الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[منقطع قبيصة لم يلق عبادة]
(1)
.
وأجيب عن هذا الحديث:
حمل ابن تيمية وابن القيم بأن إنكار عبادة على معاوية إنما هو لبيعه الآنية من الفضة، فهي صياغة محرمة، والصياغة المحرمة يحرم بيعها بجنسها أو بغير جنسها
(2)
.
ويرد على هذا الاعتراض:
بأن عبادة لم يحتج على معاوية بأحاديث النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة، وإنما احتج عليه بالنهي عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة متفاضلًا، فهو يقول في معرض إنكاره على معاوية كما في صحيح مسلم:
(1)
قال المزي في التحفة (4/ 256): قبيصة بن ذؤيب الخزاعي، عن عبادة بن الصامت، ولم يلقه.
وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 6): «أصله في الصحيحين من حديث عبادة سوى هذه القصة التي ذكرها، وصورته مرسل؛ لأن قبيصة لم يدرك القصة» .
قلت: لم يخرج البخاري حديث عبادة في الربا، وله علة أخرى حيث انفرد بهذا هشام ابن عمار، وقد كبر فصار يتلقن.
قال الباجي في المنتقى (4/ 261 - 262): «ما ذهب إليه معاوية من بيع سقاية الذهب بأكثر من وزنها يحتمل أنه يرى في ذلك ما رآه ابن عباس من تجويز التفاضل في الذهب نقدًا، ويحتمل أن يكون لا يرى ذلك، ولكنه جوز التفاضل بين المصوغ منه وغيره لمعنى الصياغة
…
».
(2)
تفسير آيات أشكلت (2/ 622)، إعلام الموقعين (2/ 159).
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة ..... إلا سواء بسواء، عينًا بعين، فمن زاد أو ازداد فقد أربى.
فالكلام كله في إنكار بيع الفضة بجنسها متفاضلًا، وليس في بيع آنية محرمة، يُنْهَى عن بيعها مطلقًا كيفما بيعت، وبصرف النظر عن الثمن الذي بيعت به، وقد كان بعض الصحابة ربما اتخذ آنية الذهب والفضة، ولم يأكل بها، والنص إنما ورد في النهي عن الأكل في آنية الذهب والفضة، فقد جاء في الصحيحين أن الصحابي حذيفة رضي الله عنه اقتنى آنية من فضة مع كونه يرى تحريم الشرب فيها.
(ح-769) فقد روى البخاري ومسلم من طريق سيف بن أبي سليمان، قال: سمعت مجاهدًا يقول:
حدثني عبد الرحمن بن أبي ليلى أنهم كانوا عند حذيفة، فاستسقى، فسقاه مجوسي، فلما وضع القدح في يده رماه به، وقال: لولا أني نهيته غير مرة، ولا مرتين، كأنه يقول: لم أفعل هذا، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
…
لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة
(1)
.
ففي هذا الحديث دليل على اقتناء حذيفة لإناء الفضة
(2)
.
ومن الأحاديث التي احتج بها الجمهور، والتي تعتبر نصًا في الموضوع،
(ح-770) ما رواه مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار.
أن معاوية بن أبي سفيان باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها، فقال أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا إلا مثلًا بمثل، فقال له معاوية: ما أرى
(1)
صحيح البخاري (5426)، وصحيح مسلم (2067).
(2)
في البخاري (5632) ومسلم (2067) من طريق الحكم، عن ابن أبي ليلى، قال: كان حذيفة بالمدائن، فاستسقى، فأتاه دهقان بقدح فضة فرماه به
…
الحديث.
بمثل هذا بأسًا. فقال أبو الدرداء: من يعذرني من معاوية، أنا أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويخبرني عن رأيه، لا أساكنك بأرض أنت بها. ثم قدم أبو الدرداء على عمر بن الخطاب، فذكر ذلك له، فكتب عمر بن الخطاب إلى معاوية أن لا تبع ذلك إلا مثلًا بمثل، وزنًا بوزن
(1)
.
[منقطع عطاء بن يسار يروي القصة، وهي قد حدثت زمن عمر ولم يدرك في ذلك الوقت]
(2)
.
(1)
الموطأ (2/ 634) من رواية يحيى الليثي.
(2)
أخرجه الشافعي في مسنده (242) وفي الرسالة (446) دون ذكر عمر وفي السنن المأثورة (ص: 266) بتمامه، ومن طريق الشافعي أخرجه البيهقي في السنن (5/ 280).
وأخرجه النسائي في المجتبى (4572) وفي الكبرى (6164) من طريق قتيبة بن سعيد.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5/ 280) وفي معرفة السنن والآثار (4/ 293) من طريق القعنبي.
بلفظ: أن معاوية بن أبي سفيان باع سقاية من ذهب أو ورق. ولم يتطرق النسائي إلى ذكر عمر في الحديث.
وأخرجه أحمد في مسنده (6/ 448) عن يحيى بن سعيد، عن مالك بلفظ: أن معاوية اشترى سقاية من فضة بأقل من ثمنها أو أكثر، قال: فقال أبو الدرداء: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا إلا مثلًا بمثل. ولم يتطرق إلى ذكر عمر. وكونه باع أو اشترى ليس هناك اختلاف كبير من جهة الحكم.
