الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث
في بيان الأموال الربوية
جاء في موسوعة القواعد الفقهية: الأصل التعليل حتى يتعذر
(1)
.
قال جمع من الفقهاء: الشارع لا يفرق بين متماثلين؛ لأن حكمته وعدله تأبى هذا، كما أنه لا يسوي بين مختلفين، قال تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَاا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَاا} [البقرة:275].
وقال تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} ، [القلم:35] وقال سبحانه {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ} [ص:28]
(2)
.
[م -1166] نص الشارع في حديثي عبادة وأبي سعيد على أعيان بعينها، فأجرى فيها ربا الفضل وربا النسيئة.
(ح-711) فقد روى مسلم من طريق أبي المتوكل الناجي،
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثل، يدًا بيد، من زاد أو استزاد، فقد أربى، الآخذ والمعطي سواء
(3)
.
(ح-712) وروى مسلم أيضًا من طريق أبي الأشعث،
عن عبادة بن الصامت، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر
(1)
موسوعة القواعد الفقهية (2/ 19).
(2)
انظر إعلام الموقعين (2/ 115)، البحر المحيط للزركشي (7/ 258)، فتاوى السعدي (1/ 326) باب الربا والصرف.
(3)
صحيح مسلم (1584).
بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثل، سواء بسواء، يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد
(1)
.
فالأصناف الستة التي وردت في الحديث هي أموال ربوية، لا شك فيها، وقد اختلف القائلون بربا الفضل، هل يقاس عليها غيرها، أو يقتصر عليها.
فقيل: يلحق بهذه الأصناف الستة غيرها مما وافقها في العلة، وهذا مذهب عامة أهل العلم، ومنهم الأئمة الأربعة
(2)
.
وقيل: الربا مقصور على هذه الأصناف الستة المنصوص عليها، وهو قول طاووس، و قتادة، ومسروق، والشعبي، وعثمان البتي من السلف
(3)
، وهو مذهب الظاهرية
(4)
، واختاره من الحنابلة ابن عقيل
(5)
، ومن المتأخرين الصنعاني
(6)
، و الشوكاني وصديق حسن خان
(7)
.
(1)
المرجع السابق (1587).
(2)
عمدة القارئ (11/ 252)، المجموع (9/ 489)، الفروق للقرافي (3/ 259)، شرح النووي على صحيح مسلم (11/ 9)، المغني (4/ 26)، الإنصاف (5/ 11).
(3)
انظر عمدة القارئ (11/ 252)، المغني (4/ 26) المجموع (9/ 489)، أضواء البيان (1/ 178)، المحلى (7/ 403).
(4)
المحلى (7/ 402) مسألة: 1480.
(5)
الإنصاف (5/ 13)، وقال ابن تيمية في تفسير آيات أشكلت (2/ 610): «فطائفة لم تحرم ربا الفضل في غيرها - أي في غير الأصناف الستة
…
وابن عقيل في آخر مصنفاته رجح هذا القول مع كونه يقول بالقياس، قال: لأن علل القياس في مسألة الربا علل ضعيفة، وإذا لم يظهر فيه علة امتنع القياس».
(6)
قال الصنعاني في سبل السلام (3/ 15): «
…
ولكن لم يجدوا علة منصوصة اختلفوا فيها اختلافًا كثيرًا يقوى للناظر العارف أن الحق ما ذهبت إليه الظاهرية».
(7)
السيل الجرار (3/ 65، 66)، الروضة الندية (2/ 110، 111).
دليل الجمهور على تحريم الربا في غير الأصناف الستة:
الدليل الأول:
التحريم في المعاملات المالية معلل، وتحريم الربا منه معلل أيضًا حيث يبعد أن يكون تعبدًا خاليًا من العلة، وإذا كان التحريم إنما ثبت في الأصناف الستة لمعنى، فإذا عرف ذلك المعنى ألحق بها ما يشاركها فيه، فالحكم إذا ثبت بعلة ثبت بنظيرها؛ لأن القياس دليل شرعي، ولأن الشريعة لا تفرق بين متماثلين، بل تعطي النظير حكم نظيره؛ وعليه يجب استخراج علة هذا الحكم وإثباته في كل موضع وجدت العلة فيه.
