الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
اللحم هل هو جنس واحد أو أجناس
قال البابرتي: «اختلاف الأصل يوجب اختلاف الفرع ضرورة»
(1)
.
وقال ابن عبد البر: «كل ما اختلفت أسماؤه وألوانه اختلافًا بينًا فهي أصناف مختلفة .... »
(2)
.
[م-1172] اختلف العلماء، هل اللحم كله جنس واحد، أو أنه يختلف باختلاف أصوله.
فقيل: اللحم أجناس باختلاف أصوله، فلحم الإبل جنس، ولحم البقر جنس، لا فرق فيه بين الجواميس والعراب، ولحم الغنم جنس، لا فرق فيه بين الضأن منه والماعز، فيجوز بيع لحم الإبل بلحم البقر متفاضلًا إذا كان ذلك يدًا بيد، وهذا مذهب الحنفية
(3)
، والقول الجديد للشافعي
(4)
، ومذهب الحنابلة
(5)
، ورجحه ابن قدامة
(6)
.
وقيل: اللحم ثلاثة أجناس: لحم ذوات الأربع صنف، ومنه لحم الوحوش،
(1)
العناية شرح الهداية (7/ 34 - 35).
(2)
الكافي في فقه أهل المدينة (ص: 311).
(3)
تبيين الحقائق (4/ 94)، الفتاوى الهندية (3/ 120)، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (2/ 88)، البحر الرائق (6/ 138)، حاشية ابن عابدين (5/ 174).
(4)
الحاوي للماوردي (5/ 154 - 155)، المهذب (1/ 272)، التنبيه (ص: 91).
(5)
الإنصاف (5/ 18)، كشاف القناع (3/ 255)، الكافي (2/ 57).
(6)
المغني (4/ 40).
ولحم الطيور صنف، ولحم الحيتان صنف، وهذا مذهب مالك
(1)
،
ورواية عن أحمد إلا أنه جعل الأنعام جنس، والوحوش جنس
(2)
.
وقيل: اللحم كله جنس واحد.
وهو القول القديم للشافعي
(3)
، ورواية عن أحمد
(4)
، وهو قول أبي ثور
(5)
.
وجه قول الجمهور:
أن اللحم فرع أصول هي أجناس فكان أجناسًا، كالأدقة، والأخباز، فإذا كنا نعتبر الغنم جنسًا، والبقر جنسًا، فكذلك ما يتفرع عنهما، والله أعلم.
(1)
جاء في الموطأ (2/ 656): «الأمر المجتمع عليه عندنا في لحم الإبل والبقر والغنم وما أشبه ذلك من الوحوش أنه لا يشترى بعضه ببعض إلا مثلًا بمثل، وزنًا بوزن، يدًا بيد، ولا بأس به وإن لم يوزن إذا تحرى أن يكون مثلًا بمثل، يدًا بيد، قال مالك: ولا بأس بلحم الحيتان بلحم الإبل والبقر والغنم، وما أشبه ذلك من الوحوش كلها اثنين بواحد وأكثر من ذلك يدًا بيد، فإن دخل ذلك الأجل فلا خير فيه، قال مالك: وأرى لحوم الطير كلها مخالفة للحوم الأنعام والحيتان، فلا أرى بأسًا بأن يشترى بعض ذلك ببعض متفاضلًا يدا بيد، ولا يباع شيء من ذلك إلى أجل» . وانظر التمهيد (4/ 323 - 324)، القوانين الفقهية (ص: 168)، وزاد الحطاب في مواهب الجليل (4/ 348) صنفًا رابعًا، وهو الجراد، وفيه خلاف في مذهب المالكية، فقيل: ليس بلحم. وقيل: يعتبر جنسًا رابعًا، قال الحطاب: وبالجملة فظاهر المذهب أنه جنس ربوي.
وقال المازري: المعروف من المذهب أن الجراد ليس ربويًا، خلافًا لسحنون.
(2)
الكافي في فقه ابن حنبل (2/ 57) إلا أنهم جعلوا اللحم أربعة أصناف: لحم الأنعام، ولحم الوحوش، ولحم الطير، ولحم دواب الماء. وانظر المبدع (4/ 133).
(3)
الحاوي (5/ 154)، التنبيه (ص: 91)، المهذب (1/ 282)، مختصر المزني (ص:78).
(4)
المغني (4/ 40)، قال في الإنصاف (5/ 18):«وعنه جنس واحد - يعني اللحم - اختاره الخرقي، وأنكر القاضي كون هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله، وقدمه في الرعايتين والحاويين، وإدراك الغاية، ونهاية بن رزين» .
(5)
المغني (4/ 40).
حجة من قال: إن اللحوم ثلاثة أجناس:
أن لحم هذه الحيوانات تختلف المنفعة بها، والقصد إلى أكلها، فكانت أجناسًا.
ولأنه لو حلف لا يأكل لحمًا فأكل لحم السمك لم يحنث.
قال ابن قدامة: وهذا ضعيف جدًا؛ لأن كونها أجناسًا لا يوجب حصرها في أربعة أجناس، ولا نظير لهذا فيقاس عليه.
قلت: الصحيح أن من حلف ألا يأكل لحمًا فأكل لحم سمك أنه يحنث، إلا أن يكون هناك حقيقة عرفية في بلد ما، لأن الله سبحانه وتعالى سماه في كتابه لحمًا، قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل: 14].
وجه من قال: اللحم جنس واحد:
بأن اللحم على اختلاف أنواعه يجمعه اسم خاص، فيكون جنسًا واحدًا، وإنما يختلف باختلاف أنواعه، فلحم الطير نوع، ولحم ذوات الأربع نوع، ولحم الحيتان نوع، وهكذا، فالجميع يجمعه اسم اللحم.
ويناقش:
لو كان اللحم جنسًا للزم من ذلك أن يقال: الحبوب كلها جنس، فالبر والشعير جنس واحد؛ لأنه يجمعها اسم الحبوب، كما يلزم أن يقال: الثمار كلها جنس واحد، فيجعل الزبيب والتمر وغيرهما من الثمار جنسًا واحدًا؛ لأنه يجمعها اسم الثمار.
الراجح:
الراجح من الخلاف هو قول الجمهور، وأن اللحم أجناس باختلاف أصوله،
فلحوم الطير أجناس: فلحم الحمام جنس، ولحم الدجاج جنس، ولحم البط جنس. ولحوم الحمر الوحشية جنس، ولحوم الأرانب جنس، ثم إن لحوم السمك أجناس، فدوابه جنس، وحيتانه جنس، وكل ما اختص باسم يخالف غيره فهو جنس، والله أعلم.
* * *