الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحصل له الإذن من ولد الأستاذ المرقوم بأن يعطي الطريق لمن شاء ممن فيه أهلية للأخذ، وأن يقيم الأذكار على شرط الطريق المعروف عند أهله ولم يزل هذا المترجم في علم وعمل وطاعة وعبادة وصيانة وتقوى، يحب التودد إلى إخوانه، ويذهب إلى زيارتهم بقدر إمكانه، مع قيامه بوظيفة الإفادة، وإقامة الأذكار حسب العادة، وله تمسك بالسنن، وميل إلى العمل بها جميل حسن، وللناس به اعتقاد عظيم، ونظر إليه بعين التعظيم، غير أنه له أطوار، فربما يكون في غاية البسط فتجذبه في الحال إلى الأكدار، فيغلب عليه السكوت، ويظهر عليه أنه مقهور ممقوت، وهذه كثيراً ما تحصل لأهل الطريق، ويعتريهم به غاية الضيق، وعلى كل حال فالله هو المتصرف بعباده كيف يشاء، وهذا يجعله ممن أحسن وهذا ممن أساء، فهذا المترجم ممن يحق له أن يذكر، ويثنى عليه بين الناس بالجميل ويشكر، وفقنا الله وإياه لطاعته، وأحسن غلينا بجميل عنايته. توفي رحمه الله تعالى أثناء سنة ألف وثلاثمائة وإحدى وثلاثين ودفن في باب الصغير.
سليم أفندي بن أنيس أفندي بن قصاب حسن
أقسم بالشمس والقمر، ونسيم الصبا إذا سرى في السحر، لهو البليغ الذي فاق نظمه ونثره، وراق لدى الأسماع سجعه وشعره، له خلق أرق من النسيم وأعذب، وكلام ألذ من سماع العود وأطرب، وأوصاف كالروض إذا ثغْرُ أقاحه تفلَّج، ومائس غصنه بأنواع الزهر تاه وتبرج، وفصاحة ألانت له عصي الكلام، وبلاغة طوعت له أبيَّ النظام، فمن نظمه الزاهي الزاهر، وشعره الباهي الباهر، وقوله:
أبى الله إلا أن أبيت معذباً
…
وأن لا أرى غير المحبة مذهبا
بروحي غزالاً إن تمايل أو رنا
…
فلا تذكروا الأغصان بعده والظبا
فإن اشتغالي بالذي هو يرتضي
…
وفيه، فلا أما أبر ولا أبا
حملت الأسى حرصاً على وده وقد
…
أضعت شبابي في هواه تسيبا
خلعت شعوري والتنسك والهدى
…
وأصبحت في برد الضلال مجلببا
سهوت عن الدنيا وديني كأنما
…
عليَّ إلهي ما أسن وأوجبا
أروح وأغدو بين قومي كأنني
…
مسيئ ومِخْطاء، وما كنت مذنبا
ذليل ومالي بالوضيع وإنما
…
غرامي دعاني أن أذل وأغلبا
وقوله:
يا بدر ما هذا التجني والقلى
…
ما كان ظني فيك ترعى العذلا
أوليتهم حسن الوفاء وخنتني
…
بقبيح هجر ليت ما كانوا ولا
أجهلت ودي فيواك صيانة
…
الله أكبر ما أود وأجهلا
هل قد نسيت العهد أم أنقضته
…
بالله فاذكر ما تقضى أوَّلا
مهلاً أبعد تعطف وتلطف
…
مني تبلغ حاسدي ما أملا
وقوله:
كم ذا وكم هذا العذاب الأكبر
…
وإلى متى هذا المنون الأحمر
يا قلب فارجع عن قريب وارتقب
…
مولاك بي إن الطريق لمخطر
إذا لم تطع نصحي ضلالاً بالهوى
