الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول
بيع الربوي بغير جنسه ومعه من جنس ما بيع به
المبحث الأول
كون الربوي تابعًا غير مقصود
معنى كون الربوي تابعًا غير مقصود: أي غير مقصود بالأصالة، وإنما مقصود بالتبع.
مثاله: ورد النهي عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه، وجاز بيع الشجر، وعليه ثمر لم يبد صلاحه، وقد عللوا ذلك بأن الثمر غير مقصود بالأصالة، وإنما المقصود في الأصل الشجر، والثمر مقصود تبعًا، ولذلك كان له وقع في الثمن.
ومثله: بيع الشاة الحامل، فالحمل وحده لا يجوز بيعه منفردًا بالإجماع، وسبق بحثه، ويجوز بيع الشاة الحامل، والحمل تبع، ويكون المقصود بالأصالة هو الشاة، والحمل مقصود تبعًا، وليس أصالة، ولذلك كان له وقع في الثمن
(1)
.
وهذه المسألة: أعني كون الربوي تابعًا غير مقصود تنقسم إلى أقسام، وسوف نتعرض إن شاء الله تعالى إلى حكم كل مسألة على انفراد، أسأل الله عونه وتوفيقه.
(1)
انظر قواعد ابن رجب (ص: 287).
الفرع الأول
كون الربوي التابع غير المقصود لا يباع مفردًا
المسألة الأولى
بيع السيف المموه بالذهب بذهب
وقال ابن رجب: «ما لا يقصد عادة، ولا يباع مفردًا .... فلا يمنع من البيع بجنسه بالاتفاق»
(1)
.
[م-1187] إذا باع سيفًا مموهًا بذهب بذهب، أو اشترى دارًا مموهة بفضة، بفضة فهذا يجوز بيعه، وحكي فيه الإجماع.
(2)
.
وقال ابن قدامة: «وإن باع ما فيه الربا بغير جنسه، ومعه من جنس ما بيع به، إلا أنه غير مقصود كدار مموه سقفها بالذهب، جاز لا أعلم فيه خلافًا.
وكذلك لو باع دارا بدار مموه سقف كل واحدة منها بذهب أو فضة جاز؛ لأن
(1)
تقرير القواعد (2/ 484).
(2)
المبسوط (14/ 12).
ما فيه الربا غير مقصود بالبيع»
(1)
.
وقال ابن رجب: «ما لا يقصد عادة، ولا يباع مفردًا، كتزويق الدار، ونحوه فلا يمنع من البيع بجنسه بالاتفاق»
(2)
.
وهذا إنما يجوز بشرط أن يكون الذهب أو الفضة في المبيع مجرد تمويه، ليس له عين قائمة بذاته
(3)
، وهذا ما عبر عنه السرخسي في الكلام السابق بقوله:«ألا ترى أنه لا يتخلص منه شيء» .
وأصرح منه عبارة ابن عابدين: «يجب تقييد المسألة بما إذا لم تكثر الفضة أو الذهب المموه أما إذا كثر بحيث يحصل منه شيء يدخل في الميزان بالعرض على النار يجب حينئذ اعتباره، ولم أره لأصحابنا لكن رأيته للشافعية، وقواعدنا شاهدة به فتأمل»
(4)
.
وقال الخرشي: «فإن كان لا يخرج منه شيء إن سبك فإنه لا عبرة بما فيه من الحلية، ويكون كالمجرد منها»
(5)
.
وجاء في حاشية قليوبي: «
…
ما لو باع بناء دار مموه بذهب لا يحصل منه شيء بالعرض على النار بذهب، فإنه صحيح، فإن حصل فباطل»
(6)
.
وقال في أسنى المطالب: «إن اشترى دارًا موهت: أي مموهة بذهب تمويهًا
(1)
المغني (4/ 45).
(2)
تقرير القواعد (2/ 484).
(3)
حاشية ابن عابدين (5/ 263).
(4)
المرجع السابق (5/ 262).
(5)
الخرشي (5/ 48).
(6)
حاشية قليوبي (2/ 216).
يتحصل منه شيء بذهب، فلا يصح للربا»
(1)
.
فإن كان السيف محلى بذهب، وليس مموهًا:
فقيل: لا يجوز مطلقًا. وهو المشهور من مذهب الحنابلة
(2)
، واختيار ابن حزم
(3)
. وبه قال ابن سيرين
(4)
.
وقيل: يجوز بشرط أن يكون المفرد أكثر من الذي معه غيره، وهذا مذهب
(1)
أسنى المطالب (2/ 26).
