الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الداعية لذلك ألزمته ظروف الأحوال للانتقال لمذهب سيدنا الإمام أبي حنيفة النعمان قدس الله تعالى سره، وبقي مدة في النيابة تارة في بعض المحاكم الشرعية الدمشقية، وتارة في بعض البلاد وخارج الشام مع عفة وصيانة وديانة، وحكم بالحق، مع التروي والوقوف على حدود الشرع، مستنداً إلى النقل والتثبت في الأحكام، ثم ترك القضاء تعففاً وجنح إلى التكسب بالفلاحة والزراعة، ومالت نفسه إلى العزلة والتباعد عن الاختلاط إلا فيما فيه أمر شرعي كزيارة صديق وعيادة مريض وتشييع جنازة وإصلاح بين خصمين وحضور مجلس علم وأمثال ذلك، وله حسن هيئة ومحبة في قلوب الناس وهيبة وجاه وقبول كلام لإخلاصه وعدم غايته في شيء، غير أن الدنيا لم يكن بينها وبينه امتزاج فكانت تعاكسه كما هو عادتها مع كل من لا يصونها عن الصرف، فإنها تألف من يضن بها حتى على نفسه وهو على خلاف ذلك، فإنه يهوى الجود والكرم وإطعام الطعام، وبذل الموجود والإكرام، مع إظهار أن المنة لغيره عليه، ولذلك عاد إلى تولي النيابات عن إحتياج، وداء الاحتياج ليس له من علاج، فهو الداعي إلى تعاطي ما لا يراد، وليس للعبد خروج فيما قضى الله وأراد، وبالجملة فهو فرد نادر، ويحق له أن يذكر بأنواع المفاخر، أحسن الله إلينا وإليه، ومن بالإحسان علينا وعليه آمين.
توفي رحمه الله تعالى غب داء أعيا الأطباء يوم الأحد صباحاً في الخامس والعشرين من ذي القعدة الحرام سنة ألف وثلاثمائة وسبع عشرة ودفن في مقبرة شيخ الحضرة في جبل قاسيون رحمه الله تعالى.
الشيخ أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي حامد العدوي المالكي الأزهري الخلوتي
الشهير بالدردير
العالم العلامة أوحد وقته في الفنون العقلية والنقلية، شيخ أهل
الإسلام، وبركة الأنام، له كلمات حسنة العبارة، وبديعة الحقيقة والاستعارة، كأنما هي بواكير الأثمار، أو يانع الأزهار، تدل على أنه قطب الفضائل، وفرد الأفاضل، وهو من رجال تاريخ الإمام المؤرخ الشيخ عبد الرحمن الجبرتي المسمى عجائب الآثار، في التراجم والأخبار، فقال في ترجمته، أسبغ الله علينا وعليهما سجال رحمته، ولد ببني عدي كما أخبر عن نفسه سنة سبع وعشرين ومائة وألف؛ وحفظ القرآن وجوده وحبب إليه طلب العلم فورد الجامع الأزهر وحضر دروس العلماء وسمع دروس الشيخ محمد الدفري، والحديث على كل من الشيخ أحمد الصباغ وشمس الدين الحفني وبه تخرج في طريق القوم، وتفقه على الشيخ علي الصعيدي ولازمه في جل دروسه حتى أنجب، وتلقن الذكر وطريق الخلوتية من الشيخ الحفني وصار من أكبر خلفائه كما تقدم، وأفتى في حياة شيوخه مع كمال الصيانة، والزهد والعفة والديانة، وحضر بعض دروس الشيخين الملوي والجوهري وغيرهما ولكن جل اعتماده وانتسابه على الشيخين الحفني والصعيدي، وكان سليم الباطن مهذب النفس كريم الأخلاق، وذكر لنا عن لقبه أن قبيلة من العرب نزلت ببلده وكبيرهم يدعى بهذا اللقب فولده جده عند ذلك فلقب بلقبه تفاؤلاً لشهرته، وله مؤلفات، منها شرح مختصر خليل أورد فيه خلاصة ما ذكره الأجهوري والزرقاني واقتصر فيه على الراجح من الأقوال، ومتن في فقه المذهب، سماء أقرب المسالك لمذهب مالك، ورسالة في متشابهات القرآن، ونظم الخريدة السنية في التوحيد وشرحها، وتحفة الإخوان في آداب أهل العرفان في التصوف، وله شرح على ورد الشيخ كريم الدين الخلوتي، وشرح مقدمة نظم التوحيد للسيد محمد كمال الدين البكري، ورسالة في المعاني والبيان، ورسالة أفرد فيها طريقة حفص، ورسالة في المولد الشريف، ورسالة في شرح قول الوفائية يا مولاي يا واحد يا مولاي يا دائم،
يا علي يا حكم، وشرح على مسائل كل صلاة بطلت على الإمام والأصل للشيخ البيلي، وشرح على رسالة في التوحيد من كلام دمرداش، ورسالة في الاستعارات الثلاث، وشرح على آداب البحث، ورسالة في شرح صلاة السيد أحمد البدوي، وشرح على الشمائل لم يكمل، ورسالة في صلوات شريفة اسمها المورد البارق في الصلاة على أفضل الخلائق، والتوجه الأسنى بنظم الأسماء الحسنى، ومجموع ذكر فيه أسانيد الشيوخ، ورسالة جعلها شرحاً على رسالة قاضي مصر عبد الله أفندي المعروف بططر زاده في قوله تعالى " يوم يأتي بعض آيات ربك " الآية. وله غير ذلك، ومما سمعت من إنشاده:
من عاشر الأنام فليلتزم
…
سماحة النفس وذكر اللجاج
وليحفظ المعوج من خلقهم
…
أي طريق ليس فيها اعوجاج
ولما توفي الشيخ علي الصعيدي تعين المترجم شيخاً على المالكية، ومفتياً ناظراً على وقف الصعايدة، وشيخاً على طائفة الرواق، بل شيخاً على أهل مصر بأسرها في وقته حساً ومعنى، فإنه كان رحمه الله يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويصدع بالحق ولا تأخذه في الله لومة لائم، وله في السعي على الخير يد بيضاء.
تعلل أياماً ولزم الفراش مدة، حتى توفي في سادس شهر ربيع الأول من سنة إحدى ومائتين وألف وصلي عليه بالأزهر بمشهد عظيم حافل، ودفن بزاويته التي أنشأها بخط الكعكيين بجوار ضريح سيدي يحيى بن عقب، وعندما أسسها ارسل إلي وطلب مني أن أحرر له حائط المحراب على القبلة، فكان كذلك، وسبب إنشائه للزاوية أن مولاي محمد سلطان المغرب كان له صلات يرسلها لعلماء الأزهر، وخدمة الأضرحة، وأهل الحرمين في بعض السنين، وتكرر منه ذلك، فأرسل على عادته في سنة