الدليل الثاني:
(ح-713) ما رواه مسلم من طريق أبي النضر، أن بسر بن سعيد حدثه،
عن معمر بن عبد الله أنه أرسل غلامه بصاع قمح، فقال: بعه، ثم اشتر به شعيرًا، فذهب الغلام، فأخذ صاعًا وزيادة بعض صاع، فلما جاء معمرا أخبره بذلك، فقال له معمر: لم فعلت ذلك؟ انطلق فرده ولا تأخذن إلا مثلًا بمثل، فإني كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الطعام بالطعام مثلًا بمثل، قال: وكان طعامنا يومئذ الشعير. قيل له: فإنه ليس بمثله. قال: إني أخاف أن يضارع
(1)
.
وجه الاستدلال:
قوله صلى الله عليه وسلم: (الطعام بالطعام مثلًا بمثل)، فإن هذا اللفظ أعم من الأصناف الأربعة المذكورة في حديث عبادة وأبي سعيد الخدري، فإذا جرى الربا في بلد طعامه الشعير جرى الربا في بلد طعامه الأرز، ولا فرق.
(1)
صحيح مسلم (1592).
الدليل الثالث:
(ح-714) ما رواه البخاري من طريق الليث، عن نافع.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة: أن يبيع ثمر حائطه إن كان نخلًا بتمر كيلًا، وإن كان كرمًا أن يبيعه بزبيب كيلًا، وإن كان زرعًا أن يبيعه بكيل طعام، نهى عن ذلك كله. ورواه مسلم
(1)
.
وجه الاستدلال:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العنب بالزبيب، وهذا ليس من الأصناف الستة، فدل على أن الربا ليس محصورًا في الأصناف الستة.
الدليل الرابع:
(ح-715) ولمسلم من طريق أبي نضرة، قال:
سألت ابن عمر وابن عباس عن الصرف فلم يريا به بأسًا فإني لقاعد عند أبي سعيد الخدري، فسألته عن الصرف، فقال: ما زاد فهو ربا، فأنكرت ذلك لقولهما، فقال: لا أحدثك إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاءه صاحب نخلة بصاع من تمر طيب، وكان تمر النبي صلى الله عليه وسلم هذا اللون، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنى لك هذا؟ قال: انطلقت بصاعين، فاشتريت به هذا الصاع، فإن سعر هذا في السوق كذا، وسعر هذا كذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويلك أربيت، إذا أردت هذا فبع تمرك بسلعة، ثم اشتر بسلعتك أي تمر شئت.
قال أبو سعيد: فالتمر بالتمر أحق أن يكون ربا، أم الفضة بالفضة؟ قال: فأتيت ابن عمر بعد، فنهاني، ولم آت ابن عباس، قال: فحدثني أبو الصهباء: أنه سأل ابن عباس عنه بمكة، فكرهه
(2)
.
(1)
البخاري (2205)، ومسلم (1542).
(2)
صحيح مسلم (1594).
وجه الاستدلال:
قول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (فالتمر بالتمر أحق أن يكون ربا، أم الفضة بالفضة؟) ففي هذا ما يدل على أن أبا سعيد رضي الله عنه استعمل القياس في إشارته إلى أن الفضة بالفضة أحق بالربا من التمر بالتمر، وهذا يدل على أنه معلل.
الدليل الخامس:
(ح-716) ما رواه البخاري ومسلم من طريق عبد المجيد بن سهيل ابن عبد الرحمن بن عوف، أنه سمع سعيد بن المسيب يحدث.
أن أبا سعيد الخدري وأبا هريرة حدثاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أخا بني عدي الأنصاري واستعمله على خيبر فقدم بتمر جنيب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكل تمر خيبر هكذا؟ قال: لا والله يا رسول الله إنا لنشتري الصاع بالصاعين من الجمع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعلوا ولكن مثلًا بمثل، أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا، وكذلك الميزان
(1)
.
وجه الاستدلال:
قوله صلى الله عليه وسلم: (وكذلك الميزان) إشارة إلى أن الحكم يتعدى الأصناف الستة إلى كل ما يوزن. وهذا دليل على عدم الاقتصار على الأصناف الستة، ولفظ (وكذلك الميزان) اختلف فيها وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى.
دليل من قال: الربا مقصور على الأصناف الستة:
أدلة أصحاب هذا القول منهم من لا يحتج بالقياس كالظاهرية، ومنهم من يحتج بالقياس وهم بقية من قال بهذا القول من السلف كقتادة، ومسروق،
(1)
صحيح البخاري (7351)، ومسلم (1593).
والشعبي، وابن عقيل، والشوكاني وغيرهم، لذا لن يتفقوا على كل هذه الأدلة وإن كانوا متفقين على أصل القول.
