الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العميل؟ مع أن توكيل البنك يدخله ما يدخله من التصرفات المنافية للوكالة، فالوكيل في الفقه أمين على سلعة العميل، ولا يضمن له بيعها، ولا الثمن الذي تباع به، ويجب أن يتصرف لمصلحة موكله، فإذا تصرف تصرفًا يضر بالموكل بطلت الوكالة، فالبنك ومن خلال الاتفاقات السابقة مع الشركات الملتزمة بالبيع والشراء يبيع عليها بأقل من سعر السوق، ولا يحق له أن يبيع السلع في السوق، حتى ولو ارتفع سعرها في السوق عن السعر المتفق عليه مع المشتري الثاني. وهذا ما يفسر للباحث كيف يكون سعر هذه المعادن ثابتًا لدى البنوك، مع أن سعرها متقلب في سوق البورصة
(1)
.
الدليل الرابع:
يدخل التورق المصرفي الإلزام بالوعد، فالمتورق إذا واعد البنك على شراء المعدن، فإن البنك يقوم بإلزام العميل بتنفيذ هذا الوعد بعد تملك البنك المعدن المتفق عليه
والإلزام بالوعد مخالف لمذهب الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة
(2)
، وبه أخذ مجمع الفقه الإسلامي، وهيئة كبار العلماء في
(1)
حكم التورق للضرير (ص: 20).
(2)
جاء في كتاب الحيل لمحمد بن الحسن الشيباني (ص:79، 127) رواية السرخسي، قال: «قلت: أرأيت رجلًا أمر رجلًا أن يشتري دارًا بألف درهم، وأخبره أنه إن فعل، اشتراها الآمر بألف درهم، ومائة درهم، فأراد المأمور شراء الدار، ثم خاف إن اشتراها، أن يبدو للآمر فلا يأخذها، فتبقى في يد المأمور، كيف الحيلة في ذلك؟
قال: يشتري المأمور الدار على أنه بالخيار فيها ثلاثة أيام، ويقضيها، ويجيئ الآمر، ويبدأ فيقول: قد أخذت منك هذه الدار بألف ومائة درهم، فيقول المأمور: هي لك بذلك، فيكون ذلك للآمر لازمًا، ويكون استيجابًا من المأمور للمشتري، أي ولا يقل المأمور مبتدئًا: بعتك إياها بألف ومائة؛ لأن خياره يسقط بذلك، فيفقد حقه في إعادة البيت إلى =
السعودية، واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية، ورجحه جمع
= بائعه، وإن لم يرغب الآمر في شرائها تمكن المأمور من ردها بشرط الخيار، فيدفع عنه الضرر بذلك» اهـ. وانظر المبسوط (30/ 237).
فهذا الكلام من محمد بن الحسن صريح في أن الوعد غير ملزم؛ لأنه قال في السؤال: أراد المأمور شراء الدار، ثم خاف إن اشتراها أن يبدو للآمر فلا يأخذها، فتبقى في يد المأمور، فلو كان الوعد ملزمًا، لما خاف أن يرجع الآمر عن الشراء.
وأما المالكية فإنهم من أكثر المذاهب تعرضًا لهذه المسألة وفروعها، ولم يختلف المذهب المالكي في تحريم هذه المعاملة، وإنما الخلاف بينهم في صحة البيع إذا وقع، أو إذا فاتت السلعة، وإليك الإشارة إلى بعض ما جاء عنهم:
قال القرافي في الذخيرة (5/ 17) في معرض ذكر صور هذه المسألة، قال:
«الرابع: اشتر لنفسك نقدًا، وأشتريها منك باثني عشر إلى أجل، فهو حرام، فعن مالك يلزم الآمر الشراء باثني عشر إلى الأجل؛ لأن المشتري كان ضامنًا لها، ولو أراد الآمر تركها كان له ذلك، واستحب أن لا يأخذ المأمور إلا ما نقد.
وقال ابن حبيب: يفسخ البيع الثاني إن كانت السلعة قائمة، ويرد المأمور، فإن فاتت ردت إلى قيمتها معجلة يوم يقبضها الآمر، كالبيع الفاسد؛ لأن المواطأة قبل الشراء بيعُ ما ليس عندك المنهي عنه». اهـ
انظر هذا النص في التاج والإكليل (4/ 405)، مواهب الجليل (4/ 406)، الاستذكار (19/ 255)، الخرشي (5/ 107)، الكافي في فقه المدينة (ص: 325 - 326).
وقول ابن حبيب أقيس؛ لأنه مطرد في البيع الفاسد على أصول مذهب مالك، وأما القول الأول فهو وإن كان رواية ابن القاسم عن مالك، إلا أن فيه إشكالًا على أصول مالك، وهو أن البيع إذا كان حرامًا، فلا يقال بلزومه مع قيام السلعة.
وقال ابن رشد في المقدمات الممهدات (2/ 58): «وأما الخامسة: وهي أن يقول: اشتر لي - الصواب حذف كلمة لي- سلعة كذا بعشرة نقدًا، وأنا أبتاعها منك باثني عشر إلى أجل، فهو أيضًا لا يجوز، إلا أنه يختلف فيه إذا وقع:
فروى سحنون عن ابن القاسم، وحكاه عن مالك: أن الآمر يلزمه الشراء باثني عشر إلى أجل؛ لأن المشتري كان ضامنًا لها لو تلفت في يديه، قبل أن يشتريها منه الآمر، ولو أراد ألا يأخذها بعد اشتراء المأمور كان ذلك له
…
» ثم ذكر بقية النص كما في الذخيرة والتاج والإكليل. =
من العلماء المعاصرين منهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، والدكتور: محمد الأشقر، والدكتور الصديق الضرير، والشيخ سليمان بن تركي التركي، والشيخ بكر أبو زيد، والدكتور: رفيق يونس المصري
(1)
.
