الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل الثاني:
احتج الشيخ محمد رشيد رضا، والأستاذ السنهوري:
(ح-686) بما رواه الشيخان، عن ابن عباس أنه قال: حدثني أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا ربا إلا في النسيئة
(1)
.
وقد أخطأ محمد رشيد رضا والسنهوري رحمهما الله حين فهما أن ابن عباس لا يحرم من الربا إلا ربا الجاهلية في صورته (أتقضي أم تربي)
(2)
، ولم ينسب أحد من أهل العلم فيما أعلم إلى ابن عباس ما نسبه إليه الشيخ محمد رشيد رضا، والسنهوري، فهو فهم مدخول، وغلط بين لا شك فيه، وإنما الخلاف المعروف عن ابن عباس إنما هو في ربا الفضل إذا كان يدًا بيد، وأما ربا النسيئة فإنه يحرمه مطلقًا، سواء كان ذلك في صورة ربا الجاهلية، أو كان ذلك في الأصناف الستة، من بيع وصرف، وإليك النصوص التي تؤيد ما ذكرنا.
(ح-687) أولًا: روى مسلم من طريق ابن طاووس، عن أبيه، عن ابن عباس.
عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا ربا فيما كان يدًا بيد
(3)
.
(ث-125) وجاء في صحيح مسلم من طريق أبي نضرة أنه قال:
سألت ابن عباس عن الصرف؟ فقال: أيدًا بيد؟ قلت: نعم، قال: فلا بأس به
(4)
.
(1)
صحيح البخاري (2179)، صحيح مسلم (1584).
(2)
نقلنا كلامه بتمامه حين توثيق ما نسب إلى محمد رشيد رضا في الصفحات السابقة.
(3)
صحيح مسلم (1596).
(4)
صحيح مسلم (1594)، وقد روى البخاري (2061) من طريق أبي المنهال، قال: سألت البراء بن عازب، وزيد بن أرقم عن الصرف، فقالا: كنا تاجرين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصرف، فقال: إن كان يدًا بيد، فلا بأس، وإن كان نساء فلا يصلح.
فهذا واضح أن ابن عباس كان يعتقد أنه لا ربا فيما كان يدًا بيد، وأنه يجوز بيع درهم بدرهمين، ودينار بدينارين، وصاع تمر بصاعين، وكذا الحنطة وسائر الربويات، وأن الربا لا يحرم في شيء من الأشياء إلا إذا كان نسيئة، وهذا معنى قوله في الرواية الثانية (لا ربا إلا في النسيئة)، وقد قال النووي نحو هذا في شرحه لهذا الحديث
(1)
.
(2)
.
(3)
.
ثانيًا: من المعلوم أن ربا الجاهلية نص عليه القرآن، ولو كان ابن عباس لا يقول إلا بربا الجاهلية لكان معنى ذلك أنه أخذه من كتاب الله، كيف لا، وهو ترجمان القرآن، وقد نص ابن عباس أن رأيه الذي قاله في الربا لم يأخذه من كتاب الله، وبناء عليه فالقول الذي قاله ابن عباس ليس هو ربا الجاهلية المذكور في كتاب الله.
(ح-688) روى مسلم في صحيحه من طريق سفيان، عن عمرو، عن أبي صالح، قال:
سمعت أبا سعيد الخدري يقول: الدينار بالدينار، والدرهم
(1)
انظر شرح النووي لصحيح مسلم (11/ 23).
(2)
بداية المجتهد (2/ 96).
(3)
المغني (4/ 25).
بالدرهم مثلًا بمثل، من زاد أو ازداد فقد أربى. فقلت له: إن ابن عباس يقول غير هذا، فقال: لقد لقيت ابن عباس فقلت: أرأيت هذا الذي تقول أشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو وجدته في كتاب الله عز وجل؟ فقال: لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أجده في كتاب الله، ولكن حدثني أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الربا في النسيئة.
وفي رواية لمسلم: قال ابن عباس كلا لا أقول، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنتم أعلم به، وأما كتاب الله فلا أعلمه، ولكني حدثني أسامة بن زيد
…
وذكر الحديث
(1)
.
أيكون رأي ابن عباس هو ربا الجاهلية المنصوص عليه في القرآن، ثم يقول: إن قولي لم أجده في كتاب الله؟! وانظر فقه ابن عباس في جوابه، فحين تكلم عن السنة قال: أنتم أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم مني، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم توفي، وهو لم يبلغ الحلم، وحين تكلم عن القرآن، قال: لا أعلمه يعني في كتاب الله، ولم يقل: أنتم أعلم مني؛ لأنه كان من أفقه الصحابة في كتاب الله.
والنتيجة: أن قول ابن عباس الذي قاله إذًا ليس هو ربا الجاهلية المنصوص عليه في كتاب الله، وإلا لقال: نعم موجود في كتاب الله، فسقطت دعوى أن ابن عباس لا يقول إلا بتحريم ربا الجاهلية المنصوص عليه في كتاب الله، ومعلوم أن ربا الفضل لم يرد في كتاب الله، وإنما ثبت في السنة، وهو الذي خالف فيه ابن عباس رضي الله عنه.
وسيأتي إن شاء الله تعالى الجواب عن مذهب ابن عباس في تحرير الخلاف في ربا الفضل، أسأل الله وحده عونه وتوفيقه.
(1)
صحيح مسلم (1596).