الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في ذلك خلاف بين أهل العلم، وقبل الجواب أنبه على بعض المسائل، فأقول:
لا خلاف بين أهل العلم في أن جيد الذهب ورديئه سواء، فيشترط التماثل، ويحرم التفاضل، ولا اعتبار للجودة عند مقابلة الذهب بالذهب، سواء كان تبرًا، أو سبائك، أو مضروبًا، نقودًا صحيحة أو مكسرة
(1)
.
(2)
.
أما الدليل على وجوب التماثل فجملة من الأحاديث التي تحرم الفضل بين الأموال الربوية من جنس واحد، منها حديث أبي سعيد الخدري، وحديث عبادة وغيرها، وسبق ذكر أكثرها عند الكلام على ربا الفضل.
وأما الدليل على عدم اعتبار الجودة، فأحاديث كثيرة، منها:
(ح-758) ما رواه البخاري من طريق عقبة بن عبد الغافر.
أنه سمع أبا سعيد
(1)
فتح الباري (4/ 380)، شرح النووي على صحيح مسلم (11/ 10)، عمدة القارئ (11/ 294)، المبسوط (14/ 11)، الفتاوى الهندية (3/ 220)، البحر الرائق (6/ 141)، بدائع الصنائع (2/ 20)، اللباب في الجمع بين السنة والكتاب (2/ 495)، شرح معاني الآثار (4/ 72)، الفروق (3/ 264)، المنتقى (4/ 258)، كشاف القناع (3/ 261)، الكافي في فقه الإمام أحمد (2/ 55)، المغني (4/ 97).
(2)
شرح النووي على صحيح مسلم (11/ 10)، وإدخاله الحلي في الأمور المجمع عليها فيه نظر كما سيأتي تحريره إن شاء الله تعالى.
الخدري رضي الله عنه قال: جاء بلال إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر برني، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم من أين هذا؟ قال بلال: كان عندنا تمر ردي، فبعت منه صاعين بصاع، لنطعم النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: أوَّه أوَّه، عين الربا، عين الربا، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر ثم اشتره. ورواه مسلم
(1)
.
فإذا كان رديء التمر وجيده لا يجوز إلا مثلًا بمثل، فكذلك سائر الأموال الربوية، فرديء البر وجيده ورديء الورق وجيدها ورديء الذهب وجيده لا يجوز إلا مثلًا بمثل.
(ح-759) وروى أبو داود من طريق أبي الخليل (صالح بن أبي مريم) عن مسلم بن يسار المكي، عن أبي الأشعث الصنعاني.
عن عبادة بن الصامت، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الذهب بالذهب تبرها وعينها، والفضة بالفضة تبرها وعينها
…
فمن زاد أو ازداد فقد أربى، ولا بأس ببيع الذهب بالفضة، والفضة أكثرهما يدًا بيد، وأما نسيئة فلا
…
الحديث.
[الحديث رجاله ثقات، وهو في مسلم وليس فيه زيادة تبرها وعينها]
(2)
.
(1)
صحيح البخاري (1312)، ومسلم (1594).
(2)
سنن أبي داود (1627) ورجاله كلهم ثقات.
وقد أخرجه النسائي في المجتبى (4564)، وفي السنن الكبرى (6156)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 4)، والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 277، 291)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 246 - 247)، (6/ 297) من طريق أبي الخليل.
وأخرجه النسائي في المجتبى (4563) وفي الكبرى (6155) والطبري في تهذيب الآثار (2/ 746) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 4) من طريق قتادة، كلاهما عن مسلم بن يسار به.
وقد تابع أبو أسماء الرحبي مسلم بن يسار، رواه الدارقطني (3/ 18) من طريق همام عن قتادة، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي، عن أبي الأشعث الصنعاني به. وسنده صحيح.
قال قتادة: وحدثني صالح أبو الخليل، عن مسلم المكي
…
فذكر طريق مسلم بن يسار المكي. فصار قتادة له فيه شيخان.
لكن رواه مسلم (1587) من طريق أيوب وخالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث مباشرة، ولفظه: الذهب بالذهب والفضة بالفضة
…
مثلًا بمثل، سواء بسواء، ولم يذكر تبرها وعينها.
فدل حديث عبادة على وجوب التساوي عند اتحاد الجنس ذهبًا بذهب، أو فضة بفضة سواء كان تبرًا، وهو الذهب أو الفضة قبل ضربه، أو عينًا، وهو الذهب أو الفضة بعد أن يضرب.
كما أن الذهب المصوغ إذا كان ثمنًا تقوَّم به الأشياء فإنه يجري فيه الربا، ويجب التماثل في مبادلته بجنسه؛ لأن الصياغة في الحالة هذه لم تخرجه عن علة الربا، وهي الثمنية.
