الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأحدهما للغرر، إذ لا يدري البائع بم باع، ولا المشتري بم اشترى، فإن لم يكن على اللزوم جاز
(1)
.
وقيل: معنى بيعتين في بيعة أن يقول رجل لآخر: اشتر لي هذه السلعة التي بعتها له بخمسة عشر لأجل بعشرة نقدًا، وأنا أخذها منك بها، أو بربح دينار. وهذا التفسير صورة من صور بيع العينة، وهو قول عند المالكية
(2)
.
والذي أرى أن البيعتين في بيعة ليست محصورة في صورة واحدة، بل يدخل في ذلك: كل عقدين جمعا في عقد واحد وترتب على جمعهما محذور شرعي، ومنه ما ذكره ابن تيمية وابن القيم في صورة بيع العينة، ومنه لو باع عليه ذهبًا، واشترط عليه أن يشتري منه بثمنه ذهبًا آخر، فإنه حيلة لمبادلة الذهب بالذهب مع التفاضل، ومنه كذلك لو باع عليه سلعة بشرط أن يقرضه، فإنه يدخل في القرض إذا جر نفعًا، وهكذا، ولا يدخل في ذلك العقدان الذي لم يترتب على جمعهما محذور شرعي، كما لو باعه سيارته بشرط أن يبيعه داره، لأنه لا مفسدة ولا محذور في جمع العقدين في عقد واحد، كما لا يدخل في ذلك إذا عرض عليه السلعة بنقد بكذا، وبنسيئة بكذا، لأن العقد في الحقيقة واحد، والله أعلم.
فحديث النهي عن بيعتين في بيعة صالح للحجة في منع بيع العينة، كما هو صالح في منع كل عقدين جمعا في عقد واحد وترتب على جمعهما محذور شرعي.
الدليل الرابع:
(ث-141) ما رواه ابن أبي شيبة، حدثنا معاذ بن معاذ، عن ابن عون، قال:
(1)
الثمر الداني (ص: 512)، الفواكه الدواني (2/ 95)، الكافي لابن عبد البر (ص: 366).
(2)
منح الجليل (5/ 81).
ذكروا عند محمد العينة، فقال:
نبئت أن ابن عباس كان يقول: دراهم بدراهم بينهما حريرة.
[صحيح عن ابن عباس وإن كان في هذا الإسناد من لم يُسَمَّ]
(1)
.
(1)
المصنف (20157).
وفي المدونة (3/ 118) وكيع، عن سفيان، عن هشام، عن ابن سيرين، عن ابن عباس: قال: إياك أن تبيع دراهم بدراهم بينهما حريرة.
فإن كان قوله: (وكيع) تعليقًا لم يكن الإسناد صحيحًا، وإن كانت الصيغة هذه في المدونة ليست من صيغ التعليق، وإنما حذفت صيغة التحديث اختصارًا، فالإسناد صحيح. وصحح إسناده ابن التركماني في الجوهر النقي (5/ 331).
وروى عبد الرزاق في المصنف (14823) أخبرنا ابن التيمي، عن أبيه، قال: حدثنا حيان ابن عمير، قال: سمعت ابن عباس يقول: إذا بعتم السرق من سرق الحرير بنسيئة فلا تشتروه.
وهذا إسناد صحيح. كأنه سمع أن بعضهم فعل في السرق هكذا، وإلا فهو منهي عنه في كل شيء. انظر الفائق (2/ 175). وسرق الحرير جمع، قال أبو عبيد: الواحدة منها سرقة، وأحسب أن أصل هذه الكلمة فارسية، إنما هو سره. يعني الجيد، فعرب فقيل: سرق، فجعلت القاف مكان الهاء. ومثله في كلامهم كثير .... والاستبرق مثله، إنما هو استبره، يعني الغليظ من الديباج. غريب الحديث لابن سلام (4/ 242).
وروى عبد الرزاق في المصنف (15028)، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس قال إذا استقمت بنقد وبعت بنقد فلا بأس به، وإذا استقمت بنقد فبعت بنسيئة فلا، إنما ذلك ورق بورق. قال ابن عيينة: فحدثت به ابن شبرمة، فقال: ما أرى به بأسًا. قال عمرو: إنما يقول ابن عباس: لا يستقيم بنقد ثم يبيع لنفسه بدين. وسنده صحيح.
قال ابن القيم في تهذيب السنن (5/ 107): «ومعنى كلامه: أنك إذا قومت السلعة بنقد، ثم بعتها بنسيئة كان مقصود المشتري شراء دراهم معجلة بدراهم مؤجلة، وإذا قومتها بنقد ثم بعتها به فلا بأس، فإن ذلك بيع المقصود منه السلعة لا الربا» .
وقال ابن القيم في التهذيب أيضًا (5/ 101): «في كتاب محمد بن عبد الله الحافظ المعروف بمطين، عن ابن عباس أنه قال: اتقوا هذه العينة، لا تبيعوا دراهم بدراهم بينهما حريرة» . ولم يوقفنا ابن القيم على إسناده، لينظر فيه.
وقال ابن القيم أيضًا في الكتاب نفسه، وفي إغاثة اللهفان (1/ 340): في كتاب أبي محمد النخشبي الحافظ، عن ابن عباس، أنه سئل عن العينة، يعني: بيع الحريرة، فقال: إن الله لا يخدع، هذا مما حرم الله ورسوله.
وفي كتاب الحافظ مطين، عن أنس، أنه سئل عن العينة؟ يعني بيع الحريرة، فقال: إن الله
…
لا يخدع. هذا مما حرم الله ورسوله. ولم أقف على إسناده.
قال ابن القيم: وقول الصحابي حرم رسول الله كذا، أو أمر بكذا وقضي بكذا، وأوجب كذا في حكم المرفوع اتفاقًا عند أهل العلم إلا خلافًا شاذًا لا يعتد به، ولا يؤبه له».
ولم أقف إلا على إسناد ابن عباس في مصنف ابن أبي شيبة وفي المدونة، وقد علمت ما ذكرته عنه.