الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
في حكم التورق المصرفي
الفرع الأول
في تعريف التورق المصرفي
عرفنا في المقال السابق أن التورق نوعان: تورق بسيط. وتورق منظم، وهو ما اصطلح عليه بتسميته بالتورق المصرفي، وعرضنا في المقال السابق خلاف العلماء في التورق البسيط، وانتهى البحث بأن القول الراجح هو جواز التورق البسيط، ونريد أن نستكمل البحث في هذا المقال عن التورق المصرفي، وذلك بتعريفه، وتكييفه، وبيان خلاف العلماء فيه.
فالتورق المصرفي: يمكن تعريفه بأنه: الحصول على النقد عن طريق شراء سلعة مخصوصة من مكان مخصوص بثمن آجل من البنك وتوكيل البنك في بيعها لحساب العميل.
فقولنا: (الحصول على النقد) إشارة إلى أن الغرض من شراء السلعة هو الحصول على النقد، وهذا يلتقي فيه التورق البسيط مع التورق المنظم.
وقولنا (شراء سلعة مخصوصة) إشارة إلى أن السلعة المباعة ليست أي سلعة بل لا بد أن يتوفر فيها شروط مخصوصة، من ذلك: ألا تكون السلعة من الذهب أو الفضة، حتى لا يؤدي ذلك إلى بيع الذهب والفضة بالأوراق النقدية مع التأجيل، وهذا لا يجوز.
وغالبًا ما تكون السلعة من المعادن كالزنك، أو النيكل، أو البرونز، أو الصفيح، أوالنحاس، أو غيرها من المعادن الأساسية التي يجري فيها التبادل يوميًا.
وهذا قيد يفترق فيه التورق المنظم عن التورق البسيط، لأن السلعة في التورق البسيط لا يشترط أن تكون من المعادن، وإنما غالبًا ما تكون سيارة، أو منزلًا أو أثاثًا أو نحوها من العروض المعروضة في الأسواق العادية، ولدى تجار التجزئة.
وقولنا: (من مكان مخصوص) إشارة إلى أن هذه السلعة لا تباع في الأسواق العادية، وإنما تعرض في أسواق السلع العالمية، والمسماة بالبورصة. وهذا فارق آخر بين التورق المنظم والتورق المصرفي.
وقولنا (بثمن آجل) هذا القيد يلتقي فيه التورق البسيط مع التورق المنظم.
وقولنا (توكيل البنك في بيعها) هذا فارق ثالث يتميز به التورق المنظم عن التورق البسيط، فالسلعة في التورق البسيط يتولى المشتري بنفسه قبض السلعة، والبحث عن مشتر لها، بينما التورق المنظم يتولى البنك قبض السلعة وبيعها نيابة عن صاحبها، وما على العميل إلا قبض نقود أقل، ودفع نقود أكثر بدلًا منها، والواسطة سلعة يتولى البنك شراءها، وقبضها، وبيعها لصاحبها.
هذا هو التورق المنظم، والفرق بينه وبين التورق البسيط.
فالمعاملة في التورق المنظم تقوم على أكثر من عقد، منها ما يمكن الاطلاع عليه، والوقوف على حقيقته، ومنها ما لا يمكن الاطلاع على حقيقته.
فالعقود المكشوفة في هذه المعاملة: هي تلك العقود التي تقوم بين البنك وبين عملائه المتورقين من أفراد وشركات.
وعقود مستترة، وهي تلك العقود المتعلقة بالسوق الدولية، وأطرافها (البنك وما يتعامل معه من شركات يبيع عليها، ويشتري منها، وفق عقود واتفاقات مسبقة قبل عقد البيع مع العميل، ولا يحق للعميل الاطلاع عليها، وهي جزء مشروط في العملية، وتدخل ضمن ما يعرف بسرية العمل المصرفي.
ويهدف البنك من ذلك أن يضمن وجود بائع، ووجود مشتر للصفقة، بحيث لا يتحمل البنك أجور تخزين السلع، ولا يتحمل تبعات الصفقات الكبيرة، والحرص قدر الإمكان على توفير استقرار أسعار السلع؛ لأن سوق البورصة من طبيعته تقلب الأسعار في كل لحظة.
وهذا التعريف هو أحسن ما يقال فيه، وإن كان هذا التعريف قد لا يكون مانعًا، فإن التورق بالأسهم يصدق عليه أنه تورق مصرفي، مع أن السلعة في الأسهم يمكن تملكها حقيقة، ويقبضها المشتري قبضًا حكميًا صحيحًا، وله الحرية في التصرف بها، إن شاء باعها، وإن شاء احتفظ بها ليتربص بها ارتفاع الأسعار، وإن شاء أبقاها في ذمته للاستثمار، فلا تدخل في التورق المصرفي الممنوع، وهو التورق في المعادن.
إذا عرفنا التورق المصرفي وما يحتف به من العقود نأتي على كلام أهل العلم في حكمه.
* * *