الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجه الاستدلال:
أن القلادة حلية، وقد اشتريت بذهب، ولو كانت القلادة سلعة من السلع لم يشترط الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينزع الذهب الذي في القلادة، وألا يباع إلا وزنًا بوزن.
جواب القائلين بجواز بيع الحلي بالذهب متفاضلًا:
حاول القائلون بجواز بيع الحلية بالذهب متفاضلًا أن يخرجوا من حديث فضالة إما بضعف الحديث للاضطراب، وإما بالتأويل.
وقد أجبت عن دعوى أن الحديث مضطرب بأن الاضطراب لم يرد إلا في رواية حنش الصنعاني، عن فضالة، ولم يرد الاضطراب مطلقًا في رواية علي ابن رباح اللخمي عن فضالة. وهي في مسلم، ومن الظلم أن يجنى على رواية علي ابن رباح اللخمي باضطراب غيره، بل المنهج العلمي يقتضي أن ترد رواية المضطرب فقط وتقبل رواية من جوَّد الحديث وأتقنه، وقد ناقشت دعوى الاضطراب بتوسع ولله الحمد، وجعلت هذا الكلام في مسألة (مد عجوة ودرهم) تخفيفًا وحرصًا حتى لا يطول الكلام في هذه المسألة، فانظره هناك.
وأما من حاول أن يرد الحديث بالتأويل فقد وقع فيما حاول الخروج منه.
فقد رأى ابن تيمية وابن القيم بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما منع من هذه المعاملة لأن الذهب الذي في القلادة أكثر من الذهب الذي دفع ثمنًا لها، فصارت المبادلة ذهبًا بذهب مع التفاضل.
= هذا فيما يتعلق بتخريج الحديث ولي وقفة أخرى مع فقه الحديث يأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى عند الكلام على مسألة مد عجوة ودرهم فانظره هناك، أسأل الله وحده عونه وتوفيقه.
وإذا كان ذلك كذلك كان هذا نصًا منهما على أن الحلية التي في القلادة مال ربوي، ولو كانت القلادة سلعة من السلع لم ينظر إلى مقدار الثمن، سواء كان أقل أو أكثر؛ لأن المعيار بالوزن إنما يشترط في مبادلة الربوي بمثله، وأما غير الربوي فيكفي رؤيته لتنتفي جهالته، مثله مثل الحنطة إذا بيعت جزافًا بدراهم جاز، ولا يشترط أن يعلم مقدارها بالكيل، وإذا بيعت بالحنطة اشترط التماثل بالمعيار الشرعي الذي هو الكيل.
(1)
.
وهذا القول من ابن تيمية رحمه الله يهدم دعوى أن القلادة سلعة، ويجعل الحلية التي في القلادة مالًا ربويًا، ولذلك اشترط أن يكون الذهب المفرد أكثر من الذهب الذي في القلادة، حتى يكون الذهب بالذهب مثلًا بمثل، وما زاد في مقابلة الخرز، كمسألة مد عجوة ودرهم تمامًا، ومسألة مد عجوة ودرهم لم يقل
(1)
مجموع الفتاوى (29/ 453).
أحد ممن أجازها أو ممن منعها: إنها ليست مالًا ربويًا. فصار قولهما حجة عليهما. ألا ترى إلى قول ابن تيمية «إذا لم يعلم مقدار الربوي بل يخرص خرصًا مثل القلادة التي بيعت يوم حنين .... الخ كلامه، فهذا نص منه على أن الحلية التي مع الخرز هي مال ربوي. ولم يستطع أحد ممن قرأت له في هذه المسألة ممن صحح حديث فضالة أن يخرج من هذا الحديث بجواب مقنع.
