الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
ثمرة اختلاف الفقهاء في علة الربا
قال ابن قدامة: كل ما حرم فيه التفاضل حرم فيه النساء بغير خلاف نعلمه
(1)
.
وقال البهوتي في كشاف القناع: التماثل في الجنسين غير معتبر
(2)
.
وقال الباجي: «كل شيئين جمعتهما علة واحدة في الربا فإنه لا يجوز بيع أحدهما بالآخر نسأ كالذهب والورق»
(3)
.
[م-1169] بعد أن استعرضنا علة ربا الفضل والنسيئة في الأصناف الأربعة، وعلة ربا النسيئة في الأموال غير الربوية نريد أن نعقد مقارنة بين المذاهب من خلال الأمثلة حتى يتبين الفروق بين المذاهب المختلفة في تحديد العلة.
أولًا: أن ما عدا الأصناف الستة المذكورة في حديث عبادة بن الصامت، وحديث أبي سعيد الخدري كالفول والأرز، والعدس، والحمص لا يجري فيها الربا مطلقًا على قول الظاهرية، وبعض السلف، فيجوز بيع الأرز بعضه ببعض متفاضلًا، حالًا ونسيئة.
ويجري فيها الربا مطلقًا ربا الفضل والنسيئة على اختيار الأئمة الأربعة.
ثانيًا: في المطعوم، فإن كان يكال أو يوزن وكان قوتًا مدخرًا جرى فيه الربا مطلقًا ربا الفضل وربا النسيئة عند جميع الأئمة الأربعة.
(1)
المغني (4/ 29).
(2)
كشاف القناع (3/ 271).
(3)
المنتقى للباجي (5/ 28).
وإن كان مطعومًا مكيلًا أو موزونًا جرى فيه الربا مطلقًا ربا الفضل والنسيئة عند الحنفية والشافعية.
ولم يجر فيه ربا الفضل عند المالكية، وجرى فيه ربا النسيئة عند المالكية، ولو اختلف الجنس.
وإن كان مطعومًا فقط ولم يكن مكيلًا ولا موزونًا، كالجوز الهندي، والتين الشوكي فإنه يدخله الربا مطلقًا (ربا الفضل وربا النسيئة) عند الشافعية، وقول لأحمد.
ولا يدخله ربا الفضل عند مالك وأبي حنيفة.
ويدخله ربا النسيئة عند أبي حنيفة بشرط اتحاد الجنس.
ويدخله ربا النسيئة عند مالك، ولو اختلف الجنس.
ثالثًا: ما ليس بمطعوم. فإما أن يكون مما يكال أو يوزن، أو لا:
فإن كان مما يكال أو يوزن كالحديد والرصاص والمعادن فإنه يدخله الربا مطلقًا (ربا الفضل وربا النسيئة) عند أبي حنيفة بشرط اتحاد الجنس. ويدخله ربا النسيئة عند اختلاف الجنس.
ويدخله ربا النسيئة فقط دون ربا الفضل عند مالك بشرط التفاضل، واتحاد الجنس والمنفعة.
ولا يدخله الربا مطلقًا عند الشافعي ورواية عن أحمد.
وإن كان مما لا يكال ولا يوزن، مثل الأقمشة.
فإنه يدخله ربا النسيئة عند أبي حنيفة دون ربا الفضل بشرط اتحاد الجنس.
ويدخله ربا النسيئة عند مالك بشرط اتحاد الجنس والتفاضل، واتحاد المنفعة.
ولا يدخله الربا مطلقًا عند الشافعية والحنابلة. هذا ملخص أقوال الأئمة فيما يجري فيه ربا الفضل وربا النسيئة.
* * *
الفصل الثاني
في جريان ربا النسيئة في غير الأموال الربوية
عرفنا حكم التفاضل في الأموال الربوية من خلال حديث عبادة، ومن خلال كلام أهل العلم في تلمس علة الربا في الأصناف الستة، ونريد أن نعرف هل ربا النسيئة يجري فقط بين تلك الأموال، أو يجري حتى في غير الأموال الربوية، في ذلك خلاف بين أهل العلم.
[م-1170] فذهب الحنفية إلى تحريم النسيئة في كل ما اتحد جنسه، وإن لم يكن مكيلًا، أو موزونًا فذهبوا إلى تحريم النسيئة في بيع الثوب بالثوب، وفي بيع الحيوان بالحيوان إذا كانا من جنس واحد
(1)
.
ومنع المالكية التأجيل في الجنس الواحد في العروض والحيوان وسائر التمليكات، وإن لم يكن من الأموال الربوية، إذا جمع بين ثلاثة أوصاف:
وهي التفاضل، والنسيئة، واتفاق الأغراض والمنافع: فيحرم بيع ثوب بثوبين إلى أجل، وبيع فرس للركوب بفرسين للركوب إلى أجل. فإن كان أحدهما للركوب دون الآخر جاز؛ لاختلاف المنافع.
فخلاصة مذهب المالكية: أنه لا يجوز الجمع بين التفاضل والنساء في
(1)
انظر في مذهب الحنفية البحر الرائق (6/ 139)، تبيين الحقائق (4/ 87)، الحجة (2/ 495)، المبسوط للشيباني (5/ 95)، الأشباه والنظائر لابن نجيم (4/ 10)، المبسوط للسرخسي (12/ 123).