…
ودّع حياتك فاللقاء المحشر
وقوله:
عاقب بما تبغي سوى الإعراض
…
وافعل كما تختار إني راضي
واسمح ولا تسمع كلام مفَّوه
…
بالسوء قد أفشي الجفا أمراضي
إني على العهد القديم محافظ
…
ما خنت ودّاً قد زكا في الماضي
يا حبذا موتي بحبك إن تكن
…
بالصد والهجر المحتم قاضي
لو كان يدري حالة الولهان
…
ما جار بالأعراض والهجران
ظبي سلا في حبه قلبي وما
…
حدثت نفسي عنه بالسلوان
أمسي وأصبح في هواه كأنني
…
سكران نشوان بخمر دنان
أواه من لوم العواذل إنه
…
قد زادني ناراً على نيران
بالله بلغ يا صبا إن جزته
…
أشواق صب بالمحبة فاني
حيران سهران الظلام متيم
…
يرعى النجوم بناظر هتَّان
وله
ما الهوى إلا هوان واكتئاب
…
واحتراق واشتياق واضطراب
نعمة قل إن تشا في نقمة
…
أو بلاء أو نعيم في عذاب
ليس تعداد الليالي فائداً
…
إنما قد زاد نيراني التهاب
إن نأى يا طول تسهيدي به
…
أو دنا لم يشف قلبي الاقتراب
وقال في ذات مخصوصة مما ظاهره الهجاء، وباطنه المداعبة والمجون:
ما هام هذا الشيخ فينا وافتخر
…
إلا على حب الطعام المفتخر
ظهرت مناقبه الحسان وداره
…
عنا توارت ليس يدركها البصر
أمسى بداره المطعمين منعما
…
وبداره يلقى عذاباً من سقر
إن هلَّ يوم العيد هللَّ فرحة
…
وإذا أتى شهر الصيام نوى السفر
شيخ إذا ما مد يوماً باعه
…
لم يبق شيئاً في الخوان ولا يذر
تلقى الصحون لديه ترجف خيفة
…
فيجيبها أين المفر من القدر
أسنانه مثل المناجل ما ورا
…
ء حصادها لقط يراه من اغترر
فالويل للقبوات من وثباته
…
والسحق للحلواء منه إن حضر
كره الزحام على الطعام لذا غدا
…
يبدي التعامي عنه في غض النظر
تباً له بئس الأكول فإنه
…
لو حل في دار النجاشي لافتقر
صادفته متحيراً والوقت في
…
شهر الصيام فقلت ما هذا الخبر؟
فأجابني دعني فإن حماقتي
…
قد أورثتني من تجنيها الكدر
أقسمت شهري لا أجيب لدعوة
…
وظننت ظن الخير في صبري عذر
فمتى زمان النحس عني ينقضي
…
وأرى ليالي المحق تظفر بالقمر
حتى أجيب لكل داع مسرعاً
…
وأسير لو أن الطريق على خطر
وله:
خسف البدر وقد تم الأمر
…
وبدا في خده داجي الشعر
ذهب الحسن الذي قد غره
…
واسترحنا من دلال كان مر
وقال مؤرخاً:
لقد ولدت لك العرجاء مهراً
…
فدع زوراً دعاء البضع عنكا
نعم لاحت علائم فيك منه
…
وفيه بدت علائم أشبهتكا
وما هو منك عبد الله أرخ
…
بلى لو جاء بغلاً كان منكا
وقال:
ما لهذا الحب آخر
…
لا ولا للصب ناصر
ما احتيالي عز صبري
…
والهوى أبدى السرائر
لست أخلو من حسود
…
أو عذول دام غادر
إن سها عني رقيبي
…
جاء يرنو ألف ناظر
أو نأى عني عذولي
…
كان سقمي فيه حاجر
ليتني قبل الهوى لو
…
