الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة على ما قيل، بنحو مائة ألف ويقولون هذا قليل. مات نهار الأحد ثامن شهر شعبان سنة إحدى وتسعين ومائتين وألف ودفن عند قبور بني المرتضى في مقبرة باب الصغير قرب قبور الزوجات الطاهرات.
السيد سليم أفندي بن نسيب أفندي بن السيد حسين بن السيد يحيى حمزة
الشريف العابد، والعفيف الزاهد، المعروف بين الناس بالتقوى والديانة، والعفة والصيانة، وكان عالماً عاملاً، هماماً فاضلاً، كثير التباعد عن الناس، له بالعزلة راحة واستئناس، وكان في أكثر أوقاته معتكفاً في مشهد سيدنا الحسين في جامع بني أمية، وكان له بعض صنائع غريبة ودقائق عجيبة، يصرف منها على نفسه طلباً للحلال وبُعداً عن الحرام من الأموال. مات رحمه الله وأحسم مثواه، في خامس وعشرين من ذي القعدة الحرام سنة ألف وثلاثمائة وسنة واحدة، ودفن في مقبرة الدحداح قرب قبر والده.
السلطان سليم خان الثالث بن السلطان مصطفى بن السلطان أحمد الثالث
ولد سنة ألف ومائة وخمس وسبعين، وجلس على تخت الملك عام ألف ومائتين وثلاثة في ثاني عشر رجب، ففي الحال اخذ بتدبير الأحوال لينجو بصلاح الدولة من وبال النكال، فبعث بالجيوش لقتال روسيا والنمسا، وأخيراً تداخلت بروسيا وإنكلترا، فعقد الصلح مع النمسا
ثم مع روسيا، فسر أهل العاصمة بالصلح، على أن أخبار سوريا ومصر لم تكن مرضية للدولة، وكان السلطان المشار إليه قد رأى مضرة الإنكشارية وتجاوزهم الحدود فرغب أن يلاشي وجاقهم ويقيم مكانهم عسكراً جديداً على الطريقة الإفرنجية، لأن الإنكشارية كانوا قد زعزعوا أركان السلطنة بعصيانهم وعدم انقيادهم، وكان قد نظم في العام الماضي بعض الفرق من النظام الجديد، فهاج الإنكشارية من ذلك، وأثاروا في القسطنطينية شغباً عظيماً يطول الكلام بذكره، واعتصبوا عصبة واحدة، وكان موافقاً لهم على منع النظام الجديد عطا الله أفندي شيخ الإسلام وقائمقام الصدر الأعظم، فقوي أمرهم به وقال لهم أنه لا يجوز أن تكون عساكر الإسلام مشبهة بالكفار، وحيث أحدثوا النظام الجديد كانوا متشبهين بالكفار، فقويت هذه الحجة في صدورهم وقالوا سيروا بنا لنلاشي النظام الجديد وننتقم من الوزراء الذي أفسدوا طهارة الإيمان بأفعالهم الشنيعة، وتحالفوا على ملاشاة وجاقات العساكر الإنكشارية، الذين هم عمدة مملكة الدولة العلية، وبعد هذا الحديث أخرجوا ورقة فيها أسماء بعض أشخاص من رجال الدولة يريدون قتلهم، أرسلها إليهم المفتي عطا الله أفندي، فأخذوا يتلونها ويسمون الأشخاص الذين يرون قتلهم، ثم ساروا يفتشون عليهم فوجدوا بعضاً منهم فقتلوهم، واختفى كثير منهم
