الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1)
.
قلت: من هذا الاضطراب: أن في بعض الروايات: قال فضالة: اشتريت يوم خيبر قلادة فيها ذهب وخرز باثني عشر دينارًا.
وفي بعضها: اشتراها رجل بسبعة أو تسعة دنانير، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم
وفي بعضها: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر، نبايع اليهود: الوقية الذهب بالدينارين والثلاثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزنًا بوزن. وهذا ليس فيه أي إشارة للقلادة.
وفي بعضها: عن حنش، أنه قال: كنا مع فضالة بن عبيد في غزوة، فطارت لي ولأصحابي قلادة فيها ذهب وورق، وجوهر، فأردت أن أشتريها، فسألت فضالة بن عبيد.
ففي هذه الرواية ما يدل على أن القصة وقعت لتابعي، وفي غيرها أن القصة وقعت للصحابي.
وفي بعضها: قلادة فيها خرز وذهب، وفي بعضها ذهب وورق، وجوهر،
وقد أجاب بعض أهل العلم عن دعوى الاضطراب بجوابين
.
أحدهما: القول بتعدد الأحاديث، ذهب إلى ذلك البيهقي، والسبكي، وابن حجر في أحد قوليه.
قال البيهقي: «سياق هذه الأحاديث مع عدالة رواتها تدل على أنها كانت
(1)
شرح معاني الآثار (4/ 75).
بيوعًا شهدها فضالة كلها، والنبي صلى الله عليه وسلم ينهى عنها، فأداها كلها، وحنش الصنعاني أداها متفرقًا، والله أعلم»
(1)
.
وقال ابن حجر متعقبًا: «بل هما حديثان لا أكثر، رواهما جميعا حنش بألفاظ مختلفة، وروي عن علي بن رباح أحدهما»
(2)
، ثم بين ابن حجر أن أحد الحديثين في قصة وقعت للصحابي، وحديث آخر في قصة وقعت للتابعي. فوضح أنهما حديثان لا أكثر.
الجواب الثاني:
ما اختاره ابن حجر في تلخيص الحبير، قال:«والجواب المسدد عندي أن هذا الاختلاف لا يوجب ضعفًا، بل المقصود من الاستدلال محفوظ لا اختلاف فيه، وهو النهي عن بيع ما لم يفصل، وأما جنسها، وقدر ثمنها فلا يتعلق به في هذه الحالة ما يوجب الحكم بالاضطراب، وحينئذ فينبغي الترجيح بين رواتها، وإن كان الجميع ثقات، فيحكم بصحة رواية أحفظهم وأضبطهم، ويكون رواية الباقين بالنسبة إليه شاذة»
(3)
.
وقال ابن حجر في النكت: «هذا كله (يعني الاختلاف في الحديث) لا ينافي المقصود من الحديث، فإن الروايات كلها متفقة على المنع من بيع الذهب بالذهب ومعه شيء آخر غيره، فلو لم يمكن الجمع لما ضر الاختلاف والله أعلم»
(4)
.
وقد يقال: إن قول الحافظ: إن الروايات كلها متفقة على المنع من بيع
(1)
سنن البيهقي (5/ 293).
(2)
النكت على ابن الصلاح (2/ 795).
(3)
تلخيص الحبير (3/ 9).
(4)
النكت على ابن الصلاح (2/ 795).
الذهب بالذهب ومعه شيء آخر غيره، فلو لم يمكن الجمع لما ضر الاختلاف.
هذا الإطلاق فيه نظر: فإن مسلمًا رواه من طريق الجلاح أبي كثير، عن حنش الصنعاني عن فضالة بن عبيد، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر، نبايع اليهود: الوقية الذهب بالدينارين والثلاثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزنًا بوزن. وهذه ليس فيه أي إشارة للقلادة، وأن المسألة في بيع الذهب بالذهب، وليس معه شيء آخر. وليس في النهي عن بيع ما لم يفصل، وقد رجحت في تخريج الحديث أن هذا الطريق شاذ، والله أعلم.
ثانيًا: قول الحافظ رحمه الله: ينبغي الترجيح بين رواتها، وإن كان الجميع ثقات، فيحكم بصحة رواية أحفظهم وأضبطهم، ويكون رواية الباقين بالنسبة إليه شاذة.
قد يقال: كيف يمكن الترجيح بين رواية ابن المبارك، ورواية الليث ابن سعد، وكلاهما إمام حافظ، وليس مع أحدهما ما يستوجب ترجيحه على الآخر من كثرة عدد، أو اختصاص بشيخ، وتغليط أحدهما بلا موجب مخالف للمنهج العلمي، إلا أن الخلاف بينهما يمكن حصره، فابن المبارك زاد في الحديث (إنما أردت الحجارة) ولم يذكرها الليث. والثمن عند ابن المبارك بالشك (سبعة أو تسعة) والثمن عند الليث بالجزم: اثنا عشر دينارًا.
على أنه يمكن أخذ كلام ابن حجر وتطبيقه في المقارنة بين رواية حنش الصنعاني، وعلي بن رباح اللخمي، وكلاهما ثقة، وقد اختلف على الأول اختلافًا كثيرًا، ولم يختلف على الثاني، فكانت القواعد الحديثة تقضي بترجيح طريق من لم يختلف عليه في الحديث على طريق من اختلف عليه؛ ويقبل من رواية حنش ما وافق رواية علي بن رباح، وهما قد اتفقا على أن المبيع قلادة، وأن فيها خرزًا وذهبًا، وأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع حتى تفصل، وما زاده حنش