الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأزيدك، وإن كان أدنى وأقل امتنع؛ لأنه ضع وتعجل، وهذا إذا كانا من بيع، وإن كانا من قرض والحال أو الأقرب أدنى أو أقل امتنع؛ لأنه ضع وتعجل، وإن كان أجود؛ إذ لا ضمان في القرض، وإن كان أكثر عددا امتنع؛ لأنه زيادة في القرض، وهو مكروه في المجلس، قاله في النكت.
* * *
باب تكلم فيه على الرهن
وهو لغة: اللزوم والحبس، قال اللَّه تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38)} ، أي: محبوسة.
وشرعًا، قال المصنف: الرهن بذل أي إعطاء من له البيع من مكلف ومميز، لا مجنون وصبي غير مميز وعبد محجور.
وفهم من قوله: (بذل) أنه لا بد فيه من الإقباض، فلو قبضه المرتهن دون إقباض لم يكن رهنًا.
وأفهم أيضًا: أنه لا يفتقر للإيجاب والقبول، وهو كذلك، خلافًا للشافعي، ويجوز حضرًا وسفرًا، وهو كذلك، خلافًا لمجاهد في قصر صحته على السفر.
وظاهر كلامه: جوازه، وهو كذلك، خلافًا للظاهرية.
ما أي: شيئًا يباع، لا كخمر وخنزير ونحوهما، فإن رهن ذلك لا يجوز من مسلم ولا ذمي؛ إذ فائدته بيعه للوفاء منه عند تعذره.
ولما خرج بقوله: (ما يباع): ما فيه غرر، مع أنه يصح رهنه أدخله بقوله: أو غررًا، بالنصب عطفًا على (ما)؛ إذ هي في محل نصب؛ لأن (بذل) مصدر، فاعله من له البيع، ومفعوله ما يباع؛ فيجوز رهن الآبق والشارد، إذا لم يقارن شرطه عقدة الرهن اتفاقًا؛ ولذا لو اشترط رهن هذا
الغرر في العقد فإنه لا يفسده على المشهور.
وأشار بـ (لو) للشاذ بمنعه.
المازري: وهما جاريان على أن الفاسد إذا قارن الصحيح هل يصيره ممنوعًا أم لا.
وهذه إحدى النظائر التي يجوز فيها الغرر.
الثانية: الهبة.
الثالثة: والخلع.
الرابعة: الصلح.
وثيقة: حال أو تمييز أو صفة، والأخيران على أن (ما) موصولة، بحق: الباء سببية وخرج به ما بذل لا للتوثيق، كـ: البيع والهبة والصدقة والعارية والإجارة.
ولفظة (بدل) تقتضي حقيقتها دفع الشيء للمرتهن، فلا يرد كون الحد غير مانع؛ لدخول الحميل ودخول اليمين، إذا حلف رب الدين المدين على الوفاء.
ثم ذكر أمثلة من له البيع بقوله: كولي أب أو وصي، يجوز لكل رهن متاع محجوره فيما عليه مما يبتاعه له من ثمن كسوة أو طعام، كما يتسلف له حتى يبيع متاعه، ومكاتب له أن يرهن ويرتهن، لإحرازه نفسه وماله.
وكعبد مأذون له في التجارة، وأشار لأمثلة ما يرتهن بقوله: وآبق وكتابة للسيد رهنها في دين عليه، واستوفى المرتهن حقه منها إن أداها، أو يستوفي من رقبته إن عجز عنها، أو عن بعضها، ولم يكن للسيد ما يوفي منه.
ولو أدخل الكاف على (آبق) ليدخل الشارد ونحوه لكان أحسن.
وقول صاحب التكملة: (انظر لِمَ عدل عن قول ابن الحاجب:
"ويجوز رهن المكاتب")، أجابه بعض شيوخنا من طلبته (1)، بأنه لما كان كلامه في بيان من يرهن وما يرهن، ومن جملته المكاتب والكتابة، والمكاتب لا يباع، والكتابة تباع، استغنى عن المكاتب بما يشبهه في الحكم، وهو الآبق والكتابة، لم يتقدم عليها ما يغنى عنها، حسن ذكرها دونه لهذا، ولأنه ذكر المكاتب في أمثلة من له الرهن، فلو ذكره ثانيًا في أمثلة ما يرهن لتوهم من لا تأمل له أنه تكرار.
