ثبت، وذكره ابن حبان في الثقات، ولكن قال ابن قانع: ضعيف، وقال الدارقطني: ضعيف ليس بالقوي، يخطئ كثيرًا، حدَّث عن الثوري، عن ابن المنكدر، عن جابر جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين. وهذا حديث ليس لابن المنكدر فيه ناقة ولا جمل. وهذا يسقط مائة ألف حديث" وقال أبو حاتم: في العلل: باطل عن الثوري. انظر: "تهذيب التهذيب"(3/ 253).
وفي الباب أيضًا حديث ابن مسعود وسيأتي في الباب الذي يليه.
فقه الباب:
أحاديث هذا الباب تدل على جواز الجمع بين الصلاتين في الحضر من غير خوف ولا مطر ولا مرض إلا أن الترمذي ادَّعَى في أوَّل كتابه "العلل" الذي في آخر السنن: جميع ما في هذا الكتاب من الحديث فهو معمول به، وقد أخذ به بعض أهل العلم ما خلا حديثين. أحدهما حديث ابن عباس "إن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر بالمدينة، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر ولا مطر".
والثاني: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد في الرابعة فاقتلوه".
فأما قوله في حديث ابن عباس ففيه نظر من وجهين:
الوجه الأول: أنَّه لم يذكر علَّة حديث ابن عباس بعد أن رواه عن طريق حبيب بن أبي ثابت كما