الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل الرابع:
(ث-121) روى البخاري من طريق شعبة، عن سعيد بن أبي بردة.
عن أبيه، أتيت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام رضي الله عنه، فقال: ألا تجيء فأطعمك سويقًا وتمرًا ..... ثم قال: إنك بأرض الربا بها فاش، إذا كان لك على رجل حق، فأهدى إليك حمل تبن، أو حمل شعير، أو حمل قت، فلا تأخذه فإنه ربا
(1)
.
الدليل الخامس:
(ح-684) ما رواه أبو داود الطيالسي من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه.
عن عبد الله بن عمرو، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سلف وبيع، وعن شرطين في بيع، وعن بيع ما ليس عندك، وعن ربح ما لم يضمن
(2)
.
[إسناده حسن]
(3)
.
وجه الاستدلال:
قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل سلف وبيع) والمراد بالسلف: هو القرض في لغة الحجاز، فنهى عن الجمع بين البيع والقرض، وإنما نهى عن الجمع بين البيع والقرض وإن كان كل واحد منهما صحيحًا بانفراده لأنه ربما حاباه في البيع لأجل القرض، فيؤدي إلى أن يجر القرض نفعًا للمقرض، فلما كانت الفائدة على القرض ربما تستتر بعقد البيع نهى عنها الشارع، وإذا كان هذا حكم الشرع بالفائدة المستترة فكيف بالفائدة الظاهرة المشروطة.
(1)
البخاري (3814).
(2)
مسند أبي داود الطيالسي (2257).
(3)
سبق تخريجه، أنظر (ح 232).
(1)
.
وقد حكى الإجماع غير واحد من أهل العلم على تحريم اشتراط البيع مع عقد القرض.
قال الباجي في المنتقى: «لا يحل بيع وسلف، وأجمع الفقهاء على المنع من ذلك
…
»
(2)
.
قال القرافي: «وبإجماع الأمة على جواز البيع والسلف مفترقين، وتحريمهما مجتمعين لذريعة الربا»
(3)
.
وقال في مواهب الجليل: «واعلم أنه لا خلاف في المنع من صريح بيع وسلف»
(4)
.
وقال الزركشي في البحر المحيط: «وبالإجماع على جواز البيع والسلف مفترقين، وتحريمهما مجتمعين للذريعة إليها»
(5)
.
كما حكى الإجماع على التحريم ابن قدامة في المغني
(6)
وغيرهم.
(1)
الفتاوى الكبرى (6/ 177).
(2)
المنتقى (5/ 29).
(3)
الفروق (3/ 266).
(4)
مواهب الجليل (4/ 391).
(5)
البحر المحيط (8/ 91).
(6)
المغني (4/ 162).
القول الثاني:
مع وضوح تحريم ربا القروض مطلقًا، واتفاق علماء السلف عليها إلا أن هناك من خالف في هذه المسألة من المحدثين، وخلافهم فيها من قبيل الخلاف الشاذ، المخالف للإجماع، ويلتمس العذر لهم لكونهم متأولين، ولا يعتبر القول عندي خارقًا للإجماع لكون هذا القول في نفسه مخالفًا للإجماع كما سبق، والله أعلم.
وأستطيع أن أرجع الأقوال المخالفة لإجماع السلف إلى مذهبين:
الأول: يرى جواز اشتراط القرض بفائدة عند ابتداء العقد، (وهو ما يسمى بالفائدة البسيطة) ويحرم الفائدة المركبة، وهو أن يقول إذا حل الأجل: إما أن تقضي وإما أن تربي. ويحصر التحريم بهذا النوع من الربا، وبالتالي فإن ما تمارسه البنوك من إقراض بفائدة لا يكون محرمًا بناء على هذا القول، إلا إذا ضاعفوا الربا من أجل التأخير في السداد، وممن قال بذلك الشيخ محمد رشيد رضا، وعبد الرزاق السنهوري وغيرهما، وسيأتي توثيق هذا القول، ومناقشته عند الكلام على ربا الجاهلية.
الثاني: يرى تحريم القرض بفائدة للاستهلاك، ويجوزه للإنتاج، فكما قسم الفريق الأول الربا إلى نوعين: مضاعف وبسيط، وحرم الأول دون الثاني. قسم هذا الفريق الربا أيضًا إلى نوعين:
ربا استهلاكي: هو الزيادة التي تؤخذ على القروض المستعملة في شراء الحاجات الاستهلاكية.
