الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنكر من جهة المتن؛ وذلك أن الأعمال الصالحة لا يحبطها الاجتهاد، وإنما يحبطها الارتداد، ومحال أن تلزم عائشة زيدًا التوبة برأيها واجتهادها، فهذا ما لا ينبغي أن يظن بها، ولا يقبل منها
(1)
.
وما ذكرته عائشة قد خالفها فيه صحابي آخر، وهو زيد بن أرقم، وإذا اختلف الصحابيان فلا حجة في قول أحدهما على الآخر.
وأجيب عن هذا:
أما الجواب عن ضعف الحديث، فقد علمت الجواب عنه بما نقلته من كلام ابن الجوزي وابن عبد الهادي أثناء التخريج في امرأة أبي إسحاق، وعندي أن كلام الدارقطني والشافعي وابن عبد البر وابن حزم أقوى من كلامهما، وأن جهالة الحال لم ترتفع بكون ابن سعد ذكرها في طبقاته، أو أن ابن حبان قد ذكرها في ثقاته.
وأما الجواب عن نكارة المتن:
فيقال: نعم «ليس في حديث الباب ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا
= فقلت: بعت زيد بن أرقم خادما إلى العطاء بثمانمائة درهم
…
وذكر بقية الأثر فبين سفيان الدفينة التي في هذا الحديث، وأنها لم تسمعه امرأة أبي إسحاق من أم المؤمنين وإنما روته عن امرأة أبي السفر وهي التي باعت من زيد وهي أم ولد لزيد وهي في الجهالة أشد وأقوى من امرأة أبي إسحاق فصارت مجهولة عن أشد منها جهالة ونكرة - فبطل جملة ولله تعالى الحمد. وليس بين يونس وبين سفيان نسبة في الثقة والحفظ فالرواية ما روى سفيان».
وهذا الكلام دقيق في العلل، لكن يشكل عليه أن شعبة رواه عن أبي إسحاق، وشعبة لا يحمل عن أبي إسحاق إلا ما صرح فيه بالتحديث، وليست المقارنة بين سفيان وبين يونس، بل بين سفيان وبين شعبة، وجرير بن حازم ومعمر.
(1)
انظر الاستذكار (19/ 26).
البيع، ولكن تصريح عائشة بأن مثل هذا الفعل موجب لبطلان الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على أنها قد علمت تحريم ذلك بنص من الشارع، إما على جهة العموم كالأحاديث القاضية بتحريم الربا الشامل لمثل هذه الصورة، أو على جهة الخصوص .... ولا ينبغي أن يظن بها أنها قالت هذه المقالة من دون أن تعلم بدليل يدل على التحريم؛ لأن مخالفة الصحابي لرأي صحابي آخر لا يكون من الموجبات للإحباط»
(1)
.
وكون العمل يبطل الجهاد لا يمكن إدراكه بالاجتهاد
(2)
.
ولا يمكن أيضًا أن يقال: إن زيدًا خالف عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها؛ لأن زيدًا لم يقل: هذا حلال، بل فعله، وفعل المجتهد لا يدل على قوله على الصحيح لاحتمال سهو، أو غفلة، أو تأويل، أو رجوع ونحوه، وكثيرًا ما يفعل الرجل الشيء، ولا يعلم مفسدته فإذا نبه له انتبه، ولم ينقل عن زيد أنه أصر على ذلك
(3)
.
وأما الجواب عن كون الإحباط لا يكون إلا بالشرك، فـ «جوابه: أن الإحباط إحباطان، إحباط إسقاط: وهو إحباط الكفر للأعمال الصالحة فلا يفيد شيء منها معه.
وإحباط موازنة: وهو وزن العمل الصالح بالسيئ، فإن رجح السيئ فأمه هاوية، والصالح فهو في عيشة راضية كلاهما معتبر غير أنه يعتبر أحدهما بالآخر ومع الكفر لا عبرة البتة فالإحباط في الأثر إحباط موازنة بقي كيف يحبط هذا الفعل جملة ثواب الجهاد قلت له معنيان:
(1)
نيل الأوطار (5/ 317).
(2)
انظر الفتاوى الكبرى (6/ 48).
(3)
انظر تهذيب السنن (5/ 105).