الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالإتقان، ومهر فيها حتى عد من الأعيان، ودرس في حياة شيوخه وأفتى، وهو شيخ بهي الصورة، طاهر السرية، حسن السيرة، فصيح اللهجة شديد العارضة يفيد الناس بتقريره الفائق، ويحل المشكلات بذهنه الرائق، وحلقة درسه عليها الخفر، وما يلقيه كأنه نثار جواهر ودرر، وله مؤلفات وتقييدات وحواش وكان له وظيفة الخطابة بجامع مرزة جربجي ببولاق ووظيفة تدريس بالسنانية أيضاً، وينزل إلى بلدة الجديه في كل سنة مرة، ويقيم بها أياماً ويجتمع عليه أهل الناحية، ويهادونه ويفصلون على يديه قضاياهم ودعاويهم وأنكحتهم ومواريثهم، ويؤخرون وقائعهم الحادثة بطول السنة إلى حضوره، ولا يثقون إلا بقوله. ثم يرجع إلى مصر بما اجتمع لديه من الأرز والسمن والعسل والقمح وغير ذلك ما يكفي عياله إلى قابل، مع الحشمة والعفة. توفي بعد أن تعلل أشهراً في أواخر شهر ذي الحجة، سنة اثنتين ومائتين وألف، وجهز وصلي عليه بالأزهر بمشهد حافل، ودفن عند شيخه الشيخ محمد الجداوي في قبر أعده لنفسه رحمه الله تعالى.
الشيخ حسن الكفراوي الشافعي الأزهري
يتيمة الدهر. وعلامة القطر. الفاضل الكامل. والعالم العامل. قال الإمام الجبرتي: ولد ببلده كفر الشيخ حجازي بالقرب من المحلة الكبرى، فقرأ القرآن وحفظ المتون بالمحلة، ثم حضر إلى مصر، وحضر شيوخ الوقت مثل الشيخ أحمد السجاعي والشيخ عمر الطحلاوي والشيخ محمد الحفني والشيخ علي الصعيدي، ومهر في الفقه والمعقول، وتصدر
ودرس وأفتى واشتهر ذكره، ولازم الأستاذ الحفني، وتداخل في القضايا والدعاوى وفصل الخصومات بين المتنازعين، وأقبل عليه الناس بالهدايا والجعالات، ونما أمره وراش جناحه، وتجمل بالملابس وركوب البغال، وأحدق به الأتباع، واشترى بيت الشيخ عمر الطحلاوي بحارة الشنواني بعد موت ابنه سيدي علي، فزادت شهرته ووفدت عليه الناس، وأطعم الطعام واستعمل مكارم الأخلاق، ثم تزوج ببنت المعلم درع الجزار بالحسينية وسكن إليها، فاجتمع عليه أهل تلك الناحية وأولوا النجدة والزعارة والشطارة، وصار لهم بهم نجدة ومنعة على من يخالفه أو يعانده، ولو من الحكام، وتردد إلى الأمير محمد بك أبي الذهب قبل استقلاله بالأمارة، وأحبه وحضر مجالس دروسه في شهر رمضان بالمشهد الحسيني. فلما استبد بالأمر ولم يزل يراعي له حق الصحبة ويقبل شفاعته في المهمات، ويدخل عليه من غير استئذان في أي وقت أراد، فزادت شهرته، ونفذت أحكامه وقضاياه، واتخذ سكناً على بركة جناق أيضاً، ولما بنى محمد بك جامعه كان هو المتعين فيه بوظيفة رئاسة التدريس والإفتاء ومشيخة الشافعية، وثالث ثلاثة المفتين الذين قررهم الأمير المذكور وقصر عليهم الإفتاء، وهم الشيخ أحمد الدردير المالكي والشيخ عبد الرحمن العريشي الحفني والمترجم، وفرض لهم أمكنة يجلسون فيها، أنشأها لهم بظاهر الميضأة بجوار التكية التي جعلها لطلبة الأتراك بالجامع المذكور، حصة من النهار في ضحوة كل يوم للإفتاء، بعد إلقائهم دروس الفقه، ورتب لهم ما يكفيهم، وشرط عليهم عدم قبول الرشا والجعالات، فاستمروا على ذلك أيام حياة الأمير.
واجتمع المترجم بالشيخ صادومة المشغوذ، ونوه بشأنه عند الأمراء والناس وأبرزه لهم في قالب الولاية، ويجعل شعوذته وسيمياه من قبي الخورق والكرامات، إلى أن اتضح أمره ليوسف بك فتحامل عليه وعلى
قرينه الشيخ المترجم من أجله، ولم يتمكن من إيذائهما في حياة سيده، فلما مات سيده قبض على الشيخ صادومة وألقاه في بحر النيل، وعزل المترجم من وظيفة المحمدية والإفتاء، وقلد ذلك الشيخ أحمد بن يونس الخليفي، وانكسف باله وخمد مشعال ظهوره بين أقرانه إلا قليلاً، حتى هلك يوسف بك قبل تمام الحول، ونسيت القضية، وبطل أمر الوظيفة والتكية، وتراجع حاله لا كالأول. ووافاه الحمام بعد أن تمرض شهوراً وتعلل، وذلك في عشرين شعبان من السنة الثانية بعد المائتين والألف، وصلي عليه بالأزهر بمشهد حافل، ودفن بتربة المجاورين.
ومن مؤلفاته إعراب الآجرومية وهو مؤلف نافع مشهور بين الطلبة، وكان قوي البأس شديد المراس، عظيم الهمة والشكيمة، ثابت الجنان عند العظائم، يغلب على طبعه حب الرياسة، والحكم والسياسة، ويحب الحركة بالليل والنهار، ويمل السكون والقرار، وذلك مما يورث الخلل، ويوقع ف الزلل، فإن العلم إذا لم يقرن بالعمل، ويصاحبه الخوف والوجل، ويجمل بالتقوى ويزين بالعفاف، ويحلى باتباع الحق والإنصاف، أوقع صاحبه في الخذلان، وصيره مثلة بين الأقران، كما قال البدر الحجازي رحمه الله تعالى:
إذا بعبد أراد الله نائبة
…
أعطاه ما شاء من علم بلا عمل
فعده لاصطياد المال مصيدة
…
يعدو به عدو معدود من الهمل
مثل الحمار الذي الأسفار يحملها
…
وما استفاد سوى الإجهاد والملل
يقول بالأمس عند القاضي كنت كذا
…
عند الأمير وقد أبدى البشاشة لي
وقام لي وبقدري قام أطعمني
…
حلوى وألبسني الحالي من الحلل
ومن مكاني والحكام طوع يدي
…
وأين مثلي وما في الكون من مثلي
أجيد فقهاً وتفسيراً ومنطق مع
…
علم الحديث وعلم النحو والجدل
وغيرها من علوم ليس من أحد
…
يحاول البعض منها غير منخذل