وربا إنتاجي: هو الزيادة التي تؤخذ على القروض المستعملة في عمليات إنتاجية كإقامة مشروع تجاري أو صناعي، أو زراعي، وزعموا أن مقاصد
الشريعة تقضي بتحريم الربا فيما أخذ للاستهلاك فقط، وأن هذا هو ربا الجاهلية الذي وردت النصوص بتحريمه، دون ربا التنمية والإنتاج.
وبناء على هذا القول يكون أخذ الربا على الودائع البنكية حلالًا، لأن المقترض، وهو البنك إنما اقترض هذه الأموال من المودعين للتنمية والإنتاج، ولم يقترضها للاستهلاك في أكل وشرب ولبس، وسداد للديون ونحوها
(1)
.
(1)
هذه الشبهة تلقاها بعض المثقفين المسلمين عن علماء الاقتصاد الغربيين بدعوى أن تحريم الربا كان من الضروريات في الماضي، وأن إباحته في هذا العصر من الضروريات أيضًا، لأن الدَّين فيما مضى كان للاستهلاك، وأما الآن فهو للإنتاج. انظر كتاب الربا في ضوء الكتاب والسنة، مقال منشور في مجلة البحوث الإسلامية، في العدد الحادي عشر، لفضيلة الشيخ عبد الله عبد الغني الخياط.
وقد نقل السنهوري في كتابه مصادر الحق (3/ 233) عن معروف الدواليبي قوله: «يذهب الأستاذ معروف الدواليبي في المحاضرة التي ألقاها في مؤتمر الفقه الإسلامي بباريس إلى أن الربا المحرم إنما يكون في القروض التي يقصد بها الاستهلاك لا الإنتاج، ففي هذه المنطقة - منطقة الاستهلاك - يستغل المرابون حاجة المعوزين والفقراء، ويرهقونهم بما يفرضون عليهم من ربا فاحش، أما اليوم، وقد تطورت النظم الاقتصادية، وانتشرت الشركات، وأصبحت القروض أكثرها قروض إنتاج لا قروض استهلاك، فإن من الواجب النظر فيما يقتضيه هذا التطور في الحضارة من تطور في الأحكام، ويتضح ذلك بوجه خاص عندما تقترض الشركات الكبيرة والحكومات من الجماهير وصغار المدخرين، فإن الآية تنعكس والوضع ينقلب، ويصبح المقترض (أي الشركات والحكومات) هو الجانب القوي المستغل، ويصبح المقرض (أي صغار المدخرين) هو الجانب الضعيف الذي تجب له الحماية.
فيجب إذن أن يكون لقروض الإنتاج حكمها في الفقه الإسلامي، ويجب أن يتمشى هذا الحكم مع طبيعة هذه القروض، وهي طبيعة تغاير مغايرة تامة طبيعة قروض الاستهلاك، ولا تعدو الحال أحد أمرين.
إما أن تقوم الدولة بالإقراض للمنتجين.
وإما أن تباح قروض الإنتاج بقيود وفائدة معقولة، والحل الثاني هو الحل الصحيح. ويرى الأستاذ الدواليبي إمكان تخريجه على فكرة الضرورة، وعلى فكرة تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، كما لو تذرع العدو بمسلم، فلا مناص من قتل المسلم حتى يمكن الوصول إلى العدو».
والمجيزون لذلك بعضهم يكيف الودائع على أنها عقد مضاربة، مع ضمان رأس المال وربح معلوم
(1)
، ومعلوم أن ضمان رأس المال في عقد المضاربة، أو تحديد مقدار الربح لرب المال يجعله باطلًا بالاتفاق، وسيأتي إن شاء الله النقل عن ذلك.
وبعضهم يكيفها على أنها ديون، ولكن جاز أخذ الفائدة عليها؛ لأن آخذها قد أخذها للتنمية والإنتاج، فهو سيربح منها أمولًا طائلة، فلا مانع من أخذ زيادة معينة ما دام أن القرض لم يكن من القروض الاستهلاكية، وإنما هي قروض إنتاجية.
(1)
كما يذهب إلى ذلك فضيلة الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي، شيخ الأزهر.