وكذلك إذا كانت الصياغة في الذهب محرمة، فإنه يحرم بيعه بجنسه وبغير جنسه
(1)
.
إذا علم ذلك، فما حكم بيع مصوغ الذهب بالذهب الخالص متفاضلًا؟
اختلف العلماء في ذلك.
فقيل: لا يجوز، وهذا مذهب الأئمة الأربعة
(2)
، وممن قال به من العلماء
(1)
يقول ابن القيم في إعلام الموقعين (2/ 159): «المصوغ والحلية إن كانت صياغته محرمة كالآنية حرم بيعه بجنسه، وبغير جنسه، وبيع هذا هو الذي أنكره عبادة على معاوية، فإنه يتضمن مقابلة الصياغة المحرمة بالأثمان، وهذا لا يجوز كآلات الملاهي
…
». وانظر تفسير آيات أشكلت (2/ 622).
(2)
عمدة القارئ (11/ 294)، المبسوط (14/ 11)، الفتاوى الهندية (3/ 220)، البحر الرائق (6/ 141)، بدائع الصنائع (2/ 20)، اللباب في الجمع بين السنة والكتاب (2/ 495)، شرح معاني الآثار (4/ 72)، الجامع لأحكام القرآن (3/ 349 - 350)، المنتقى للباجي (4/ 258)، التمهيد (2/ 242)، منح الجليل (4/ 503)، القبس (2/ 820)، إكمال المعلم (5/ 275)، مواهب الجليل (4/ 317)، الخرشي (5/ 43)، شرح النووي على صحيح مسلم (11/ 10)، فتح الباري (4/ 380)، أسنى المطالب (2/ 22)، كشاف القناع (3/ 261)، الكافي في فقه الإمام أحمد (2/ 55)، المغني (4/ 97).
المعاصرين: محمد الأمين بن المختار الشنقيطي
(1)
، والشيخ محمد بن إبراهيم
(2)
، والشيخ ابن باز
(3)
، وشيخنا ابن عثيمين
(4)
، وصدر به قرار من هيئة كبار العلماء بالبلاد السعودية
(5)
، وأفتت به اللجنة الدائمة
(6)
، وصدر به قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي
(7)
.
وحكى الإجماع عليه طائفة من العلماء وسوف يأتي ذكرهم عند الكلام على الأدلة.
وقيل: يجوز التفاضل في مبادلة المصوغ بجنسه، من غير اشتراط التماثل، ويجعل الزائد في مقابل الصنعة، ما لم تكن الحلي ثمنًا، أو تكون الصياغة غير مباحة.
وهذا القول منسوب في الجملة لمعاوية رضي الله عنه
(8)
، واختاره من الحنابلة
(1)
أضواء البيان (1/ 180).
(2)
فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (7/ 174).
(3)
فتاوى إسلامية للمشايخ ابن باز وابن عثيمين، وابن جبرين (2/ 263).
(4)
فتاوى الحرم (3/ 196)، فتاوى الشيخ محمد الصالح العثيمين (2/ 221،222).
(5)
قرارات هيئة كبار العلماء في السعودية، القرار (168)، فقرة (2) بتاريخ 4/ 3/1411 هـ. ونصه:«يرى المجلس بالأكثرية وجوب التماثل في بيع المصوغ من الذهب إذا بيع بذهب غير مصوغ، وكذا المصوغ من الفضة إذا بيع بفضة غير مصوغة من غير زيادة مع أحدهما» .
(6)
فتاوى اللجنة الدائمة (13/ 500).
(7)
قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم، 84 (1/ 9).
(8)
الاستذكار (19/ 192 - 193).
ابن تيمية وابن القيم
(1)
، ومن المعاصرين فضيلة الشيخ عبد الله ابن منيع
(2)
.
وخرج بعضهم القول بالجواز على مذهب الحنفية بناء على مذهبهم في جواز بيع الخبز بالخبز متفاضلًا؛ لأنهم عللوا ذلك بأن الخبز خرج بالصنعة من كونه مكيلًا، فلم يحرم التفاضل فيه
(3)
. فليكن الحلي خرج بالصنعة من كونه ربويًا، ولا يصح هذا التخريج.
ونسب إلى مالك رحمه الله أنه قال بجوازه للمضطر، وأنكره أصحابه
(4)
.
(1)
الفتاوى الكبرى (5/ 391)، إعلام الموقعين (2/ 159)، الفروع (4/ 149)، وذكره في الإنصاف (5/ 14)، وقال: وعمل الناس عليه.
