الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذكر الشجر لشموله النخل، وأدخل الزرع بالكاف.
وتؤولت على عدم جبر الراهن عليه، أي: الإنفاق، مطلقًا سواء كان: الرهن مشترطًا في أصل العقد أو متطوعًا به بعده، وقدم هذا التأويل لقوته، وإن رده بعضهم.
وتأولها ابن رشد أيضًا على التقييد بالتطوع، أي: على أن الرهن لم يكن في أصل البيع ولا السلف، وإنما تطوع به الراهن بعد العقد، وأما لو كان مشترطًا في العقد لجبر على الإنفاق.
فائدة:
قال ابن عبد السلام: لم يعدوا نفقة المرتهن سلفًا جر نفعًا، ولعل ذلك لشدة ما يلحقه من الضرر بهلاك الرهن، إذا ترك النفقة عليه.
ثم شرع في الكلام على ضمان الرهان، فقال: وضمنه مرتهنه بشروط ثلاثة شرطين ثبوتيين، وهما:
- إن كان الرهن بيده، أي: المرتهن.
- والثاني: إن كان مما يغاب عليه، أي: يمكن إخفاؤه، كحلي وثياب.
والشرط الثالث: عدمي، أشار له بقوله: ولم تشهد للمرتهن بينة بكحرقه أو سرقة.
ويأتي مفهوم هذه الشروط، وحيث قلنا بالضمان مع وجود واحد منها فهو ثابت، ولو شرط المرتهن البراءة منه من الضمان؛ لأنه للتهمة عند ابن القاسم، وعند أشهب ضمان أصالة فيبرأ، وللمسألة سبع نظائر ذكرناها في الكبير.
أو علم احتراق محله، أي: المرتهن وادعى حرقه مع متاعه، ولا بينة له بذلك، فالضمان لاحتمال كذبه، إلا يبقاء بعضه محرقًا، فلا ضمان، وعلى هذا فالضمان منتف بشرطين:
- علم احتراق محله.
- والإتيان ببعضه محرقًا.
رواه ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم، زاد محمد:
- وأن يعلم النار بغير سببه.
واختلف: هل هو تفسير للمذهب أو خلاف؟ وأُفتيَ بعدمه، أي: بعدم الضمان في العلم باحتراق محل المرتهن، والمفتي في مسألة الاحتراق هو الباجي، حيث قال: وعندي أنه إن كان مما جرت العادة برفعه في الحوانيت، أي: يكون متعديًا بنقله عنها فأرى أن يصدق في احتراقه فيما علم من احتراق حانوته، وبه أفتيت في طرطوشة (1) عند احتراق أسواقها وكثرت الخصومات.
وفي ظني أن بعض الطلبة أظهر لي رواية عن ابن أيمن بمثل ذلك، وعلى هذا الإفتاء تعقب الشارح على المصنف بأنه دخل في نقله عن الباجي
(1) مدينة قديمة بالأندلس بقرب مدينة بلنسية مشتركة على نهر ابره. وهي برية وبحرية، وهي مدينة داخلة في مدينة، من عجائب المدينة الداخلة ما حكاه العذري أنها لا يدخلها جيش أصلًا. وذكر أيضًا أن البعوض ما كان يدخلها فيما مضى من الزمان، حتى أن الواقع على سورها إذا أخرج يده عن السور وقع عليها البعوض، وإذا ضمها سقط البعوض عنها.
وبها موضع يعرف بمغراوة به نار مستكنة في الأرض غير بادية للعيون، لكنه يبدو على الموضع أواد، فمن أراد أن يحققه أدخل في الموضع عودًا، فإنه يحترق في ساعة ويصير جمرة.
وبها جبل كثير الخير والبركة، وهو جبل منيف به جميع أنواع الثمار، وفي أعلاه مروج كثيرة المياه والمراعي، وبه شجر يشبه خشبه خشب الساج تتخذ منه الآلات والظروف.
وبها معدن الكحل الطيب الذي هو غاية ومعدن الزجاج. وفي واديها الحوت الطيب من البوري والشوري الذي يكون في الواحد قنطار، ويخرج منه السمور وفيه أرحاء في الغوارب يكون بيت الرحا في الغارب، والدولاب يدور خارج الغارب بالماء، فإن شاء صاحبها ينقل الغارب من موضع إلى موضع.
بعدم ذكره، إن كان مما جرت العادة إلى آخره.