الدليل الأول:
استدل نفاة القياس بأن الأصناف الستة يجري فيها الربا بالاتفاق، وما عداها فمختلف فيه، أيقع فيه الربا أم لا؟ والربا من الكبائر، فإذ أحل الله لنا البيع وحرم الربا، فواجب طلب معرفته ليجتنب، وقد قال تعالى:{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام:119].
فصح أن ما فصل لنا بيانه على لسان رسول صلى الله عليه وسلم فهو من الربا، وما لم يفصل لنا تحريمه فهو حلال، لأنه لا يجوز أن يكون في الشريعة حرام لم يفصل لنا، ولم يبينه رسوله صلى الله عليه وسلم، وما عدا الأصناف الستة لا نجد في الشريعة ما يدل على أنها من الربا، فوجب الاقتصار على ما بينه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويناقش:
بأن الشارع إذا نص على تحريم شيء، فإنه يحرم نظيره؛ لأن تحريمه كان لداع اقتضى التحريم، وحكمة بالغة اقتضت منع الناس منه، فإذا وجد ذلك المعنى في عين أخرى لم ينص عليها الشارع وجب يعطى النظير حكم نظيره، وقد ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه النهي عن بيع العنب بالزبيب، وهو خارج الأصناف الستة، فبطل دعوى حصر الربا في الأصناف الستة.
الدليل الثاني:
استدل مثبت القياس بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطي جوامع الكلم، وأختصر له الكلام اختصارًا، فلما ذكر أربعة أصناف يدعى أن علتها واحدة: وهي البر والشعير والتمر والملح فإما أن يكون هذا من قبيل التكرار الذي ينافي كمال البلاغة، أو يكون ذلك دليلًا على أنها مقصودة لذاتها، لا يتعداها الحكم إلى
غيرها، ولو كان الربا يجري في غيرها من المكيلات والموزونات لقال: لا تبيعوا المكيل بالمكيل، ولا الموزون بالموزون إلا مثلًا بمثل، سواء بسواء، يدًا بيد؛ لأن ذلك أجمع للكلام، وأدل على المراد، فلما كرر الأصناف المكيلة علم أن المراد أعيان هذه الأصناف الستة.
ويناقش من ثلاثة وجوه:
الوجه الأول:
أن النصوص لم تقتصر على الأصناف الستة، فقد ذكرنا ضمن أدلة القول الأول: النهي عن بيع الطعام بالطعام، وهو أعم، وكذلك ذكرنا النهي عن بيع العنب بالزبيب، وهو خارج الأصناف الستة.
الوجه الثاني:
أن طعام الصحابة كان محصورًا على أصناف محدودة، فكان عدها أيسر عليهم في الفهم مما لو جرى نص عام، ولأن التعامل كان مقصورًا عليها.
ويشهد لذلك:
(ح-717) ما رواه البخاري في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: كنا نخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعًا من طعام، قال أبو سعيد: وكان طعامنا الشعير والزبيب، والأقط والتمر.
فطعام الصحابة رضي الله عنهم لم يتجاوز هذه الأصناف الأربعة وقت التشريع، ومعلوم أن الملح كان من مطعومهم أيضًا.
الوجه الثالث:
أن هناك فرقًا بين أن تذكر الأصناف الستة على سبيل العد كما هو الحال في حديث عبادة وأبي سعيد، وبين أن تذكر على سبيل الحصر، فالأول لا يدل على
حصر الأصناف الربوية في الأصناف المذكورة بخلاف الثاني، ولذلك جاء ما يدل على تعدية الحكم إلى غيرها بقوله صلى الله عليه وسلم (وكذلك الميزان).
الدليل الثالث:
أن الأحاديث نصت على أن الربا يجري في أصناف ستة، فلو اشتغلنا بالتعليل لعاد ذلك على النص بالإبطال للمنصوص، لأن معنى ذلك يؤدي إلى أن العدد لا مفهوم له. كما في قوله صلى الله عليه وسلم:(خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم) فلو اشتغلنا بالتعليل كان الفواسق أكثر من خمس، فيكون ذلك إبطالًا للمنصوص، وهو لا يجوز، فكذلك الشأن في الأصناف الستة.