(2)
جاء في مسائل الإمام أحمد رواية أبي الفضل (1/ 432): وسألته عن السيف المحلى يباع بذهب أو فضة؟ قال: لا يعجبني. قلت: تذهب إلى حديث فضالة بن عبيد عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. والمسألة بحروفها في مسائل أحمد رواية عبد الله (3/ 911)، رقم 1228، وانظر (302) من مسائل الإمام أحمد وإسحاق رواية الكوسج (قسم المعاملات) تحقيق د. صالح المزيد. ومسائل أبي داود (ص: 196)، قال ابن قدامة في المغني (4/ 44):«وإن باع شيئًا فيه الربا بعضه ببعض ومعهما أو مع أحدهما من غير جنسه كمد ودرهم بمد ودرهم أو بمدين أو بدرهمين. أو باع شيئًا محلى بجنس حليته فهذه المسألة تسمى مسألة مد عجوة. والمذهب أنه لا يجوز ذلك. نص على ذلك أحمد في مواضع كثيرة وذكره قدماء الأصحاب قال ابن أبي موسى في السيف المحلى والمنطقة والمراكب المحلاة بجنس ما عليها: لا يجوز قولًا واحدًا ..... وعن أحمد رواية أخرى تدل على أنه يجوز بشرط أن يكون المفرد أكثر من الذي معه غيره أو يكون مع كل واحد منهما من غير جنسه فإن مهنا نقل عن أحمد في بيع الزبد باللبن يجوز إذا كان الزبد المنفرد أكثر من الزبد الذي في اللبن .... » .
(3)
المحلى (7/ 439).
(4)
روى ابن أبي شيبة في المصنف (4/ 286) رقم: 20193. حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، أن محمدًا كان يكره شراء السيف المحلى إلا بعرض. وسنده صحيح.
الحنفية، ورواية عن أحمد
(1)
.
وقيل: يجوز مطلقًا. وبه قال ابن عباس
(2)
،
وطارق بن شهاب
(3)
، والحسن، والشعبي، والنخعي
(4)
.
وقيل: يجوز بشروط: أن تكون الحلية مباحة، كتحلية في سيف، أو مصحف، أو عبد له أنف أو سن من أحد النقدين. فإن كانت الحلية محرمة فلا يجوز بيع ما هي فيه لا بجنس ما حلي فيه، ولا بغيره، بل بالعروض إلا أن تقل عن صرف دينار كاجتماع البيع والصرف
(5)
.
مثال التحلية المحرمة: كما لو كانت التحلية في دواة، وسكين، وثوب رجل.
وأن لا يمكن نزع الحلية. أو يمكن نزعها، ولكن ينتج عن نزعها فساد أو غرم.
(1)
بدائع الصنائع (5/ 195).
(2)
روى ابن أبي شيبة في المصنف (4/ 20197) حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لا بأس ببيع السيف المحلى بالدراهم.
ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 76) من طريق أبي نعيم، ثنا إسرائيل به.
وهذا إسناد ضعيف، فيه عبد الأعلى بن عامر الثعلبي ضعيف الحديث.
(3)
روى ابن أبي شيبة في المصنف (20196) حدثنا عبد السلام بن حرب، عن يزيد الدالاني، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: كنا نبيع السيف المحلى بالفضة، ونشتريه. ورجاله ثقات إلا يزيد بن عبد الرحمن الدالاني، أبو خالد فإنه صدوق يخطئ كثيرًا.
(4)
المغني (4/ 44).
(5)
انظر شروط المالكية في جواز اجتماع البيع والصرف في مسألة (مد عجوة ودرهم) التي سوف تأتي إن شاء الله تعالى، فقد تعرضت لها هناك، والحمد لله.
وأن يعجل الثمن والمثمن، فلا يجوز أن يكون البيع إلى أجل.
وأن يكون ما فيه من الفضة تبعًا، كالثلث فأدنى، واختلف المالكية في تقدير الثلث: هل يكون بالقيمة، فتكون الحلية ثلث قيمة المحلى بحليته، وهو المعتمد، أو يقدر الثلث بالوزن. هذا مذهب المالكية
(1)
.
جاء في المدونة: «قلت: أرأيت إن اشتريت سيفًا محلى بفضة، حليته أقل من ثلث السيف، بفضة إلى أجل، أو بذهب إلى أجل، أيجوز هذا في قول مالك؟
قال: قال مالك: لا يجوز بيعه بفضة ولا بذهب إلى أجل.
قلت: أفيبيعه بفضة أو بذهب نقدًا في قول مالك؟ قال: نعم.
قلت: لماذا جوزه مالك بالنقد بالفضة، لم يلتفت إلى الفضة التي في السيف وهي عنده ملغاة، وجعلها تبعا للسيف، فلم لا يجوزه بفضة إلى أجل، وقد جعل الفضة التي في السيف ملغاة، وجعلها تبعا للسيف، ولم لا يبيعه بفضة إلى أجل. قال: قال مالك: لأن هذا لم يجز إلا على وجه النقد»
(2)
.