ورواه محمد بن الحسن كما في روايته للموطأ (816) أخبرنا مالك، أخبرنا زيد بن أسلم، عن عطاء ابن يسار أو عن سليمان بن يسار بالشك. قال الدارقطني في العلل (6/ 208): والصواب عن عطاء بغير شك.
قال ابن عبد البر في التمهيد (4/ 71): «ظاهر هذا الحديث الانقطاع؛ لأن عطاء لا أحفظ له سماعًا من أبي الدرداء، وما أظنه سمع منه شيئًا؛ لأن أبا الدرداء توفي بالشام في خلافة عثمان لسنتين بقيتا من خلافته ذكر ذلك أبو زرعة، عن أبي مسهر، عن سعيد بن عبد العزيز
…
وقد روى عطاء ابن يسار، عن رجل من أهل مصر، عن أبي الدرداء حديث (لهم البشرى) وممكن أن يكون سمع عطاء بن يسار مع معاوية؛ لأن معاوية توفي سنة 60 .... ولكنه لم يشهد هذه القصة؛ لأنها كانت في زمن عمر، وتوفي عمر سنة 23، أو أربع وعشرين من الهجرة».
لا أرى وجهًا لبحث هل سمع عطاء من أبي الدرداء أو من معاوية أو لم يسمع، فهو لا يروي القصة عن واحد منهما، ولكنه يروي القصة مباشرة، وهو لم يشهدها؛ لأنه كما قال ابن عبد البر حدثت في زمن عمر رضي الله عنه، وعطاء إنما ولد سنة عشرين أو إحدى وعشرين على خلاف.
ومن الأحاديث التي احتج بها الجمهور، والتي تعتبر نصًا في الموضوع
(ح-771) ما رواه مالك في الموطأ، عن حميد بن قيس المكي.
عن مجاهد، أنه قال: كنت مع عبد الله بن عمر، فجاءه صانع، فقال له: يا أبا عبد الرحمن إني أصوغ الذهب، ثم أبيع الشيء من ذلك بأكثر من وزنه، فأستفضل من ذلك قدر عمل يدي، فنهاه عبد الله عن ذلك، فجعل الصائغ يردد عليه المسألة، وعبد الله ينهاه، حتى انتهى إلى باب المسجد أو إلى دابة يريد أن يركبها، ثم قال عبد الله: الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما، هذا عهد نبينا إلينا، وعهدنا إليكم
(1)
.
[سنده صحيح]
(2)
.
(1)
موطأ مالك (2/ 633).
(2)
ومن طريق مالك أخرجه عبد الرزاق في المصنف (14574)، والشافعي في مسنده (ص: 238)، والنسائي في المجتبى (4568)، وفي السنن الكبرى (6161)، الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 66)، وفي مشكل الآثار (15/ 383)، وابن بشكوال في غوامض الأسماء المبهمة (1/ 298)، والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 279، 292)، وفي معرفة السنن (4/ 292).
وقد رواه الشافعي في السنن المأثورة (ص: 266) أخبرنا سفيان - يعني ابن عيينة - عن وردان الرومي، أنه سأل ابن عمر، فقلت: إني رجل أصوغ الحلي، ثم أبيعه، فأستفضل قدر أجرتي، أو عمل يدي، فقال ابن عمر رضي الله عنه: الذهب بالذهب لا فضل بينهما، هذا عهد صاحبنا إلينا، وعهدنا إليكم.
قال المزني: قال الشافعي رحمه الله: يعني صاحبنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ورواية مجاهد عن ابن عمر أرجح من رواية وردان الرومي عن ابن عمر، خاصة أن وردان الرومي لم يوثقه أحد، وقد ذكره ابن حبان في ثقاته، وسكت عليه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (9/ 36)، والبخاري في التاريخ الكبير (8/ 179). وفي التقريب مقبول. فرواية مالك أرجح من رواية الشافعي، على أنه يمكن الجمع بينهما، فتكون رواية وردان بقوله (صاحبنا) يعني نبينا كما جاء مفسرًا ذلك في رواية مجاهد، وهذا أرجح من تفسير الإمام الشافعي عليه رحمة الله.
قال الزرقاني في شرح الموطأ (3/ 356): «قول الشافعي يعني به أباه عمر غلط على أصله؛ لأن صاحبنا مجمل، يحتمل أنه أراد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الأظهر، ويحتمل أنه أراد عمر، فلما قال مجاهد، عن ابن عمر، عهد نبينا، فسر ما أجمل
…
». والله أعلم.
(ح-772) ومنها ما رواه أبو داود من طريق أبي الخليل (صالح بن أبي مريم) عن مسلم بن يسار المكي، عن أبي الأشعث الصنعاني.
عن عبادة بن الصامت، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الذهب بالذهب تبرها وعينها، والفضة بالفضة تبرها وعينها
…
فمن زاد أو ازداد فقد أربى، ولا بأس ببيع الذهب بالفضة، والفضة أكثرهما يدًا بيد، وأما نسيئة فلا
…
الحديث.
[الحديث رجاله ثقات، وهو في مسلم وليس فيه زيادة تبرها وعينها]
(1)
.
فالعين من الذهب: ذهب مسكوك (دراهم ودنانير)، والسكة نوع من الصنعة، وهي عمل آدمي، ولو أعطيت ذهبك وفضتك لرجل يضربها دراهم ودنانير لم
(1)
سبق تخريجه، انظر (ح 759).