الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: صح القول كذلك عن شريح.
(ث-137) فقد روى عبد الرزاق في المصنف أخبرنا معمر والثوري، عن أيوب، عن ابن سيرين.
عن شريح، قال: من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا
(1)
.
[وسنده صحيح].
وقال بذلك ابن تيمية وابن القيم
(2)
.
وإن لم تثبت لفظة (فله أوكسهما أو الربا) فقد ثبت النهي عن بيعتين في بيعة، وهو موضع الاحتجاج.
الوجه الثاني:
أن النهي عن بيعتين في بيعة، وإن كان محفوظًا إلا أنه لم يرد في الشرع ما يفسر معنى الحديث، وليس هناك في اللغة أو في العرف تفسير له يمكن التحاكم إليه، وقد اختلف العلماء في تفسيرها على أقوال كثيرة، وصلت إلى أكثر من ستة أقوال، واختلافهم يدل على أنه ليس في المسألة نص عن الشارع، وتفسير السلف، والذي عليه جماهير أهل العلم لم يفسروها بالعينة، وحملها على العينة إنما جاء متأخرًا عن بعض متأخري المالكية، وعن بعض متأخري الحنابلة كابن تيمية وابن القيم، وإليك الأقوال في معنى بيعتين في بيعة.
فقيل: هو أن يبيع الرجل السلعة بعشرة نقدًا، أو بعشرين نسيئة، فيفترق المتبايعان دون تعيين أحد الثمنين.
وبهذا فسره السلف، وأكثر أهل العلم، ونقل ذلك الترمذي في سننه
(3)
، وهي
(1)
المصنف (14629).
(2)
الفتاوى الكبرى (6/ 51 - 52)، تهذيب السنن (5/ 106).
(3)
سنن الترمذي (3/ 533).
صورة من صور بيعتين في بيعة عند الحنفية
(1)
، وهو أشهر التأويلين في مذهب الشافعية
(2)
،
وقول طاووس والثوري وإسحاق
(3)
، وقول في مذهب الحنابلة
(4)
.
(ث-138) وروى ابن أبي شيبة في المصنف، قال: أخبرنا وكيع، أخبرنا سفيان، عن سماك، عن عبد الرحمن بن عبد الله.
عن أبيه: صفقتان في صفقة
(1)
بدائع الصنائع (5/ 158)، المبسوط (13/ 8)، أحكام القرآن للجصاص (1/ 638)، فتح القدير (6/ 262).
(2)
المهذب (1/ 266، 267)، التنبية (ص: 89)، أسنى المطالب (2/ 30)، وقال الغزالي في الوسيط (3/ 71): «نهيه عن بيعتين في بيعة، ذكر الشافعي رضي الله عنه تأويلين، أحدهما: أن تقول: بعتك بألفين نسيئة، أو بألف نقدًا. أيهما شئت أخذت به، فأخذ بأحدهما فهو فاسد؛ لأنه إبهام وتعليق.
والآخر أن تقول: بعتك عبدي على أن تبيعني فرسك، وهو فاسد؛ لأنه شرط لا يلزم، ويتفاوت بعدمه مقصود العقد، وقد نهي مطلقًا عن بيع وشرط، وكذلك نهى عن بيع وسلف، ومعناه: أن يشترط فيه قرضًا».
وقال النووي في المجموع (9/ 412): «والأول أشهر، وعلى التقديرين: البيع باطل بالإجماع» .
وقال الشافعي في الأم (7/ 291): «ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر، ومنه أن أقول: سلعتي هذه لك بعشرة نقدًا، أو بخمسة عشر إلى أجل، فقد وجب عليه بأحد الثمنين؛ لأن البيع لم ينعقد بشيء معلوم» .
فقوله: (فقد وجب عليه بأحد الثمنين) وقوله: (لأن البيع لم ينعقد بشيء معلوم) كله يدل على أن المشتري لم يأخذه بأحدهما.
وعلل بطلان البيع بالجهالة صاحب مغني المحتاج (2/ 31)، وصاحب كتاب فتح الوهاب (1/ 283)، مما يدل على أن الثمن مجهول، وإذا أخذه بأحدهما لم يكن الثمن مجهولًا.
(3)
المغني (4/ 161)، مسائل الإمام أحمد وإسحاق رواية الكوسج، مسألة:(2141)، وجاء في الاستذكار (20/ 180) عن الثوري، قال:«إذا ذهب به المشتري على وجه واحد، نقدًا كان أو نسيئة فلا بأس بذلك» .
(4)
الفروع (4/ 63)، الإنصاف (4/ 350).
ربا، أن يقول الرجل: إن كان بنقد فبكذا، وإن كان بنسيئة فبكذا
(1)
. ورجاله ثقات.
(ث-139) وبهذا أيضًا فسره سماك بن حرب، رواه أحمد من طريق شريك.
عن سماك بن حرب، قال: الرجل يبيع البيع، فيقول: هو بنسأ بكذا وكذا، وهو بنقد بكذا وكذا
(2)
.
[وشريك سيء الحفظ].
(ث-140) وروى ابن أبي شيبة في المصنف، حدثنا الثقفي، عن أيوب.
عن محمد أنه كان يكره أن يستام الرجل السلعة يقول: هي بنقد بكذا، وبنسيئة بكذا
(3)
.
وسنده صحيح.
وقال النسائي في المجتبى: شرطان في بيع: وهو أن يقول: أبيعك هذه السلعة إلى شهر بكذا، وإلى شهرين بكذا.
