الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولد المترجم بدمشق الشام، وأخذ عن السادة العلماء الأعلام، منهم العلامة السيد نجيب القلعي الدمشقي، والشيخ محمد الكزبري، وغيرهما من الشيوخ الدمشقيين، وكان صالحاً عابداً، محترماً نقياً زاهداً، نير الوجه حسن الأخلاق، بين اسمه ومعناه حسن الطباق، مات سنة عشرين ومائتين وألف ودفن في تربة باب الصغير رحمه الله.
توفيق باشا بن إسماعيل باشا بن محمد علي باشا الخديوي
غب أن عزلت الدولة العثمانية إسماعيل باشا ولت مكانه ولده المرقوم محمد توفيق باشا، فسافر إسماعيل باشا بحريمه وأبنائه إلى مملكة إيطاليا ونزل في نابلي بقصر لحكومة إيطاليا، وتصرف المترجم في سياسة مصر وحكومتها، وذلك سنة ألف ومائتين وست وتسعين، فغير وبدل، ونصب وعزل، فجعل رئيس الوزارة رياض باشا، وجعل من كل من فرانسا وانكلتيرة مراقباً مالياً يحضر مجلس الوزراء وله صوت فيه بحيث لا يكون ولا ينفذ إلا ما وافق عليه المراقبان، وقسمت مداخيل الحكومة على قسمين، أحدهما لفائض الديون، وقدر تلك الديون نحو ألفي مليون فرنك، ومقدار ما عين لفائضها واستهلاك أصلها نحو مائة وستين مليون فرنكاً سنوياًن والباقي من مداخيل الحكومة يدفع منه خراج الدولة العثمانية وبقية مصاريف الحكومة، وجرى التصرف للوزارة بدون مجلس نواب، مع وعد الخديوي عند ولايته بفتحه، وإجراء
مقتضاه، إلى أن ظهر للوزارة أن تحدث قانوناً في ترتيب ترقي العسكر، كان من مقتضاه أن أبناء مصر العارفين بالكتابة والقراءة لا يتجاوزون رتبة رئيس الألف المسمى عند الناس بالبين باشي، والذي لا يعرف ذلك لا يستولي إلا رتبة عشرة أنفس، وهو المعروف بالأونباشي، وبقية المصالح العظيمة، والرتب الجسيمة، يتولاها الدخيلون في مصر كالترك والإفرنج فامتنع من الإمضاء على القانون في وزارة الحرب عدة من أمراء الألايات، متعللين بأن ذلك خلاف الإنصاف، فسجنهم وزير الحرب، فثارت العساكر وأخرجوهم من السجن، وأحاطوا بقصر الخديوي طالبين عزل وزير الحرب، فعزل وحصلت حينئذ طنطنة لاتحاد العساكر وإنصافهم وحياة المصريين، ونشأ فيهم حزب يسمى الحزب الوطني زعيمه في الكلام رجل يسمى عبد الله نديم، فصيح اللسان، عارف بطرق الكلام، وكثرت منه الخطب في المجامع والمواكب، ومن غيره أيضاً في الحث على الاتحاد، وأخذ الأشغال لأبناء الوطن، وكذلك الوظائف والخروج من وطأة الأجانب الذين اشتد احتقارهم للأهالي واستبدادهم عليهم بالمرتبات الباهظة، حتى صار يسمع دوي غليان الأهالي من كثرة توظيف الأجانب الذين بلغ عددهم نحو ألف ومائتي متوظف، يأخذون سنوياً نحو أحد عشر مليون فرنكاً، مع اقتدار الأهالي على الوفاء بتلك الوظائف، ونقصان مرتبهم عن ذلك بكثير، ثم بدا للوزارة لزوم التنقيص من عدد العساكر، فثار الجند وأحدقوا بقصر الخديوي متسلحين حتى بالمدافع، بعد أن أرسلوا إلى نواب الدول بالأمن عليهم وعلى رعاياهم، والإعلام بمقاصدهم وكان رئيس ذلك الاتحاد رجل من أهل مصر في رتبة أميرالاي، فصيح اللسان، ثبت الجنان، اسمه عرابي باشا فطلب هو ورؤساء الجيش الاجتماع بالخديوي، فلما تيقن الخديوي جد طلبهم بواسطة خطاب قنصل الانكليز معهم تلقاهم فأعلموه بأن مطلبهم هو عزل الوزارة وولاية
