الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث التاسع
في بيع المال الربوي بجنسه مجازفة
قال ابن عبد البر: «كل ما لا يجوز فيه التفاضل لم يجز بيع بعضه ببعض جزافًا بكيل، ولا جزافًا بجزاف؛ لعدم المماثلة المأمور بها في ذلك، وما جهلت حقيقة المماثلة فيه لم يؤمن فيه التفاضل»
(1)
.
وقال أيضًا: «كل ما حرم فيه التفاضل لا يباع منه كيل بجزاف، ولا معلوم بمجهول، ولا مجهول بمجهول»
(2)
.
وقال في بدائع الصنائع: «كل ما جاز فيه المفاضلة جاز فيه المجازفة»
(3)
.
[م -1183] لا يجوز بيع المال الربوي بجنسه مجازفة؛ لأن التفاضل في الجنس الواحد ممنوع، والمماثلة واجبة، ولا يمكن أن تتحقق المماثلة في البيع الجزاف، وما جهلت فيه حقيقة المماثلة لا يؤمن فيه الوقوع في التفاضل الممنوع.
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن ذلك غير جائز إذا كانا من صنف واحد
(4)
.
ومستند الإجماع أدلة كثيرة، منها:
(ح-746) ما رواه مسلم من طريق أبي المتوكل الناجي.
عن أبي سعيد
(1)
التمهيد (13/ 309).
(2)
الاستذكار (19/ 154).
(3)
بدائع الصنائع (5/ 193).
(4)
الإشراف (6/ 74)، المغني (4/ 33).
الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثل، يدًا بيد، من زاد أو استزاد، فقد أربى، الآخذ والمعطي سواء
(1)
.
فدل الحديث على أنه لا يباع الربوي بجنسه إلا بتحقق المماثلة بينهما وإلا بالتقابض. ولا يمكن أن تتحقق المماثلة في البيع الجزاف؛ لأنه قائم على التخمين والتقدير فيبقى احتمال الربا قائمًا.
(ح-747) ومنها ما رواه البخاري ومسلم من طريق ابن جريج، عن عطاء.
سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المخابرة، والمحاقلة، وعن المزابنة. وعن بيع الثمر حتى يبدو صلاحها وأن لا تباع إلا بالدينار والدرهم إلا العرايا. ورواه مسلم
(2)
.
فنهى عن المخابرة: وهي المزارعة ببعض ما يخرج من الأرض.
ونهى عن المزابنة: وهي بيع التمر بالرطب.
ونهى عن المحاقلة: وهي بيع الحب في سنبله بحب صاف كيلًا.
قال ابن كثير: «إنما حرمت هذه الأشياء - يعني: المخابرة، والمزابنة، والمحاقلة - وما شاكلها حسمًا لمادة الربا؛ لأنه لا يعلم التساوي بين الشيئين قبل الجفاف، ولهذا قال الفقهاء: الجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة، ومن هذا حرموا أشياء بما فهموا من تضييق المسالك المفضية إلى الربا، والوسائل الموصلة إليه، وتفاوت نظرهم بحسب ما وهب الله لكل منهم من العلم
…
»
(3)
.
(1)
صحيح مسلم (1584).
(2)
صحيح البخاري (2381)، ومسلم (1536).
(3)
تفسير ابن كثير (1/ 328).
(ح-748) ومنها ما رواه البخاري من طريق الليث، عن نافع.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة: أن يبيع ثمر حائطه إن كان نخلًا بتمر كيلًا، وإن كان كرمًا أن يبيعه بزبيب كيلًا، وإن كان زرعًا أن يبيعه بكيل طعام، نهى عن ذلك كله. ورواه مسلم
(1)
.
وإنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لأنه ينقص إذا جف فيكون مجهول المقدار. والقاعدة في الربويات: أن الجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل.
قال ابن جزي: «الجهل بالتماثل ممنوع كتحقيق التفاضل
…
»
(2)
.
وجاء في تكملة المجموع للسبكي: «كل جنس اعتبر التماثل في بيع بعضه ببعض، فالجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل، بدليل النهي عن التمر بالتمر جزافًا»
(3)
.
وقال ابن قدامة: «الجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل فيما يشترط التماثل فيه، ولذلك لم يجز بيع بعضها ببعض جزافًا»
(4)
.
وقال ابن تيمية: «فإن الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل في بيع الأموال الربوية بعضها بجنسه، فإن لم نعلم المماثلة كان كما لو علمنا المفاضلة»
(5)
.
(ح-749) ومنها ما رواه مسلم من طريق ابن جريج، أن أبا الزبير أخبره.
(1)
البخاري (2205)، ومسلم (1542).
(2)
القوانين الفقهية (ص: 168)، وانظر مواهب الجليل (4/ 319)، المنتقى للباجي (4/ 247، 262).
(3)
تكملة المجموع (10/ 309)، وانظر شرح النووي على صحيح مسلم (10/ 172).
(4)
المغني (4/ 38)، وانظر المبدع (4/ 138)، شرح منتهى الإرادات (2/ 65)، القواعد لابن رجب (ص: 248).
(5)
مجموع الفتاوى (15/ 338).
قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم مكيلتها بالكيل المسمى من التمر
(1)
.
(2)
.
* * *
(1)
مسلم (1530).
(2)
شرح النووي على صحيح مسلم (10/ 172).