الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل الثاني:
أن المضاف إن كان ربويًا لأحد طرفي العقد (مثل مد ودرهم بمدين، أو مد ودرهم بدرهمين) فنجعل أحد الدرهمين في مقابلة الدرهم، والآخر في مقابلة المد.
وإن كان المضاف ربويًا لطرفي العقد (مثل مد ودرهمين بمد ودرهم) فنجعل المد في مقابلة الدرهم، والدرهمين في مقابلة المد. وذلك لأن المقابلة المطلقة تحتمل مقابلة الجنس بالجنس على سبيل الشيوع من حيث القيمة، وتحتمل مقابلة الجنس بخلاف الجنس؛ لأن كل ذلك مقابلة للجملة بالجملة، وحمله على الاحتمال الأول يقتضي فساد العقد، وحمله على ا لثاني يقتضي صحته، فالحمل على ما فيه الصحة أولى، بناء على قاعدة أصلية إجماعية، وهي أنه مهما أمكن أن يصحح تصرف المسلم العاقل فلا بد من تصحيحه. ترجيحًا لجهة الجواز على جهة الفساد؛ لإحسان الظن بالمسلم.
(1)
.
ولأن المماثلة فيما يدخله الربا معتبرة في الكيل والوزن، فأما القيمة فلا اعتبار بها، يدل على ذلك أنه لو باع كيلة من حنطة تساوي عشرة دنانير بكيلة من حنطة تساوي عشرين دينارًا، فإن العقد يصح، ويبطل اعتبار القيمة.
ويناقش:
أما الجواب عن مبادلة الجنس بخلاف جنسه:
فيقال: إن تصحيح العقد بمجرد صرف كل جنس إلى خلاف جنسه مطلقًا، بصرف النظر هل هذا الجنس مساو في القيمة لخلاف جنسه، أو أقل، أو أكثر فتح لباب الاحتيال على الربا الصريح، فإنه لا يعجز أحد رغب في مبادلة ربوي
(1)
انظر بدائع الصنائع (5/ 191، 192)،.
بجنسه مع زيادة في أحدهما أن يضيف على القليل شيئًا يسيرًا يجعله في مقابلة الزيادة، كبيع مائة درهم في كيس بمائتين جعلًا للمائة في مقابلة الكيس، وقد لا يساوي الكيس فلسًا، والمشهور من مذهب أبي حنيفة جواز مثل هذه الصورة، حتى ولو كان المضاف لا قيمة له على الإطلاق
(1)
.
وأما جمهور أصحابه فقالوا: إن بلغت قيمة غير الجنس ما بقي من المفرد جاز من غير كراهة.
وإن كان شيئًا قليلًا له قيمة، كفلس وجوزة، جاز مع الكراهة، ولو لم تبلغ قيمته قيمة ما بقي.
وإن كان شيئًا لا قيمة له، ككف من تراب، لم يجز البيع؛ لأن الزيادة لا يقابلها عوض
(2)
.
والتفريق بين أن يكون معه شيء قليل له قيمة حقيرة كفلس، وبين أن يكون معه شيء لا قيمة له ككف من تراب تفريق ضعيف؛ لأن ما فضل عن قيمة القليل مما بقي من المفرد زيادة لا يقابلها عوض أيضًا.
وأما الجواب عن قولهم بأن المماثلة معتبرة في الكيل والوزن وليس بالقيمة.
فيقال: نعم التماثل في القيمة غير معتبر فيما يدخله الربا إذا كانت من جنس واحد، وإنما تماثل القدر هو المعتبر، وأما في الأجناس المختلفة فلا يعرف تماثل القدر إلا في القيمة حتى لا يتخذ ذلك حيلة على الربا.
وأما الجواب عن قولهم: يجب تصحيح تصرف المسلم العاقل ما أمكن.
(1)
حاشية ابن عابدين (5/ 265)، البحر الرائق (6/ 216)، الهداية شرح البداية (3/ 84).
(2)
انظر المراجع السابقة، وانظر بدائع الصنائع (5/ 192)، فتح القدير (7/ 148).
فيقال: ينتقض هذا القول بمسألة العينة، كما لو باع رجل سلعة إلى أجل، ثم اشتراها نقدًا بأقل من الثمن الأول، فإنه لا يجوز عند الحنفية، مع إمكان حمله على الصحة، وهما عقدان يجوز كل واحد منهما على الانفراد، ولم يجعلوا العقد الواحد هاهنا عقدين ليحملوه على الصحة، فكان هذا إفسادًا لقولهم، ولو كان هذا أصلا معتبرًا لكان بيع مد تمر بمدين جائزًا: ليكون تمر كل واحد منهما بنوى الآخر، حملًا للعقد على وجه يصح فيه، ولا يفسد
…
»
(1)
.
ويمكن أن يدفع هذا الاعتراض بأن القصد إلى الربا جلي في مسألة العينة، فإن الرجل لما اشترى السلعة بثمن مؤجل، ثم باعها على نفس الرجل الذي باعها نقدًا بثمن أقل، كان ذلك حيلة ليتوصل إلى القرض بفائدة، بخلاف مسألتنا هذه، والله أعلم.
ولذلك وافق الإمام أحمد الحنفية ولكن اشترط ألا يتخذ ذلك حيلة على الربا في بيع ربوي بجنسه متفاضلًا بحيث يكون ما ضم إلى أحدهما مساويًا في القيمة لما ضم إلى الآخر.
قال ابن رجب: «ومن المتأخرين
…
من شرط فيما إذا كان مع كل واحد من غير جنسه من الجانبين التساوي، جعلًا لكل جنس في مقابلة جنسه، وهو أولى من جعل الجنس في مقابلة غيره، لاسيما مع اختلافهما في القيمة، وعلى هذه الرواية فإنما يجوز ذلك ما لم يكن حيلة على الربا، وقد نص أحمد على هذا الشرط في رواية حرب، ولا بد منه»
(2)
.
(1)
انظر الحاوي الكبير (5/ 115).
(2)
قواعد ابن رجب (ص: 284)، وانظر الإنصاف (5/ 33)، المبدع (4/ 145).