رئاستها لشريف باشا وجمع مجلس النواب وإجراء قراره حقيقة، وأن تكون له الحرية اللازمة لمثله، وأنه لا يمس حقوق الأجانب، وتعهدات الحكومة معهم، فلم يسع الحال إلا لقبول جميع المطالب وإجرائها فعلاً، وازداد عرابي نفوذاً، وانطلقت الألسن بالحرية، فلما اجتمع مجلس النواب ألف قانونه الذي تبتنى عليه أحكامه، وكان من جملته أنه له الحق في الاطلاع على حساب الحكومة في الحال، وله الرأي فيه، مع أن ذلك من خواص مأمورية المراقبة الفرنساوية والانكليزية، فامتنعت وزارة شريف باشا من قبول ذلك، لما تعلم من تداخل الدولتين في الامتناع حتى يفضي إلى التداخل في السياسة، فأصر المجلس على طلبه، وأظهرت العساكر التعصب للمجلس، فاستعفى شريف باشا ووزراؤه ومن هنا خرجت الأعمال عن القصد الجميل لما يوقعها في الزوال، لأن العاقل ينظر لجميع مقتضيات الحال، ونسبة قوة الدول، فيتباعد عن موجبات الفساد، ولا تطلب النهايات في البدايات كما هو القاعدة الشهيرة القائلة من طلب الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه، لكن سبق القدر فلم يتدبروا واستعجلوا فأصروا على طلبهم، ففوض الخديوي انتخاب الوزارة إلى المجلس مع أنه من حقوقه، تطييباً لخاطر الأهالي، فاستولى رئاسة الوزارة محمود سامي، واستولى وزارة الحرب عرابي باشا، وابتدأ من هنا أيضاً الاعتراض عليه من العقلاء في قبول الوزارة، لأن مقامه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يأبى قبوله الوزارة، لأن قبوله يوقعه في التهمة من أنه له غرض خاص في أمره بالمعروف ونهيه عن
المنكر، وهو ارتقاؤه إلى المناصب العالية، سيما بعد أن رقى من كان معه من رؤساء العساكر إلى رتبة اللواء وقبل هو من الخديوي بعد الإلحاح عليه فوافقت الوزارة رأي المجلس، وكانت إذ ذاك ألسن الأهالي بذية مطلقة بالقدح في الأروباويين، والتبجح بما هم عليه مما أسف عليه عقلاء المسلمين.، وهو ارتقاؤه إلى المناصب العالية، سيما بعد أن رقى من كان معه من رؤساء العساكر إلى رتبة اللواء وقبل هو من الخديوي بعد الإلحاح عليه فوافقت الوزارة رأي المجلس، وكانت إذ ذاك ألسن الأهالي بذية مطلقة بالقدح في الأروباويين، والتبجح بما هم عليه مما أسف عليه عقلاء المسلمين.
يمضي على المرء في أيام محنته
…
حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن
فهاجت صحف أوربا ضداً عليهم، وأشدهم الفرنساويون والإنكليزيون، حتى أبرقت وأرعدت دولتاهم متهددين بالحرب، طالبين نفي عرابي وبعضاً من رؤساء العسكر الذين راقوا إلى رتبة اللواء، وإرجاع وزارة شريف باشا ودحض مطلب مجلس النواب في التداخل في أمر المراقبة، فوقع اضطراب وهيجان ظهرت فيه دعوى على بعض من العساكر الجراكسة، بأنهم قصدوا قتل عرابي بإغراءات سرية منسوبة إلى طلعة باشا أحد علائق إسماعيل باشا فنفيت أولئك الجراكسة إلى الآستانة، وبقوا فيها تحت الحفظ مكرمين في أحد البناءات السلطانية، إلى أن رجعوا بعد الحرب الآتي ذكره، فلما أصرت الدولتان على ذلك، أعلن الخديوي بعزل الوزارة، فثارت الأهالي والعساكر وألزموا الخديوي بإرجاع عرابي إلى وزارته، وحضر إذ ذاك مرخص عثماني، وهو المشير درويش باشا ومعه عدة رجال لإقرار الراحة في مصر بالوجه السياسي، لأن الأهالي أيضاً أكثروا من التنويه بانتمائهم للدولة العثمانية، ووردت منها أفراد على الوجه الخصوصي من قبل لإراحة الأهالي، وكان الخلاف بين عرابي والخديوي عند قدوم درويش باشا مشتداً حتى ظهر الخبر بأن الاهالي قدموا عرض محضر بطلب عزل الخديوي عند قدوم درويش باشا بل تفاقم الطمع إلى إخراج الخديوية عن عائلة محمد علي أصلاً، وطلب أن تكون مصر مثل البلغار في امتيازاتها التي منها اختيار الوالي، وأن لا تتداخل فيهم الدولة العثمانية بشيء في إدارتهم، بل تحرشت صحفهم بأنها لو ترسل عساكر ضدهم فإنهم يقاتلونهم كما يقاتلون سائر الدول، وحينئذ أعلنت كل من فرانسا وإنكلتيرة بإبقاء الخديوي ونفوذه، وقطع دابر مضاده بالقوة الجبرية، غير أن فرانسا تطلب أن تكون قوتها وقوة الإنكليز هي الفعالة، ولا تسمح للدولة العثمانية بذلك، وإنكلتيره على
