الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بمائة وعشرة مع التأجيل، فكان بيع نقد بنقد مع التفاضل والنساء، وأصبحت حقيقة هذا القرض أنه من ربا البيوع، وليس من ربا الديون، لأن الأصل: أن الدراهم بالدراهم يشترط فيها التماثل والتقابض، اغتفر التأجيل في عقد القرض؛ لأنه عقد إرفاق وإحسان لم يقصد فيه المعاوضة، فإذا قصد صاحبه الربح والتكسب خرج عن كونه قرضًا، وإنما هو بيع في صورة قرض، والله أعلم.
وأرى أن بينهما فرقًا واحدًا، وهو:
أن الزيادة في البيع لا تحرم إلا في أموال مخصوصة فقط.
وأما في الزيادة المشروطة في القرض فتحرم مطلقًا، سواء كانت الزيادة عينًا أو منفعة، وبصرف النظر عن طبيعة جنس المال المقترض، والله أعلم. وقد سبق التنبيه على هذا، والله أعلم.
الأصل في تحريم ربا البيوع (فضلًا كان أو نسيئة) أحاديث كثيرة، منها
(ح-689) ما رواه مسلم من طريق أبي المتوكل الناجي،
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثل، يدًا بيد، من زاد أو استزاد، فقد أربى، الآخذ والمعطي سواء
(1)
.
(ح-690) ومنها أيضًا: ما رواه مسلم من طريق أبي الأشعث،
عن عبادة بن الصامت، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر
(1)
صحيح مسلم (1584).
بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثل، سواء بسواء، يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد
(1)
.
فالأصناف الستة التي وردت في الحديث هي أموال ربوية.
والعلماء يقسمون الأموال الربوية الستة إلى فئتين:
الفئة الأولى: الذهب والفضة.
الفئة الثانية: البر والشعير والتمر والملح.
وسبب التقسيم: أن الفئة الأولى علتها متحدة، تختلف عن علة الفئة الثانية، فصار مرد التقسيم إلى اختلاف العلة.
فإذا وقع البيع بين الفئة الأولى والفئة الثانية فإن المبادلة لم تعد ربوية؛ لأن العلة مختلفة، فليس هناك أي شرط أو قيد، مع أن كلا البدلين ربويان، فإذا بيع الذهب بالقمح أو بيع التمر بالفضة، فقد اختلف الجنس واختلفت العلة، فجاز التفاضل وجاز النساء، فيجوز أن يعجل القمح ويؤجل الذهب، ليكون الثمن مؤجلًا. ويجوز أن يعجل الذهب ويؤجل القمح ليكون البيع من قبيل السلم. وهذا إجماع لا خلاف فيه.
(2)
.
(1)
صحيح مسلم (1587).
(2)
تكملة المجموع (10/ 91): وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم (11/ 25): «أجمع المسلمون على جواز بيع الربوي بالربوي الذي لا يشاركه في العلة تفاضلًا مؤجلًا كبيع الذهب بالحنطة، وبيع الفضة بالشعير وغيرهما من المكيل والموزون» .
وإذا وقع البيع بين أموال الفئة الواحدة، فإن كانا من جنس واحد، كذهب بذهب، أو فضة بفضة، أو تمر بتمر، أو حنطة بمثلها.
فيجب أن يتحقق شرطان:
الأول: التماثل.
والثاني: التقابض.
وقيل: يكفي التعيين في الأصناف الربوية الأربعة إلا في الذهب والفضة فيجب التقابض. وسيأتي في باب الصرف تحرير الخلاف.
فالجنس واحد، والعلة واحدة، فيجري بينهما ربا الفضل وربا النسيئة، فلا يجوز أن يزاد أحدهما على الآخر.
ولا يجوز أن يعجل أحدهما ويؤجل الآخر، بل يجب التقابض في مجلس العقد، امتثالًا لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق:(مثلًا بمثل، سواء بسواء، يدًا بيد).
وإن كانت الأموال ذات الفئة الواحدة من جنسين مختلفين: كذهب بفضة، أو بر بشعير، فالجنس مختلف، والعلة واحدة، فلا يجري بينهما ربا الفضل، فلا يشترط التماثل لاختلاف الجنس.
ويجري بينهما ربا النسيئة؛ لاتفاقهما في العلة، فلا يجوز تأجيل أحدهما، فلا بد من التقابض في مجلس العقد، امتثالًا لقوله عليه الصلاة والسلام:(فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد).
هذا ملخص ما يجري فيه ربا الفضل وربا النسيئة في الجملة على الصحيح، وسيأتي مزيد بحث في حكم كل نوع، وما وقع فيه من اختلاف، وبيان العلة في كل فئة، أسأل الله وحده عونه وتوفيقه.
* * *