= والأمر المتفق عليه بينهم، أن البيع بهذه الصورة حرام، والخلاف إنما في لزومه إذا وقع.
وأما مذهب الشافعية، فقد قال الشافعي رحمه الله في الأم (3/ 39): «إذا أرى الرجل الرجلَ السلعة، فقال: اشتر هذه، وأربحك فيها كذا، فاشتراها الرجل، فالشراء جائز، والذي قال: أربحك فيها بالخيار، إن شاء أحدث فيها بيعًا وإن شاء تركه، وهكذا إن قال: اشتر لي متاعًا ووصفه له، أو متاعا، أي متاع شئت، وأنا أربحك فيه، فكل هذا سواء، يجوز البيع الأول، ويكون هذا فيما أعطى من نفسه بالخيار، وسواء في هذا ما وصفت، إن كان قال: ابتاعه وأشتريه منك بنقد، أو دين، يجوز البيع الأول، ويكونان بالخيار في البيع الآخر فإن جدداه جاز وإن تبايعا به على أن ألزما أنفسهما الأمر الأول فهو مفسوخ من قبل شيئين:
أحدهما: أنه تبايعاه قبل أن يملكه البائع.
والثاني: أنه على مخاطرة أنك إن اشتريته على كذا، أربحك فيه كذا». اهـ
وقد ذكر الشافعي رحمه الله صورتين للمبيع: أن يشتري سلعة معينة ليست عند البائع، أو يشتري بضاعة موصوفة، فلم يفرق بينهما الشافعي، وإن كان رحمه الله قد فرق بينهما في حال قُدِّم الثمن، والسلعة موصوفة فإن الحكم عنده يختلف؛ لأن مذهبه جواز السلم الحال، لكن مسألتنا هذه ليست من باب السلم؛ لأن الثمن مؤجل في الحالتين.
وأما الحنابلة فقد تعرض لهذه المسألة ابن القيم من الحنابلة. قال في إعلام الموقعين (4/ 23): «رجل قال لغيره: اشتر هذه الدار - أو هذه السلعة من فلان - بكذا وكذا وأنا أربحك فيها كذا وكذا، فخاف إن اشتراها أن يبدو للآمر فلا يريدها ولا يتمكن من الرد فالحيلة أن يشتريها على أنه بالخيار ثلاثة أيام، أو أكثر ثم يقول للآمر: قد اشتريتها بما ذكرت فإن أخذها منه وإلا تمكن من ردها على البائع بالخيار
…
».
(1)
انظر رأي سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في فتوى له منشورة في كتاب بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة للدكتور: محمد الأشقر (ص: 107).
وانظر رأي الدكتور: محمد الأشقر في بيع المرابحة كما تجريه البنوك الإسلامية بحث ضمن كتاب بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة (ص: 72). =
وأحسب أن المسألة مجمع على منعها، والخلاف فيها حادث لبعض العلماء المعاصرين.
وقد سبقني إلى هذه النتيجة الدكتور محمد الأشقر حيث يقول وفقه الله:
(1)
.
ويقول الشيخ نزيه حماد: «لم ينقل عن أحد منهم - يعني من الفقهاء- قول بأن في المواعدة قوة ملزمة لأحد المتواعدين، أو لكليهما؛ لأن التواعد على إنشاء عقد في المستقبل ليس عقدًا»
(2)
.
وفي ذلك يقول ابن حزم: «والتواعد على بيع الذهب بالذهب، أو الفضة بالفضة، وفي سائر الأصناف الأربعة، بعضها ببعض جائز، تبايعًا بعد ذلك، أو لم يتبايعا؛ لأن الوعد ليس بيعًا»
(3)
.
= وانظر قول الدكتور الصديق الضرير، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/ 2/1000).
وانظر قول الشيخ سليمان بن تركي التركي، في كتابه بيع التقسيط وأحكامه (ص: 473).
انظر قول الشيخ بكر أبو زيد، في بحث له في مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/ 2/983).
وانظر قول الدكتور: رفيق يونس المصري، في كتابه: بحوث في المصارف الإسلامية (ص: 258).
(1)
بيع المرابحة (ص: 11). ويقول الشيخ عبد الرحمن بن حامد بن علي الحامد في كتابه (تجربة البنوك السعودية في بيع المرابحة للآمر بالشراء)(ص: 79): «ولم يقل أحد من العلماء القدامى بجواز بيع المرابحة المركبة من وعد أو مواعدة ملزمة، أما العلماء المحدثون فمنهم من أخذ برأي العلماء القدامى بمنع بيع المرابحة للآمر بالشراء ذات الوعد أو المواعدة الملزمة وجوازها مع عدم الإلزام، ومنهم من أجاز بيع المرابحة للآمر بالشراء مع الإلزام بالوعد .. » .
(2)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/ 2/935).
(3)
المحلى (مسألة: 1501).