ويجاب عن ذلك بعدة أجوبة:
الجواب الأول:
أن أحاديث الربا ليس فيها الحصر الذي في حديث (خمس فواسق) فأحاديث الربا ذكرت حكم الربا في أموال معينة، ولم يأت أي تعرض للعدد مطلقًا، وإنما يجد العاد أن الأصناف المذكورة عددها ستة، في بعض الأحاديث، كحديث عبادة، وفي بعضها عددها أربعة كحديث أبي هريرة في مسلم
(1)
، وحديث عمر بن الخطاب في الصحيحين
(2)
، وفي بعضها ذكر فقط الذهب والفضة كحديث أبي سعيد الخدري في الصحيحين
(3)
، وحديث أبي بكرة فيهما
(4)
، فالعدد ليس
(1)
صحيح مسلم (1588).
(2)
صحيح البخاري (2174)، مسلم (1586).
(3)
صحيح البخاري (2177)، ومسلم (1584).
(4)
صحيح البخاري (2175)، ورواه مسلم (1590).
موجودًا في الأحاديث، وبالتالي لا يكون الاشتغال بالتعليل هنا يؤدي إلى إبطال المنصوص عليه، لأن الحصر لم يرد أصلًا في الحديث.
الجواب الثاني:
قال ابن الهمام: «وأما إبطال العدد فهو بناء على اعتبار مفهوم المخالفة، وهو ممنوع، ولو سلم فالقياس مقدم عليه باتفاق القائلين به»
(1)
.
الجواب الثالث:
قال ابن الهمام «الإبطال الممنوع هو الإبطال بالنقص - يعني عن العدد المذكور بالنص - أما بالزيادة بالعلة فلا
…
»
(2)
.
الدليل الرابع:
علة الربا ليست منصوصة، وإنما هي مستنبطة بالاجتهاد، ووجود الاختلاف الكثير عند القائلين بالعلة يدلك على ضعف هذا القول، {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء:82].
وقال ابن عقيل: «علل القياس في مسألة الربا علل ضعيفة، وإذا لم يظهر فيه علة امتنع القياس»
(3)
.
وقال الصنعاني: «
…
ولكن لم يجدوا علة منصوصة اختلفوا فيها اختلافًا كثيرًا يقوى للناظر العارف أن الحق ما ذهبت إليه الظاهرية»
(4)
.
(1)
فتح القدير لابن الهمام (7/ 5).
(2)
المرجع السابق.
(3)
تفسير آيات أشكلت لابن تيمية (2/ 610).
(4)
سبل السلام (3/ 15).
ويناقش:
بأن تخصيص النصوص بالعلة المستنبطة هو الذي فيه نقاش، وأما التماس العلة لتعدية الحكم فهذا شأن الراسخين في العلم؛ لأن النصوص محدودة، والحوادث متجددة، والتحليل والتحريم في باب المعاملات قائم على تحقيق مصالح العباد، وتحريم الظلم ودفع الضرر، فهي أحكام معللة لا تخفى على أهل العلم، ورد التعليل لوجود الاختلاف قول ضعيف جدًا؛ لأن مسائل الإجماع قليلة جدًا، وإنما الاختلاف يجعل الباحث لا يتعجل في ترجيح قول على آخر، ويتأنى في النظر في كافة الأقوال، حتى يتبين له أقربها إلى الصواب وقواعد الشرع، ليأخذ بأحسنها، ويعذر المخالف ممن لم يوفق للصواب، والله أعلم.
الراجح:
بعد استعراض الأدلة أجد أن قول الجمهور هو الأقرب إلى الصواب، والله أعلم.
* * *
الفصل الأول
في الكلام على علة الربا
اتفق القائلون بالعلة أن الأصناف الستة تنقسم إلى قسمين:
الفئة الأولى: الذهب والفضة.
والفئة الثانية: البر والشعير والتمر والملح.
قال ابن قدامة: «اتفق المعللون على أن علة الذهب والفضة واحدة، وعلة الأعيان الأربعة واحدة، ثم اختلفوا في علة كل واحد منهما
…
»
(1)
.
كما اتفقوا أن بيع الفئة الثانية بالفئة الأولى لا يجري فيها الربا مطلقًا، لا ربا الفضل، ولا ربا النسيئة، وإن كانت في أصلها أموالًا ربوية، لعدم تطابق العلة فيهما، ولثبوت الإجماع على جواز السلم، كما لو أسلم قمحًا بدنانير (ذهب) أو أسلم تمرًا بدراهم (فضة)، والسلم يقتضي تقديم الثمن وتأخير المثمن، فلو كان الربا يجري بينهما لما جاز السلم بحال.
وسوف نعرض كلام أهل العلم في علة كل فئة على انفراد حتى يسهل الفهم، ولا يتداخلان فيتشعب الكلام.
* * *
(1)
المغني (4/ 26).