الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويتفق كلام الشيخ محمد رشيد رضا مع كلام الإمام أحمد بأن ربا الجاهلية محرم لا نزاع فيه، ولا يتفق معه لا من قريب ولا من بعيد أنه لا يحرم من الربا إلا هذه الصورة فقط، إما أن تقضي وإما أن تربي، ومذهب الإمام أحمد معروف في ربا الفضل وفي ربا النسيئة، مع أن الإمام أحمد لم يقل ابتداء: الربا الذي لا أشك فيه: هو كذا وكذا، وإنما وجه له سؤال: ما هو الربا الذي لا تشك فيه، فذكر أغلظ صور الربا، وهو قلب الدين، وأعجب من الإنسان عندما يريد أن يحتج لقوله فهو يذهب إلى آحاد العلماء، ولو لم يكن كلامه حجة على مخالفيه، ويسوقه في معرض الاستدلال، ويترك الأحاديث المتفق على صحتها في تحريم بيع الذهب بالذهب مع التفاضل أو مع النساء، ولو كان يرويه مثل عمر، وعثمان، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وعبادة بن الصامت وغيرهم، ويتهم مخالفيه بأنهم يتعبدون بآراء وأقوال ممن لا تعد آراؤهم وأقوالهم حجة بإجماعهم، وها هو ذا يسوق كلمة الإمام أحمد محتجًا بها مع أن كلمة الإمام أحمد ليس فيها كل ما يريده، وهكذا الإنسان يحتاج إلى أن يكون منصفًا حين الاستدلال، وحين الجواب عن أدلة مخالفيه، وهكذا تجد غالب طلبة العلم إلا من رحم الله حين يتعامل في المسائل الخلافية التي تقع بينه وبين طلبة العلم تجده يَصِم استدلاله بالحجج، والأدلة، والبراهين، واستدلال مخالفيه: بالشبهات، والأوهام، والتقليد ونحوها.
الترجيح:
أعتقد أن الترجيح في هذه المسألة بين ما هو أقوى، وبين ما هو شاذ، وذلك أن ربا القرض لم يختلف فيه كما اختلف في ربا البيوع، فالقرض بشرط الفائدة لم يقع فيه خلاف بين أهل الفقه أنه محرم بينما ربا البيوع وقع خلاف في ربا الفضل، ووقع خلاف في تلمس العلة في ربا البيوع، وهل هو محصور في
الأصناف الستة التي نص عليها حديث عبادة، وأبي سعيد أو هو يتعداها إلى غيرها مما يشاركها في العلة، وبناء عليه فإن قول الشيخ محمد رشيد رضا قول لم يسبق إليه فيما أعلم، وإن كان قد تبعه من تبعه بعد، ومع ذلك نلتمس العذر للشيخ، وتبقى المسألة من مسائل الإجماع التي لا خلاف فيها أن القرض متى جر فائدة مشروطة إلى المقرض أو متعارفًا عليها فإن ذلك من الربا المجمع على تحريمه، والله أعلم.
وقد أعجبتني كلمة لصاحب المعالي فضيلة الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ في هذه المسألة بخصوصها أحببت أن أنقلها بحروفها لينظر فيها الطالب، ويتعلم منها أدب الخلاف، يقول معاليه:
«حسب علمي فإنَّ أول من أباح الفوائد الربوية يعني فوائد البنوك الربوية والقرض - القرض الصناعي ونحوه- الشيخ محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار المعروف. وهو رَجُلٌ يميل إلى مذهب السلف ونصر التوحيد والعقيدة في مواطن كثيرة، وله إلمام بالحديث والسنة والتخريج، لكنه غلط في المسائل الفقهية، فلم يكن من صناعته الفتوى، فأباح أشياء تبعه عليها عدد.
وله رسالة في هذا الموضوع بخصوصه وهو (الربا والمعاملات المالية) أجاز فيها هذه الفوائد لِشُبَهٍ عنده في ذلك، ثم تبعه عليها عدد من المشايخ في مصر ما بين مُقَصِّرٍ وما بين [ ..... ] في هذه المسائل.
ومعلومٌ أنَّ الخلاف -كما ذكرت لك في هذا - خلاف شاذ وضعيف وليس له حظ من الدليل لكن وجود الخلاف في هذه المسألة يفيد فائدتين:
الأولى: أَنَّ مسألة الفوائد، والقرض الصناعي، ونحو ذلك ليس من مسائل الربا المُجْمَعْ عليها، فاعتقاد إباحتها، والإفتاء بذلك، أو إجازتها، لا يدخل في
إجازة واستحلال الربا؛ لأنَّ استحلال الربا المُجْمَعْ عليه كفر، والربا المجمع عليه هو ربا الجاهلية، أما ربا الفوائد وربا القرض وما أشبه ذلك فهذه محرمة، ولا تجوز، ويجب إنكارها، لكن لا تدخل في الربا المتفق عليه»
(1)
، ولم يذكر معاليه الفائدة الثانية.
وعندي أن هناك فرقًا بين التماس العذر لقائله، لأنه ربما قال ذلك بتأويل، أو لم تتضح له الحجة، وبين أن نعتبر أن القرض بفائدة من الربا المختلف فيه، فإن الخلاف الحادث لا يخرق الإجماع المنعقد، وقد نقل الإجماع طوائف من أهل العلم على اختلاف عصورهم ومذاهبهم، ولو كل خلاف حادث سوف نخرق به الإجماع المنعقد لم يبق لنا إجماع، ولم يكن في الإجماع حجة، فربما جاء من يخرقه، فيسقط الاحتجاج به، والله أعلم.
* * *
(1)
شرح العقيدة الطحاوية، مسجل على أشرطة كاسيت لمعاليه، وقد بدأ معاليه بشرح العقيدة الطحاوية في مدينة الرياض يوم السبت 13/ 11/1417 هـ وفرغ منها يوم السبت الموافق 20/ 11/1420 هـ فجزاه الله خيرًا.