الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
في ارتكاب الربا للحاجة
قال الشافعي: «وليس يحل بالحاجة محرم إلا في الضرورات»
(1)
.
وقال ابن تيمية: مفسدة الغرر أقل من الربا فلذلك رخص فيما تدعو إليه الحاجة منه
(2)
. يعني: ولم يرخص ذلك في الربا.
[م-1160] ارتكاب الربا في سد الحاجات العامة والخاصة، كشراء بيت، أو سيارة، أو إصدار الدولة سندات في مشروعات حيوية ضرورية للبلد إذا لم تجد الدولة من يقرضها قرضًا حسنًا، فهل يجوز ارتكاب الربا بحجة أن الضرورة تبيح الحرام، وأن هذه المشاريع ضرورية للبلد، وأن الشخص محتاج إلى سكن له ولعائلته.
وإذا قدر أن هذا الأمر ليس من قبيل الضرورة، فإنه لا شك بأنه حاجة، فهل تنزل الحاجة منزلة الضرورة؟
في ذلك خلاف بين أهل العلم:
جاء في البحر الرائق: «يجوز للمحتاج الاستقراض بالربح»
(3)
.
المقصود بالحاجة هنا الضرورة، والفقهاء يعبرون بالحاجة تارة ويقصدون بها
(1)
الأم (3/ 28).
(2)
القواعد النورانية (ص: 118).
(3)
البحر الرائق (6/ 127).
الضرورة. وذلك أن مجرد الحاجة لا تبيح المحرم، خاصة إذا كان محرمًا لذاته كربا النسيئة، وإنما الذي تبيح المحرم الضرورة
(1)
.
قال الشافعي رحمه الله: «وليس يحل بالحاجة محرم إلا في الضرورات»
(2)
.
ويحتمل أن تكون الحاجة هنا على ظاهرها، وبناء عليه تنزل الحاجة منزلة الضرورة، وهل هذا مطلقًا في كل حاجة، أو في الحاجات العامة دون الخاصة، اتجاهان.
جاء في غمز عيون البصائر: «الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة»
(3)
.
بينما قال الزركشي: «الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة في حق آحاد الناس»
(4)
.
وجاء في الموسوعة الكويتية «ومعنى كون الحاجة عامة: أن الناس جميعًا يحتاجون إليها فيما يمس مصالحهم العامة، من تجارة، وزراعة، وصناعة، وسياسة عادلة، وحكم صالح. ومعنى كون الحاجة خاصة: أن يحتاج إليها فرد أو أفراد محصورون أو طائفة خاصة كأرباب حرفة معينة.
(1)
قال ابن قدامة في المغني في معنى الحاجة (1/ 59): «أن تدعو الحاجة إلى فعله، وإن كان غيره يقوم مقامه» .
وأما الضرورة فقيل في تعريفها: «الضرورة: اسم من الاضطرار، ومأخوذة من الضرر، وهو ضد النفع، وفي الاصطلاح: بلوغ الإنسان حدًا إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب» .
وقيل: الضرورة «الحالة الملجئة لتناول الممنوع شرعًا» .
(2)
الأم (3/ 28).
(3)
غمز عيون البصائر (1/ 293).
(4)
المنثور في القواعد الفقهية (2/ 24).
والمراد بتنزيلها منزلة الضرورة: أنها تؤثر في الأحكام فتبيح المحظور وتجيز ترك الواجب وغير ذلك مما يستثنى من القواعد الأصلية»
(1)
.
والربا وإن كان حرامًا فإنه تبيحه الضرورة إذا لم يجد الرجل من يقرضه، أو قامت بالأمة حاجة إلى مشاريع يكون فيها قوامها، وديمومتها، والمشقة تجلب التيسير.
قال أبو بكر بن العربي المالكي عند ذكر القاعدة السابعة من قواعد البيوع في القبس: «اعتبار الحاجة في تجويز الممنوع كاعتبار الضرورة في تحليل المحرم .... ومن ذلك حديث العرايا، وبيع التمر فيها على رؤوس النخل بالتمر الموضوع على الأرض، وفيه من الربا ثلاثة أوجه:
بيع الرطب باليابس.
والعمل بالحزر والتخمين في تقدير المالين الربويين.
وتأخير القبض. إن قلنا: إنه يعطيها له إذا حضر جذاذ التمر»
(2)
.
ويقول ابن تيمية: «يجوز للحاجة ما لا يجوز بدونها، كما جاز بيع العرايا بالتمر استثناء من المزابنة للحاجة
…
»
(3)
.
ويقول ابن تيمية في معرض كلامه على إباحة الغرر اليسير: «والشريعة جميعها مبنية على أن المفسدة المقتضية للتحريم إذا عارضتها حاجة راجحة أبيح المحرم»
(4)
.
(1)
الموسوعة الكويتية (16/ 256).
(2)
القبس (2/ 790 - 791).
(3)
مجموع الفتاوى (29/ 480).
(4)
المرجع السابق (29/ 49).
ويناقش ما سبق بما يلي:
الجواب: عن إباحة الربا للضرورة:
نسلم أن الضرورة تبيح الحرام، ومنه الربا، ولكن ما حد الضرورة التي تبيح المحرم:
لقد تكلم الفقهاء في حد الضرورة التي تبيح المحرم وهو أن يبلغ الإنسان «حدًا إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب، كالمضطر للأكل واللبس، بحيث لو بقي جائعًا أو عريانًا لمات أو تلف منه عضو»
(1)
.
ولو ترك المقترض بالربا قرضه لم يهلك ولم يقارب، فالتعامل بالربا من أجل بناء بيت، أو إنشاء مصنع ونحو ذلك بعيد كل البعد عن وقوعه في الضرورة التي تبيح المحرم.
ولا يعتبر إفلاس الشركة ضرورة؛ لأن إفلاس الشركة لا يلزم منه إفلاس الشركاء، وإذا أفلست شركة أمكن أن تقوم شركة أخرى مقامها.
كما أن من شرط الضرورة التي تبيح الحرام أن لا تندفع ضرورته إلا بارتكاب الحرام، أو ترك الواجب، وهذا الشرط لا يتحقق في هذه القروض؛ لأن وسائل الاستثمار المباحة لا تكاد تحصى كثرة، من ذلك الشراء بالتقسيط، أو عن طريق السلم، وإذا لم يجد الإنسان من يقرضه فربما يمكنه العمل بيده حتى يحصل ما يسد حاجته، أو يسافر إلى بلاد أخرى طلبًا للعمل.
فيشترط لجواز تناول المحرم في حال الضرورة أن يعلم يقينًا أن فعل المحرم يرفع الضرورة، ويحصل به المقصود، وربما لو أذن للشخص أنه كل ما احتاج أبيح له الاقتراض بالربا كثرت بذلك ديونه، وأصبح دخله كله يصرف على هؤلاء
(1)
المنثور في القواعد (2/ 319).