ضدها، فتطلب مبادرة عساكر الدولة العثمانية لذلك، فرأت الدولة العثمانية أن فصل النازلة يتم بدون احتياج إلى قوة، وأرسلت درويش باشا ومن معه لذلك، وحصل من قدومه ما أغاظ كثيراً من الأروباويين لانقياد العساكر المصرية والأهالي للسلطان، وامتثال أمره وابتداء السكون والتوافق بالرضى بالحصول شيئاً فشيئاً، لكنه حدث في اسكندرية التي كانت إذ ذاك مرساها غاصة بأساطيل الدول الأروباوية، حادثة شنيعة وهي قتال بين المسلمين والنصارى السكان بسبب مشاجرة عادية، فطبل الأروبايون وزمروا حتى توجه الخديوي ودرويش باشا وعرابي إلى الإسكندرية لإقرار الراحة، واقر الدول جميعاً أن الواقعة عادية لا دخل لها في السياسة، غير أن أصل المسألة من إصرار الدولتين على مطلبهم، وامتناع أهالي مصر لا زال على ما كان، وفرانسا أشد إقداماً وتهديداً بإعلان الحرب، وطلبت انكلتيره عقد مؤتمر في الآستانة لما يجب من العمل، فامتنعت الدولة العثمانية من التداخل فيه لما لها من حتى السيادة وحدها على مصر، فرأت أن ذلك من باب تداخل الدول في داخليتها، لكنهم عقدوه ودخلت فيه الدولة العثمانية أخيراً، وبينما هو في التفاوض كانت العساكر المصرية تصلح في حصون الاسكندرية حيث أنها خربة ولا استعداد فيها، لأن الدولة العثمانية كانت حجرت على إسماعيل باشا تحصينها عندما أحكم حصن أبو قير جوار الاسكندرية، وحصون دمياط وغيرها لما سبقت الإشارة إليه في أخبار إسماعيل باشا، ولما رأت أساطيل الدولتين ذلك التحصين ادعوا أنه تهديد لهم، وطلبوا الإقلاع عنهن فأمرت الدولة العثمانية بالكف عن التحصين، وادعى المصريون الامتثال، وادعى رئيس أسطول الانكليز عدمه، وطلب دخول عساكره إلى الحصون فتفاقم الخلاف وأطلقت النيران من الأسطول الانكليزي على الاسكندرية فخربتها في نحو عشر ساعات،
وتضررت بعض مدرعاته، وانحازت العساكر المصرية إلى مكان يسمى كفر الدوار، وجيشوا هناك، واستولت العساكر الانكليزية على الاسكندرية وبقي الخديوي فيها، وانكشف الغطاء على مخالفة العساكر للخديوي، وكان معه درويش باشا المذكور، فرجع إلى الآستانة وبقي مع الخديوي الكاتب الثاني للسلطان، واشتد إلحاح الانكليز على الدولة في إرسال العسكر، ولم ترسل الدولة إلى أن وقعت عدة محاربات برية، كان النصر فيها للمصريين، واستولت انكلتيره على برت سعيد وسائر خليج السويس، وكان أكبر المعسكرات المصرية في التل الكبير بين القاهرة والإسماعيلية، وتضايق الإنكليز في لزوم قوة كبيرة لهم لإتمام قصدهم
لأن فرانسا لما فتح مجلس نوابها لاستشارته في حرب مصر أنكر ذلك أشد الإنكار، فسحبت أسطولها وبقيت على الحياد، والدولة العثمانية وإن وافقت أخيراً على إرسال عسكرها لكن تشدد الإنكليز في جعله تحت أمرهم، وأن لا يتصرف إلا على نحو إشارتهم، وأن يخرج متى ما أمروه بالخروج ألزم تأخر إرساله، وكان تصرف العساكر المصرية بغاية الاحتراز من الأفعال البربرية، سوى ما صدر من أفراد من العربان والفلاحين في جهات قليلة، وبينما الأمر على ذلك وإذا بالدولة العثمانية نشرت إعلاناً حسب طلب انكلتيرة، بأن عرابي وكل من انحاز إلى حزبه عصاة، فلم يمض على ذلك بضعة أيام إلا وقد انحلت عرى التعصب المصري، ودخلت العساكر الانكليزية إلى القاهرة بدون أدنى حرب ولا معارضة، مع أن الجيش المصري ومن انضم إليه من العربان وغيرهم المتجاوزين المائة ألف والخمسين ألف محارب بأتم قوات الاستعداد، فتفرقوا جميعاً أيدي سبا في بضع ساعات، وسلم عرابي نفسه أسيراً إلى الانكليز، فرجع الخديوي إلى مصر وأقيم وكيل مدافع انكليزي عن رؤساء العساكر المصرية، وآل الأمر