ثم قال: نعم، كلامه هنا يوافق ما قاله المازري لما فتح الروم المهدية (1) سنة ثمانين وأربعمائة، ونهبوا الأموال، وكثرت الخصومات مع المرتهنين والصناع، وفي البلد مشايخ متوافرون علما، أفتى جميعهم بتكليف المرتهن والصانع البينة أن ما عنده أخذه الروم، وأفتيت بعدم الضمان، وكان القاضي يعتمد فتواي، ثم توقف لكثرة من خالفني، حتى شهد عنده عدلان أن شيخ الجماعة السيوري أفتى بما أفتيت به، ثم قدم كتاب المنتقى، فذكر
(1) مدينة بافريقية بقرب القيروان، اختطها المهدي المتغلب على تلك البلاد في سنة ثلاثمائة. قيل: إنه كان يرتاد موضعًا يبني فيه مدينة حصينة، خوفًا من خارجي يخرج عليه، حتى ظفر بهذا الموضع. وكانت جزيرة متصلة بالبر كهيئة كف متصلة بزند، فوجد فيها راهبًا في مغارة فسأله عن أسم الموضع فقال: هذه تسمى جزيرة الخلفاء. فأعجبه هذا الاسم فبنى بها بناء وجعلها دار مملكة، وحصنها بسور عال وأبواب حديد، وبنى بها قصرًا عاليًا. فلما فرغ من إحكامها قال: الآن آمنت على الفاطميات! يعني بناته.
وحكي أنه لما فرغ من البناء أمر راميًا أن يرمي سهمًا إلى جهة المغرب، فرمى فانتهى إلى موضع المصلى فقال: إلى هذا الموضع يصل صاحب الحمار! يعني أبا يزيد الخارجي لأنه يركب حمارًا. فقالوا: ان الأمر كان كما قال، وإن أبا يزيد وصل إلى موضع السهم ووقف ساعة، ثم رجع ولم يظفر، ثم أمر بعمارة مدينة أخرى إلى جانب المهدية وجعل بين المدينتين طول ميدان، وأفردها بسور وأبواب وسماها زويلة، وأسكن أرباب الصناعات والتجارات فيها، وأمر أن تكون أموالهم بالمهدية وأهاليهم بزويلة. قال: إن أرادوني بكيد بزويلة فأموالهم عندي بالمهدية، وإن أرادوني بالمهدية خافوا على أهاليهم بزويلة، فإني آمن منهم ليلًا ونهارًا! وشرب أهلها من الصهاريج، ولهم ثلاثمائة وستون صهريجًا على عدة أيام السنة، يكفيهم كل يوم صهريج إلى تمام السنة ومجيء مطر العام المقبل.
ومرساها منقورة في حجر صلد تسع مائتي مركب، وعلى طرف المرسى برجان بينهما سلسلة حديد إذا أريد إدخال سفينة أرسل الحراس أحد طرفي السلسلة لتدخل الخارجة ثم يمدها، ثم تناقصت حال ملوكها مع حصانة الموضع حتى استولى عليها الفرنج سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، وبقيت في يدهم اثنتي عشرة سنة حتى قدم عبد المؤمن افريقية سنة خمس وخمسين وخمسمائة واستعادها. وهي في يد بني عبد المؤمن إلى الآن.
فيه في الاحتراق مثل ما أفتيت به، وذكر كلام الباجي السابق انتهى.
والذي ذكره الباجي معترض بما قاله الشارح.
وإلا بأن اختل شرط منها كأن لا يكون بيده بل بيد أمين، أو كان بيده لكنه لا يغاب عليه، أو كان بيده ويغاب عليه، لكن شهدت البينة بكحرقة، أو علم احتراق محله، وبقي بعضه محرقًا، فلا ضمان عليه.
وتعقب بعض مشايخي قول الشارح بأن (إلا) الاستثنائية بأنها ليست كذلك، وإنما هي إنِ الشرطية في حيزها (لا)، بدليل مجيء الفاء في الجواب انتهى.
وأعاد المصنف هذه المسائل مع دخولها في مفهوم الشرط ليرتب على ذلك قوله ولو اشترط الراهن ثبوته أي الضمان لم يضمنه وهو مذهب المدونة والموازية.
ثم استثنى من عدم ضمان المرتهن ما لا يغاب عليه إذا ادعى تلفه كالحيوان على اختلاف أنوعه، فقال: إلا أن يكذبه عدول في دعواه موت دابة معه بسفر، أو دعواه ذلك بحضر، ولم يعلم بها أحد.
ومفهوم (عدول) قول المازري: لو كذبه غير عدول لم ينتقل الحكم عن تصديقه؛ لتكذيبه بتكذيب قوم ليسوا بعدول، أما لو صدقوه لتأكد الظن بصدقه: عدولًا كانوا أو غيرهم، ويكفي في تصديق الحضور أنهم رأوا دابة ميتة، وإن لم يعلموا أنها الرهن، كذا في المجموعة، ومثله للباجي، زاد: ويحلف إنها هي.
قال: وهو الصحيح، إذا كانت الشهادة على صفة تغلب على الظن أنها ليست غير التي بيد المرتهن، أو يكون الأمر مشكلًا يستصحب الحكم بعد ضمان ما لا يغاب عليه.
وحلف المرتهن فيما يغاب عليه أنه تلف بلا دلسة دلسها فيه، وأنه لا يعلم موضعه، كذا في العتبية، وحمل بعضهم المدونة عليه، ووجه يمينه مع ضمانه تهمته على الرغبة في تعييبه.