الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعطيه الدولة، وقد تمنعه، فهذه جهالة، وإن أعطته الدولة فربما تعطيه الدولة في الوقت المقدر، وقد يتأخر، وجهالة الأجل جهالة أخرى، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر كما في حديث أبي هريرة في مسلم.
وما قيل في الجواب عن الأدلة السابقة يقال هنا، فالمعاوضة ليست على القرض حتى يقال: إن في ذلك غررًا، وإنما المعاوضة على حق الترتيب، وقد استحقه فعلًا، بمجرد المعاوضة عليه، فلا غرر فيه.
الدليل الخامس:
أن في المعاوضة اعتداء على حق الغير، وذلك أنه يأتي المعاوض المتأخر ترتيبًا ليتقدم على غيره ممن سبقه سنوات.
ويجاب عن ذلك:
بأن الترتيب لم يتغير، فكل باق على ترتيبه، وإنما نزل حق شخص ليقوم مكانه آخر، والباقون ما زالوا على ترتيبهم، فلم يتقدم أحد على أحد.
هذه أهم الأدلة تقريبًا الذي استدل بها من يرى تحريم هذه المعاملة.
وأما حجة من قال بالجواز فهو مبني على أمور:
أولًا: أن حقيقة المعاوضة ليست على المال المدفوع، وإنما المدفوع عن حق التقدم، فهو أخذ عوض عن اختصاص اختص به شخص ما، فالمشتري سيأخذ هذا المال بصفته مستحقًا لهذا المال بشخصه، لكون الشروط منطبقة عليه، وليس لكونه اكتسبه عن طريق الشراء، وبهذا يتبين أن العقد كان منصبًا على تمكنه من الانتظام في سلم أعداد المتقدمين، والتمكن من هذا الحق، عن طريق شراء اسم المتقدم الأول.
ثانيًا: أن حق التقدم يمكن تكييفه على أنه مال؛ لأن استحقاقه مبني على عمل
عمله صاحب الحق في سعيه ومبادرته في التسجيل في طلب الاستحقاق، وقيامه بجميع الشروط المطلوبة لقبوله ضمن أعداد المنتظرين، ومنها امتلاكه أرضًا بمواصفات معينة. وهذه حقيقة المال.
ثالثًا: أن التمول يثبت بتمول الناس له، قال ابن عابدين:«والمالية تثبت بتمول الناس كافة أو بعضهم»
(1)
.
رابعًا: وأن مرد التمول إلى العرف. قال المرداوي في الإنصاف: «لا ربا في الماء مطلقًا على الصحيح من المذهب؛ لإباحته أصلًا، وعدم تموله عادة»
(2)
.
وقال في موضع آخر: «إن لم يتمول عادة كماء وكلأ محرز فلا قطع - يعني على سارقه - في إحدى الروايتين»
(3)
.
وقال في كشاف القناع: «ويلزمه قبول الماء إذا بذل له هبة؛ لسهولة المنة فيه، لعدم تموله عادة»
(4)
.
فإذا ثبت هذا فإنه يمكن القول بأنه قد جرت أعراف الناس بتمول هذا الحق، والمعاوضة عليه، وأصبح لهذا الحق قيمة مادية عندهم، يجوز بمقتضاه بذل المال لتحصيله.
خامسًا: قد أجاز بعض الفقهاء النزول عن حق الوظيفة بعوض.
(1)
حاشية ابن عابدين (4/ 501).
(2)
الإنصاف (5/ 13) وانظر الفروع (4/ 111)، منار السبيل (1/ 308)، مطالب أولي النهى (3/ 158).
(3)
الإنصاف (10/ 256).
(4)
كشاف القناع (1/ 165).
(1)
.
قال الشيخ خالد بن علي المشيقح: هذا الحق يمكن تصنيفه ضمن الحقوق غير المجردة (المتقررة)؛ لأنه يتعلق بعين مادية قائمة، وهي الأرض التي تقدم صاحب الطلب بتقديم اسمه عليها، والحقوق المقررة تجوز المعاوضة عنها إما ببيعها، أو المصالحة عنها، مثل: حق أولياء المجني عليه في رقبة الجاني وغيرها من الحقوق.
ثم على القول بأن هذا من الحقوق التي هي في واقعها مصالح أو اختصاصات، أباح الشارع للمكلفين الاحتفاظ بها أو عدمه، وهو أمر موكول إلى رغباتهم، وأنه يجوز حمل المكلف الذي وقعت من نصيبه على التنازل عنها بمبلغ مالي، على القول بأنها من هذا النوع فإنه تجوز المعاوضة عنها، وتكيف على أنها مصالحة عن حق بمبلغ مالي حملًا لصاحبه على التنازل عنه»
(2)
.
وهذا القول هو الراجح، لقوة أدلته، إلا أنه ينبغي أن يقيد الجواز بأن تكون الأنظمة في البلاد المانحة لمثل هذه الحقوق لا تمانع من نقل الحق من شخص لآخر، وأن يطلع البنك على نقل هذا الحق من شخص لآخر، فإن كانت الدولة المانحة لهذا الحق تمنع من الانتقال منع احترامًا للشروط بين المتعاقدين، ولأن
(1)
مجمع الضمانات (2/ 928).
(2)
بحث كتبه الشيخ، ونشر في موقع ملتقى أهل الحديث. المنتدى الشرعي العام. ومن فتوى لفضيلته في موقع الإسلام اليوم.
الغالب أن مثل هذه الأنظمة لم توضع إلا مراعاة لمصلحة الناس، فيجب التقيد بها ما دامت لا تعارض نصًا، والله أعلم.
* * *