وذكرت هذه المسألة ضمن المسائل التي انفرد بها ابن تيمية عن الأئمة الأربعة. انظر الفتاوى الكبرى (4/ 161). وهناك قول آخر لابن تيمية يوافق فيه قول الجمهور، جاء في مجموع الفتاوى (29/ 464):«وإذا بيعت الفضة المصنوعة بفضة أكثر منها لأجل الصنعة لم يجز» . والمشهور عنه القول بالجواز.
(2)
الذهب في بعض خصائصه وأحكامه - الشيخ ابن منيع - بحث منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي (9/ 1/93 - 94).
(3)
الحجة (2/ 619)، وجاء في الفتاوى الهندية (3/ 118):«قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: لا بأس بالخبز قرص بقرصين يدًا بيد، وإن تفاوتا كبرًا» . ومذهب الحنفية صريح في مسألتنا هذه، والسبب في ذهابهم إلى جواز التفاضل في الخبز أن الكيل أو الوزن علة في جريان الربا، فإذا خرج الشيء من كونه مكيلًا أو موزونًا لم توجد العلة التي من أجلها حرم التفاضل عندهم، بخلاف الحلي فإن علة الربا باقية، وهي الجنس مع الوزن، وبالتالي التخريج على مذهب الحنفية تخريج ضعيف.
(4)
صريح مذهب مالك أنه لا يجوز مبادلة الذهب بالحلي إلا مثلًا بمثل، ولا يجوز أخذ زيادة في مقابل الصنعة، انظر التمهيد (2/ 242)، الاستذكار (19/ 192).
وقال ابن رشد (الجد) أبو الوليد في البيان والتحصيل (6/ 444): «لم يجز مالك ولا أحد من الصحابة شراء حلي الذهب أو الفضة بوزن الذهب أو الفضة وزيادة قدر الصياغة، وإن كان معاوية يجيز تبر الذهب بالدنانير متفاضلًا، والصوغ من الذهب بالذهب متفاضلًا لا ضرورة في ذلك، فيرى ما فيه فورًا، والله أعلم» . =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقال القاضي عبد الوهاب البغدادي في المعونة (2/ 1022): «والتفاضل ممنوع في بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة على أي صفة كانا أو أحدهما من نقار، أو مضروب، أو مصوغ، أو مكسور، أو جيد، أو رديء، فلا يجوز إلا مثلًا بمثل، ووزنًا بوزن» .
وقال ابن عبد البر في الكافي (ص: 308): «ولا يجوز حلي ذهب بوزنه ذهبًا، على أن يعطيه أجرة صياغته
…
». وانظر مواهب الجليل (4/ 317).
ومن نسب القول إلى مالك في مسألة الحلي التبس عليه ذلك بسبب قوله في مسألتين:
الأولى: كون الإمام مالك أوجب على من أتلف ذهبًا مصوغًا بأن يرد مثل الذهب وقيمة الصياغة. فقاس مسألة المعاوضات على قوله في الإتلاف، وقوله ليس واحدًا فيهما. فحالة الإتلاف غير حالة البيع. انظر قول مالك في الإتلاف: المدونة (5/ 364)، الذخيرة (8/ 321).
الثانية: في الرجل يريد السفر، ومعه تبر، فيأتي لأهل دار الضرب ليضربوا له ذهبه سكة، فيشق عليه الانتظار، ويخشى من فوات الرفقة، فيأخذ منهم زنته مضروبًا جاهزًا، ويدفع لهم أجرة الضرب.
فعن مالك في هذه المسألة قولان: الأولى، أجازه مالك للمسافر لحاجته إلى الرحيل، وظاهره وإن لم تشتد. وبه أخذ ابن القاسم.
الثانية: المنع ولو اشتدت الحاجة ما لم يخف على نفسه الهلاك، ورجحه ابن وهب، وابن رشد، وعيسى بن دينار، وخليل في مختصره. قال في الشرح الكبير (3/ 34): والمعتمد الأول. وانظر الخرشي (5/ 43)، الفواكه الدواني (2/ 74)، التمهيد (2/ 247).
قال أبو الوليد الجد في كتابه التحصيل (6/ 443): «نقل عن مالك رحمه الله أنه كان يعمل به في زمن بني أمية، لأنها كانت سكة واحدة، والتجار كثير، والناس مجتازون، والأسواق متقاربة، فلو جلس كل واحد حتى يضرب ذهب صاحبه فاتت الأسواق، فلا أرى بذلك بأسًا، فأما اليوم فإن الذهب يغش، وقد صار لكل مكان سكة تضرب، فلا أرى ذلك يصلح، وإلى هذا ذهب ابن المواز من رأيه أن ذلك لا يجوز اليوم؛ لأن الضرورة ارتفعت، وقال سحنون: لا خير فيه، وإليه ذهب ابن حبيب، وحكي أنه سأل عن ذلك من لقي من المدنيين فلم يرخصوا فيه على حال» . =