ومن الأحاديث التي احتج بها الجمهور، والتي تعتبر نصًا في الموضوع،
(ح-767) ما رواه مسلم من طريق أيوب، عن أبي قلابة قال: كنت بالشام في حلقة فيها مسلم بن يسار، فجاء أبو الأشعث قال: قالوا: أبو الأشعث، أبو الأشعث، فجلس فقلت له: حدث أخانا حديث عبادة ابن الصامت، قال: نعم، غزونا غزاة، وعلى الناس معاوية، فغنمنا غنائم كثيرة، فكان فيما غنمنا آنية من
فضة، فأمر معاوية رجلا أن يبيعها في أعطيات الناس، فتسارع الناس في ذلك.
فبلغ عبادة بن الصامت فقام، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح إلا سواء بسواء، عينًا بعين، فمن زاد أو ازداد فقد أربى. فرد الناس ما أخذوا، فبلغ ذلك معاوية فقام خطيبا، فقال: ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه، فقام عبادة بن الصامت، فأعاد القصة ثم قال: لنحدثن بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كره معاوية - أو قال: وإن رغم - ما أبالي أن لا أصحبه في جنده ليلة سوداء.
وجه الاستدلال:
احتج عبادة في المنع من بيع الآنية من الفضة بالفضة متماثلًا من نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن بيع الفضة بالفضة إلا مثلًا بمثل. ولم ير رضي الله عنه إلى أن الآنية من الفضة قد خرجت بالصنعة من كونها مالًا ربويًا، وفهم الصحابي أولى من فهم غيره، كيف وقد وافقه غيره من الصحابة كما سيأتي عن ابن عمر رضي الله عنهما، وأبي الدرداء. وأما رأي معاوية فهو لم يحتج لقوله إلا أنه لم يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا في النهي، كما قال:(ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث قد كنا نشهده، ونصحبه فلم نسمعها منه)، وكونه لم يسمع ليس حجة على من حفظ وسمع، وعمر وأبو بكر قد تغيب عنهم سنة، ويحفظها غيرهم ممن هو دونهم فكيف بمعاوية رضي الله عن الجميع، فكيف إذا كان معاوية إنما قال ذلك برأيه واجتهاده، وعبادة بن الصامت وأبو الدرداء كما سيأتي احتجا عليه بالسنة المرفوعة، ولذلك أغلظا له في الإنكار، وليس رأي معاوية صريحًا في أنه يرى أن الفضة تخرج بالصنعة من كونها مالًا ربويًا. فقد يكون رأي معاوية من رأي ابن عباس في أن الربا لا يجري إلا في النسيئة، ولذلك أجاز بيع الآنية من الفضة بأكثر من وزنها يدًا بيد. ويحتاج من يريد أن يجعل رأي معاوية في الحلية إلى كلام صريح من معاوية رضي الله عنه في المسألة، فالقصة ليست صريحة في الباب.
(ح-768) يؤيد ذلك ما رواه ابن ماجه عن هشام بن عمار، حدثنا يحيى ابن حمزة، حدثني برد بن سنان، عن إسحاق بن قبيصة، عن أبيه، عن عبادة ابن الصامت بنحوه.
وفيه قال معاوية: يا أبا الوليد ما أرى الربا في هذا إلا ما كان من نظرة
(1)
.
(1)
سنن ابن ماجه (18) ومن طريق هشام بن عمار أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (390)،، وأبو بكر الشيباني في الآحاد والمثاني (1862).
ورواه البزار في مسنده (2735) من طريق هشام بن عمار به، دون ذكر قصة معاوية.
ورواه تمام في فوائده (832) من طريق هشام بالحديث المرفوع، وزاد فيه: وكتب عمر ابن الخطاب إلى معاوية: ألا لا إمرة لك على عبادة، واحمل الناس على ما قال، فإنه هو الأمر.
وأخرجه الحاكم في المستدرك (3/ 354) وابن عبد البر في التمهيد (4/ 86) من طريق محمد ابن مبارك الغوري، ثنا يحيى بن حمزة به. وليس فيه قول معاوية: ما أرى ا لربا في هذا إلا ما كان من نظرة.