وللسيد رهن خدمة مدبر جميعها أو بعضها في دين عليه، ويستوفي المرتهن حقه منه إن أمكن؛ لأنه لا يباع، فإن لم يمكن لفلس السيد أو موته قبل الاستيفاء استوفى من ماله، وإن لم يكن له مال غير المدبر ورق جزء فمنه، أي: يستوفى من ذلك الجزء، وكذا إن رق جميعه، لا رهن رقبته على أن تباع الآن لم يجز، فإن وقع ذلك فاختلف: وهل ينتقل الرهن لخدمته ويباع للمرتهن وقتا بعد وقت حسب ما يجوز له من بيعها، أو لا ينتقل؛ لأنه إنما رهن رقبته؟ قولان بغير ترجيح، كظهور حبس دار رهنت على أنها مملوكة، فثبت أنها محبسة على من رهنها، فقيل: لا يعود حقه إلى المنفعة؛ لأنه إنما رهنه الرقبة.
وقيل: إن الرهن يتعلق بمنفعهتا وكرائها؛ لأن المنفعة كجزء منها، يجوز رهنه وبيعه؛ فلا يبطل هذا الجزء ببطلان ما أخذ منه، وحكى المصنف القولين في توضيحه، وهو ظاهر إن ثبت تحبيسها على الرهن، وأما على غيره فلا؛ إذ لا حق له فيها.
ويجوز رهن ما لم يبد صلاحه من تمر أو زرع على المشهور، ولا يصح بيعه الآن، فإذا مات الراهن أو فلس ولا مال له انتظر بدو صلاحه؛ ليباع حينئذ، ثم إن كان له مال فمنه؛ لأن الدين في ذمته، وإن كان عليه دين لغير هذا المرتهن، وماله لا يفي بديونه حاص مرتهنه، أي: مرتهن ما لم يبد صلاحه غرماء الراهن في ذلك المال بجميع دينه بقدر ديونهم في
(1) يعني: السنهوري، أو القلتادي.
الموت والفلس، فإذا صلحت ثمرة ما لم يبد صلاحه للبيع بيعت، فإن وفّى ثمنها بجميع دين المرتهن رد جميع ما أخذه، فتحاصه أرباب الديون، وإلا بأن لم يف ثمنها بدينه قدر أو لا محاصًا للغرماء بما بقي من دينه، فلو كانوا ثلاثة، لكل واحد منهم مائة، ورهن عند أحدهم تمرًا لم يبد صلاحه، ثم فلس، أو مات، ووجد ماله مائة وخمسون تحاص الثلاثة فيها، لكلِّ خمسون، فإذا حل بيع الثمر اختص به المرتهن، فإن بيع بمائة، رد الخمسين، لأنه تبين أنه لا حق له فيها، وإن بيع بخمسين اختص بها، ويقال له: قد تبين أنك إنما تستحق المحاصة بخمسين، فليس لك إلا ثلاثون؛ إذ هي ثلاثة أخماس مالك ونسبة التركة وهي مائة وخمسون للمدين، وهو مائتان وخمسون: ثلاثة أخماسه فترد على صاحبيك عشرين بقية الخمسين، لكل منهما عشرة، فيصير بيد كل منهما ستون، وبيدك ثمانون، ولا يعلم من كلامه حكم رهن ما لم يخلق.
ابن ناجي: ظاهر المدونة المنع.
وقال ابن الحارث: اتفق ابن القاسم وأشهب على جواز رهن ثمرة لم تظهر.
ثم أخرج من أمثلته من يرهن ومن لا يرهن، ممثلًا للأول بقوله: لا كأحد الوصيين، فلا يرهن شيئًا من متاع يتيمة في دين على اليتيم، إلا بإذن صاحبه، ونحوه في المدونة، ما لم يكن كل واحد منهما مطلق التصرف.
وللثاني بقوله: وجلد ميتة ما لم يدبغ اتفاقًا، وإن دبغ على المشهور؛ إذ لا يباع لنجاسة ذاته.
وخرج بقوله: (ميتة) جواز رهن جلد سبع ذكي، وهو كذلك.
وكجنين: عطف على (أحد)، فلا يصح رهته؛ لكثرة الغرر فيه.
ولو أدخل الكاف على (جلد) لكونه أول مثل ما لا يرهن لكان أحسن.