وقد انتقد ابن حزم مذهب المالكية بأمرين:
الأمر الأول: جوازهم التفاضل في بيع المحلى بجنس حليته بحجة أن الحلية تبع، وتحريمهم النسيئة فيه، فإذا كانت الحلية ملغاة في جواز التفاضل فلماذا لا تكون الحلية ملغاة في جواز النسيئة أيضًا.
الأمر الثاني: اعتبار الثلث فأدنى من الذهب والفضة يسيرًا. فقد تعجب منه ابن حزم، وقال: لا دليل على صحته من قرآن، ولا سنة، ولا رواية سقيمة، ولا
(1)
الخرشي (5/ 48)، مواهب الجليل (4/ 330)، التاج والإكليل (4/ 330)، تهذيب المدونة (3/ 109)، الكافي لابن عبد البر (ص: 306)، إكمال المعلم (5/ 275).
(2)
المدونة (3/ 414).
قول لأحد قبله نعلمه، ولا قياس، ولا رأي له وجه، ولا احتياط.
وقال أيضًا: ما عقل قط أحد أن وزن عشرة أرطال فضة تكون ثلث قيمة ما هي فيه يكون قليلًا، ووزن درهم فضة، يكون نصف قيمة ما هي فيه يكون كثيرًا
(1)
.
فتبين من هذا أن هناك فرقًا بين السيف المموه بالذهب، وبين السيف المحلى بالذهب، فالأول يجوز بشرط أن يكون المموه لا يمكن أن يحصل منه شيء إذا عرض على النار. وهذا بالاتفاق.
والثاني: وهو المحلى بالذهب فيه خلاف، وسوف نذكر أدلة هذه المسألة إن شاء الله تعالى، في مسألة مد عجوة ودرهم؛ لأن أدلة هذه المسألة هي عين أدلة مسألة (مد عجوة ودرهم) فخوفًا من تكرار الأدلة والمسألة أخرت ذكر الأدلة إلى هناك، أسأل الله وحده عونه وتوفيقه، ويستحسن قراءة ما كتبه ابن عبد البر في الاستذكار، فإنه قد عرض خلاف العلماء في هذه المسألة مع بيان مذهب الإمام مالك
(2)
.
* * *
(1)
المحلى (7/ 443).
(2)
الاستذكار (19/ 227).
المسألة الثانية
بيع شاة ذات لبن بلبن أو ذات صوف بصوف
قال ابن قدامة: قد يدخل في البيع تبعًا ما لا يجوز إفراده
(1)
.
وقال السيوطي: يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في غيرها
(2)
.
قال الزركشي: يغتفر في الشيء إذا كان تابعًا ما لا يغتفر إذا كان مقصودًا
(3)
.
[م-1188] الفرق بينه وبين المسألة التي قبلها: تجتمع هذه المسألة والمسألة التي قبلها: أن كلًا من المال الربوي التابع متصلًا بالمبيع. ويفترقان: أن السيف المموه بالذهب إذا بيع بذهب أن التمويه لا يمكن أن يستخرج منه شيء من الذهب حتى ولو عرض على النار، أما الشاة ذات اللبن أو ذات الصوف فيمكن أن يستخرج اللبن، ويجز الصوف، ونحصل منهما على مال ربوي قائم بذاته. هذا وجه إفراد هذه المسألة عن التي قبلها، وأما حكم المسألة:
فإذا باع رجل شاة لبونًا بلبن، أوباع شاة ذات صوف بصوف.
فقيل: يجوز بشرط أن يكون اللبن المنفصل أكثر مما في الضرع، وأن يكون الصوف المجزوز أكثر مما على ظهر الشاة. وهذا مذهب الحنفية
(4)
، وقول في مذهب الحنابلة.
وقيل: يجوز مطلقًا. وهو مذهب مالك
(5)
، والمذهب عند الحنابلة
(6)
.
(1)
المغني (4/ 76).
(2)
الأشباه والنظائر (ص: 120).
(3)
المنثور في القواعد (3/ 376).
(4)
المبسوط (12/ 180)، البحر الرائق (6/ 144)، تبيين الحقائق (4/ 92)، الفتاوى الهندية (3/ 119).
(5)
جاء في المدونة (3/ 105): «قلت: أرأيت إن اشتريت شاة لبونًا بلبن. قال: قال مالك: لا بأس بذلك إذا كان يدًا بيد، وإن كان فيه الأجل لم يصلح. قال: وقال مالك: لا تشتري شاة لبون بلبن إلى أجل، وإن كانت الشاة غير لبون فلا بأس بذلك» .
وجاء في الاستذكار (20/ 188): «قال مالك: لا بأس بشاة عليها صوف بصوف، ولا بأس بالشاة اللبون باللبن يدًا بيد، ولا يجوز نسيئة» .
(6)
الكافي (2/ 60)، المحرر (1/ 320)، وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (29/ 28):«أشهر الروايتين عن أحمد الجواز» . وانظر أيضًا (29/ 462)، القواعد النورانية (ص: 119)، الإنصاف (5/ 37).