وقال أيضًا: بيعتين في بيعة: وهو أن يقول: أبيعك هذه السلعة بمائة درهم نقدًا، وبمائتي درهم نسيئة
(4)
.
(1)
المصنف (4/ 307)، وهذا إسناد حسن إن كان عبد الرحمن سمعه من أبيه، وقد أثبت له ابن المديني السماع من أبيه. ولعله في حكم المتصل وإن لم يسمعه فقد سمعه من أهل بيته.
انظر جامع التحصيل (ص: 223). ورواه أيضًا ابن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن أبي عبيدة أو عن عبد الرحمن بن عبد الله، عن ابن مسعود.
(2)
المسند (1/ 398).
(3)
المصنف (4/ 307)، ومصنف عبد الرزاق (14628).
(4)
المجتبى (7/ 295).
وقد قال الحكم، وحماد، وإبراهيم النخعي حين سئلوا عن الرجل يشتري الشيء بكذا نقد، وإن كان إلى أجل فبكذا، قالوا: لا بأس إذا تفرقا على أحدهما. والإسناد إليهم صحيح
(1)
، وكذا رواه عبد الرزاق بسند صحيح عن الزهري وقتادة
(2)
.
قال ابن القيم: «وهذا التفسير ضعيف، فإنه لا يدخل الربا في هذه الصورة، ولا صفقتين هنا، وإنما هي صفقة واحدة بأحد الثمنين»
(3)
.
وقد ناقشت هذه المسألة في أكثر من عنوان من ذلك مبحث: (إبهام الثمن على وجه التخيير)، ومبحث:(الزيادة في الثمن مقابل التأجيل) فأغنى عن إعادتها هنا.
وقيل: بيعتين في بيعة: أن يقول الرجل: هذا بعشرة نقدًا، أو بعشرين نسيئة، ويكون البيع لازمًا بأحد الثمنين، فإن وقع على وجه التخيير فلا حرج، وهذا قول مالك
(4)
،
وربيعة، ويحيى بن سعيد
(5)
.
(1)
مصنف ابن أبي شيبة (4/ 307).
(2)
المصنف (14630).
(3)
تهذيب السنن (5/ 106).
(4)
جاء في المدونة (4/ 151): «أرأيت إن قال له: اشتر مني سلعة، إن شئت بالنقد فبدينار، وإن شئت إلى شهرين فبدينارين، وذلك في طعام أو عرض، ما قول مالك في ذلك؟
قال: قول مالك في ذلك: إن كان هذا القول منه، وقد وجب البيع على أحدهما، ليس له أن يرجع في البيع، فالبيع باطل، وإن كان هذا القول منه، والبيع غير لازم لأحدهما، إن شاءا أن يرجعا في ذلك رجعا؛ لأن البيع لم يلزم واحدًا منهما، فلا بأس بأن يأخذ بأي ذلك شاء، إن شاء بالنقد، وإن شاء بالنسيئة». وانظر الموطأ (2/ 663)، والتمهيد لابن عبد البر (24/ 390)، مواهب الجليل (4/ 364 - 365)، المنتقى للباجي (5/ 39).
(5)
وقيل: بيعتان في بيعة هو أن يبيعه الشيء ويشترط عليه عقدًا آخر من بيع أو سلف، أو قرض، أو صرف، أو إجارة، أو شركة، وكذا كل ما كان في معنى ذلك، مثل أن يقول: بعتك داري بكذا على أن تزوجني ابنتك، أو على أن أزوجك ابنتي، وكذا على أن تنفق على عبدي، أو دابتي، ونحو ذلك، وهذا هو مذهب الحنفية
(1)
، وقول للشافعي
(2)
، والمشهور من مذهب الحنابلة
(3)
، وقول لابن حزم
(4)
.
وقيل: معنى بيعتين في بيعة أن يبيعه إحدى سلعتين مختلفتين بثمن واحد، كثوب وشاة بدينار على اللزوم، فشرط المنع كون البيع على اللزوم للمتبايعين أو
(1)
المبسوط (13/ 16)، الهداية (3/ 48). ويدخل في الصفقتين في صفقة عند الحنفية: كل شرط لا يقتضيه العقد، وفيه منفعة لأحد المتعاقدين، كما لو باعه عبدًا على أن يستخدمه شهرًا، أو دارًا على أن يسكنها، أو على أن يقرضه المشتري درهمًا، أو على أن يهدي له هدية.
(2)
انظر العزو إلى كتب الشافعية في القول الأول.
(3)
الفروع (4/ 63)، الإنصاف (4/ 350)، كشاف القناع (3/ 193).
(4)
ذكر ابن حزم أكثر من صورة، ويراها أنها داخلة في النهي عن بيعتين في بيعة، قال ابن حزم رحمه الله في المحلى (7/ 501):«ولا يحل بيعتان في بيعة مثل: أبيعك سلعتي بدينارين على أن تعطيني بالدينارين كذا وكذا درهمًا. أو كمن ابتاع سلعة بمائة درهم على أن يعطيه دنانير، كل دينار بعدد من الدراهم، ومثل: أبيعك سلعتي هذه بدينارين نقدًا، أو بثلاثة نسيئة. ومثل: أبيعك سلعتي هذه بكذا وكذا، على أن تبيعني سلعتك هذه بكذا وكذا. فهذا كله حرام مفسوخ أبدًا محكوم فيه بحكم الغصب» .