في بيوت النصارى واليهود، وقتلوا خلقاً كثيراً، واحضروا سبعة عشر رأساً من أعظم رجال الدولة، ودام الدم جارياً في القسطنطينية ثلاثة أيام، ثم صمموا على طلب السلطان سليم والقبض عليه ليخلعوه، وصاروا يقولون يا أيها السلطان المغشوش بهذه التعاليم أنسيت أنك أمير المؤمنين، وعوضاً عن اتكالك على الله القادر العظيم الذي يبدد بدقيقة واحدة الجيوش الكثيرة العدد وأردت أن تشبه الإسلام بالكفار وأغضبت الله فكيف يسوغ لك أن تكون أمير المؤمنين، ومحامياً عن الدين، فالعساكر المحافظة على كرسيك لم يعد لهم ثقة بك، والمملكة أضحت مضطربة فيجب عليك أن تلاحظ وتفضل على كل شيء الإيمان وسلامة الإسلام. وبعد كلام كثير صارت قراءة الفتوى التي مضمونها أن السلطان الذي يخالف القرآن الشريف هل يترك على تخت السلطنة الجواب كلا، ثم قال القارئ قد صار معلوماً عندكم أنه تحتم عزل السلطان فما قولكم الآن؟ هل تسلمون له يفعل ما يخل بالإسلام، فصرخت العساكر كلا ثم كلا لا نقبله سلطاناً علينا فليعزل، وصرخوا باسم السلطان مصطفى بن السلطان عبد الحميد وقالوا ليعش السلطان مصطفى، وأرسلوا المفتي إلى السلطان سليم ليتنازل عن السلطنة من دون مقاومة، فدخل عليه متذللاً منخفض الرأس قائلاً يا مولانا إني قد حضرت بين يديك برسالة محزنة أرجوك قبولها لتسكين الهيجان، وليس خافياً على مسامعكم الشريفة بأن العساكر الإنكشارية قد نادوا باسم السلطان مصطفى ابن عمك سلطاناً عليهم، فالآن لا سبيل إلى المقاومة فالتسليم لآمر الله أوفق من كل شيء، فلم تظهر على السلطان سليم كآبة من هذا الحديث، وقبل كلام المفتي ونزل عن السلطنة، وكان ذلك في إحدى وعشرين من ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين ومائتين وألف، فمدة سلطنة المترجم ثمانية عشر عاماً وثمانية أشهر،
وبينما كان ذاهباً يختلي في مكان منفرد عن السرايا التقى بالسلطان مصطفى قادماً ليجلس مكانه على تخت السلطنة، فقال له: يا أخي أهبطني الله من العرش العتيد لأن تجلس عليه أنت، لأنني أردت وضع تنظيمات لتقوية المملكة والدين، وإصلاح حال العساكر الذي جهلوا تعليمهم وتركوا قوانينهم، فهاجت عليَّ العساكر مع بعض رجال الدولة وأرسلوا يطلبون مني التنازل عن تخت السلطنة، ونادوا باسمك، وها أنا ماض بكل رضا أعيش منفرداً، وأما أنت فإنك سعيد أكثر مني، فأرغب إليك أن تسلك معهم بالحكمة اللازمة الحسنى؛ فلم يصغ السلطان مصطفى لكلام السلطان سليم، وأراد السلطان سليم أن يعانقه فلم يمكنه من معانقته، فلما وصل السلطان سليم إلى المكان الذي يريدون وضعه فيه وجد السلطان محموداً أخا السلطان مصطفى ماكثاً في ذلك الموضع، عليه آثار
الرقة والنباهة، وعندما شاهد السلطان سليم التقاه فقبل يده ذارفاً دموعاً غزيرة، فحرك السلطان سليم إلى البكا، وجلسا في ذلك الموضع وطال ما كانا يتحدثان دائماً بالأمور المشيدة أركان الدولة والدين وتمام القصة يأتي في مكانه. قة والنباهة، وعندما شاهد السلطان سليم التقاه فقبل يده ذارفاً دموعاً غزيرة، فحرك السلطان سليم إلى البكا، وجلسا في ذلك الموضع وطال ما كانا يتحدثان دائماً بالأمور المشيدة أركان الدولة والدين وتمام القصة يأتي في مكانه.