الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويجاب عن ذلك من وجهين:
الوجه الأول:
مسلك الجمع: أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بجواز الفضل ومنع النسيئة فيما رواه عنه أسامة والبراء وزيد بن أرقم إنما هو في جنسين مختلفين لا يجري بينهما ربا الفضل، وليس ذلك في الجنس الواحد، وممن ذهب إلى هذا الطبري
(1)
، والبيهقي
(2)
، وابن عبد البر في الاستذكار
(3)
، وسليمان بن حرب
(4)
، والسبكي في تكملة المجموع
(5)
، والشنقيطي في أضواء البيان
(6)
، وغيرهم.
واستدلوا لذلك باللفظ الآخر للحديث.
(ح-709) فقد رواه البخاري ومسلم من طريق أبي المنهال، قال: سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم رضي الله عنهما عن الصرف، فكل واحد منهما يقول: هذا خير مني، فكلاهما يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالورق دينًا
(7)
.
(1)
فتح الباري (4/ 382).
(2)
السنن الكبرى للبيهقي (5/ 280)، وفي المعرفة (4/ 297).
(3)
الاستذكار (19/ 210 - 211).
(4)
قال ابن حجر في فتح الباري (4/ 382): «وقع في نسخة الصغاني هنا: قال أبو عبد الله يعني البخاري: سمعت سليمان بن حرب يقول: لا ربا إلا في النسيئة، هذا عندنا في الذهب بالورق، والحنطة بالشعير متفاضلًا، ولا بأس به يدًا بيد، ولا خير فيه نسيئة» .
(5)
تكملة المجموع (10/ 52).
(6)
أضواء البيان (1/ 161).
(7)
صحيح البخاري (2181)، ومسلم (1589). والحديث مداره على أبي المنهال عبد الرحمن بن مطعم، قال: سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم ....
فرواه سفيان، عن عمرو بن دينار، عن أبي المنهال، واختلف على سفيان:
فرواه مسلم (1589) من طريق محمد بن حاتم:
والبخاري (3940) من طريق علي بن المديني. =
وعلى هذا يكون الجمع بين الأحاديث الصحيحة، فحديث أسامة وزيد ابن أرقم والبراء بن عازب مما ظاهرها يفيد جواز ربا الفضل، ويمنع ربا النسيئة إنما هي في أجناس ربوية مختلفة يجوز فيها التفاضل ويحرم فيها النسأ.
وحديث عبادة، وأبي سعيد الخدري، وعمر بن الخطاب وأبي هريرة، وأبي ذر وغيرها من الأحاديث المجمع على صحتها مما تحرِّم التفاضل إنما هي في الجنس الواحد، ولا بد من الجمع أو الترجيح، لأن الأحاديث جميعها أحاديث صحيحة ثابتة عن المعصوم، والجمع مقدم على الترجيح، فكيف إذا
= والنسائي في السنن الكبرى (6167)، وفي المجتبى (4575) من طريق محمد بن منصور.
والدارقطني في السنن (3/ 16) من طريق أحمد بن روح.
كلهم عن سفيان، عن عمرو بن دينار، عن أبي المنهال: بلفظ: باع شريك لي ورقًا بنسيئة. وبعضهم يقول (دراهم بنسيئة والمعنى واحد) ولم يذكر جنس الثمن. وإنما ذكر المبيع أنه دراهم، وذكر الأجل، ولم يذكر الثمن.
وخالفهم الحميدي، فرواه في مسنده (727) عن سفيان، عن عمرو، عن أبي المنهال به بلفظ: باع شريك لي بالكوفة دراهم بدراهم. فذكر جنس الثمن، وأنه دراهم. وهذا خطأ.
أولًا: أن الحميدي وإن كان ثقة فإنه انفرد بهذه الزيادة عن بقية من رواه عن سفيان، ومنهم علي بن المديني، ومحمد بن حاتم عند مسلم، ومحمد بن منصور عند النسائي، وأحمد بن روح عند الدارقطني كلهم يتفقون على عدم ذكر جنس الثمن.
ثانيًا: أنه قد رواه البخاري (2181) ومسلم (1589) من طريق شعبة، عن حبيب، عن أبي المنهال، بلفظ: نهى عن بيع الورق بالذهب دينًا. فذكر جنس الثمن، وأنه من الذهب.
إذا علم هذا حمل اللفظ المجمل، والذي رواه البخاري (2061) من طريق ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن أبي المنهال، عن البراء بن عازب وزيد بن أرقم، سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصرف، فقال: إن كان يدًا بيد فلا بأس، وإن كان نساء فلا يصلح.
أن المسئول عنه هو صرف الورق بالذهب، وليس صرف الذهب بجنسه، ولا صرف الفضة بجنسه، لأن الصرف إذا أطلق يراد به صرف الذهب بالورق. قال الحافظ في الفتح (4/ 383):«فبيع النقد إما بمثله، وهو المراطلة، أو بنقد غيره، وهو الصرف» ، والله أعلم.
كان الجمع قد استند إلى ألفاظ أخرى للأحاديث التي توهم أنها لا تحرم إلا ربا النسيئة، والجمع شأن الراسخين في العلم، ولأن ترجيح حديث لا ربا إلا في النسيئة ورد الأحاديث الكثيرة المتكاثرة الثابتة في الصحيحين وفي غيرها يؤدي إلى إبطال قسم من السنة بلا مرجح، بخلاف الجمع، فإنه إعمال لكل الأدلة، فضلًا عن أن القول في ربا الفضل هو قول السواد الأعظم من الأمة، من لدن الصحابة إلى يومنا هذا.
قال ابن عبد البر: «حديثه - يعني ابن عباس - عن أسامة صحيح، ولكنه وضعه غير موضعه، وحمله على غير المعنى الذي له أتى، ومعنى الحديث عند العلماء أنه خرج على جواب سائل سأل عن الذهب بالورق، أو البر بالتمر، أو نحو ذلك مما هو جنسان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا ربا إلا في النسيئة)،فسمع أسامة كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسمع سؤال السائل، فنقل ما سمع والله أعلم،
والدليل على صحة هذا التأويل: إجماع الناس ما عدا ابن عباس عليه وما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما)، وقوله عليه السلام:(لا تبيعوا الذهب بالذهب، والفضة بالفضة إلا مثلا بمثل، يدًا بيد، ولا تبيعوا بعضها على بعض)
(1)
.
ومن الناحية العلمية أرى لو اكتفي بهذا الوجه للجواب عن حديث البراء وزيد بن أرقم؛ لأنه مبني على رد الروايات المجملة إلى الروايات المبينة المفسرة، وأما محاولة الترجيح فإني أذكرها على سبيل الرصد العلمي لما قيل في المسألة وإن كنت لست على قناعة منها، لأن الترجيح سوف يلغي بعض الأدلة على حساب بعض، والله أعلم.
(1)
الاستذكار (19/ 210 - 211).