وخمر لا يصح رهنها عند مسلم، إن كان لمسلم، وكذا إن كانت
لذمي ورهنها، ولا حق له فيها، ولا هو أحق بها من الغرماء، إلا أن تتخلل، فهو أحق بها من الغرماء.
ويحتمل أنه لا يجوز للمسلم أن يرهن خمرًا ونحوه، وإن لذمي، وعليه فيراق، ولا يلزم المسلم الإتيان برهن آخر، وذكر المصنف الاحتمالين في توضيحه.
وإن تخمر عصير رهنه مسلم أهراقه المرتهن بحاكم، ففي المدونة: من ارتهن عصيرًا فصار خمرًا، فليرفعه إلى الإمام ليهراق بأمره، كالوصي يجد في التركة خمرًا انتهى.
والرفع للحاكم، أي: إذا كان يحكم ببقائها أو بتخليلها، وإلا فليس عليه ذلك.
وقلنا: رهنه مسلم، لأن الراهن لو كان ذميًا لردت إليه، قاله اللخمي وابن يونس وغيرهما.
وصح مشاع، أي: رهنه، وحيز المشاع بجميعه، أي: جميع المرهون منه المشاع، إن بقي فيه للراهن شيء، وسواء كان عرضًا أو حيوانًا أو عقارًا.
قال في التوضيح: على المشهور، والقول بأنه يكتفي في العقار بجواز البعض في الموازية.
ابن عبد السلام: والقولان منسوبان للمدونة، وليس فيها عندي بيان لهما، والظاهر: أنه لا فرق بين العقار وغيره انتهى.
ومفهوم الشرط: الاكتفاء بجواز الجزء فقط، إن كان الباقي لغير الراهن، وينزل المرتهن منزلته، وهو كذلك.
ولا يستأذن مريد رهن المشاع شريكه؛ لأنه يتصرف مع المرتهن، وهو المشهور وقول ابن القاسم، وله أي: للشريك غير الراهن أن يقسم المشترك القابل للقسمة، وله أن يبيع منابه، ويسلم للمشتري ما باعه، ولا يمنعه رهن الشريك من ذلك، إذا لم يتعلق الرهن بحصته، كذا في توضيحه.
وقال الشارح: يسلمها فيما شاء. ونسبه للمدونة، وكلاهما صحيح.
وله أي: الراهن الجزء المشاع استئجار جزء غيره، لأن رهنه لجزئه لا يمنع من استئجار جزء الغير، ولكن لا يتولى قبض ربعه، بل ويقبضه المرتهن له.
اللخمي: أو يقاسمه الرقاب أو المنافع، وإنما لم يقبض أجرته لئلا تجول يده في الرهن فيبطل.
ولو رهن أحد الشريكين حصته عند أجنبي، واتفق هذا الشريك الراهن مع المرتهن، وأمنا شريكًا، أي جعلا الشريك الذي لم يرهن أوّلًا أمينًا لهما، ووضعا الحصة تحت يده، فرهن هذا الشريك الأمين حصته للمرتهن، وأمنا أي: الأمين والمرتهن الراهن الأول، أي: جعلاه أمينًا لهما بطل حوزهما معًا للحصتين معًا؛ لأن يد كل من الراهنين في المرهون.
وفهم من كلامه: أنهما لو جعلا نصيب الثاني تحت يد أجنبي أو يد المرتهن بطلت حصة الثاني فقط، لحوزه لنصيب الراهن الأول، فيبقى ذلك بيده، وهو مشاع، فيبطل ما أرهنته، حكاه في توضيحه عن محمد، والشارح عن أبي محمد.
والمستأجر: اسم مفعول، يصح رهنه من هو في إجارته وغيره، وكذا الحائط المساقي: اسم مفعول، وهما عطف على قوله:(مشاع)، وسوغ عطف المعرفة على النكرة بعد ما بينهما، وقول الشارح عطف على (صح مشاع) فيه تجوز.
قال ابن الحاجب: ويصح رهن المساقي والمشاع والمستأجر وغيره.
وحوزهما الأول السابق على الإجارة والمساقاه كاف، أي: مغن عن حوز ثان للرهن على الأصح عند ابن الحاجب، وهو مذهب ابن القاسم في المجموعة.
والمثلي طعام أو أدام أو ما يكال أو يوزن يصح رهنه، ولو كان عينًا: ذهبًا أو فضة أو فلوسًا حال كونه بيده، فقوله:(بيده) حال من المثلي إن طبع عليه.