أنني زرت المقابر
ليت شعري اليوم هل لي
…
بالهوى العذري عاذر
بأبي الظبي المفدى
…
أكحل العينين ساحر
إن رنا باللحظ عجباً
…
قلت يا هاروت حاذر
بدر حسن تم وصفا
…
إن بدا أسبى الحرائر
حبه سلَّ شعوري
…
يا ترى بالحال شاعر
حسنه جرد نسكي
…
وهو بالإحسان غامر
عادل الأعطاف لكن
…
لحظه بالفتك جائر
صرت من وجدي عليه
…
مثلاً في الناس سائر
عاذلي فنَّد وأوَّل
…
فعلى الباغي الدوائر
واتق الرحمن واحذر
…
إن طرف الصب ساهر
وقال في نوع الاطراد:
أيها الراوي أحاديث الشجن
…
بالهوى العذري خذ عن مؤتمن
عن سليم بن أنيس بن سليم
…
بن حسان بن قصاب حسن
وقال مادحاً حضرة الشهم الأديب حسن أفندي بيهم
حبذا موردها بيروت من
…
بلدة قد برعت في كل فن
أشرقت تزهو بأبهى فتية
…
لم تجد فيهم فتى إلا حسن
وقال مجيباً عن هذا اللغز الوارد من جناب الأديب الفائق الشيخ محمد عجم الحمصي
قل للأجل الأمجد السامي المقام الأوحد
حييت من خل سليم القلب حلو المورد
ما اسم رباعي نصفه
…
أراه فر من اليد
والنصف أفتن عاشقاً
…
يحكيه ميد الأملد
جزآن منه صيرا
…
ني رق ظبي أغيد
بالبسط ثاني حرفه
…
البر منه تجتدي
هو صالح ذو رفعة
…
بالقطب دوماً يقتدي
هات الجواب بسرعة
…
لتنال أسنى السؤدد
الجواب:
يا من سما بالسؤدد
…
أسنى المقام الأمجد
أهديت لغزاً سامياً
…
في نجم سعدك يقتدي
اسم رباعي حكى
…
وجه الحبيب الأغيد
اسم وكم منه إلى
…
فعل وحرف تهتدي
النصف فر ونصفه
…
قدَّ يقدُّ تجلدي
أصبحت رقاً بالهوى
…
مذ قر في قلبي الصدي
بالقلب درَّ شطره
…
قف ما تبقى واشهد
تلقى بحذفك لامه
…
فرقاً بدا كالفرقد
هذا الجواب فأرتجي
…
إغضاء طرْفك سيدي
وقال:
ما بال قلبك قد غدا متقلباً
…
أيُلام ولهان ولم يك مذنباً
ما كان عهدي في ودادك جفوة
…
من غير داع بالمحبة أوجبا
ولما نظم ديوانه المسمى بنشاة الصِّبا، ونسمة الصِّبا، وطبعه في خامس عشر شوال سنة ألف ومائتين وثمان وتسعين، أرسل لي نسخة فأرسلت له تقريظاً على الديوان المذكور إلا أنه قد كان طبع فلم يمكن إلحاقه، وقد أرسل إليَّ هذه القصيدة:
أمن طرفه الوسنا أم ثغره الحالي
…
دعاني الهوى نشوان أغفل عن حالي
أم الغمز في عينيه أوحى مراسلاً
…
فؤادي بما أوحى فهيج بلبالي
غزال له قلب المحبين مرتع
…
ولم بلف قلباً من محبته خالي
هو البدر إلا أن آية حسنه
…
مرتلة لم يتلها بالسنا تالي
سلا القلب جوراً وهو فيه فليته
…
رعى حق جارٍ لم يكن قطُّ بالسالي
له الله ما أحلى زماناً قضيته
…
بلقيائه أُنساً على رغم عُذالي
ذوى بعده عود اصطبار يوعوده
…
كعود صبا الأشياخ والهرم البالي
قطعت الرجا من وصله وأنخت في
…
حمى عبد رزاق الورى ركب آمالي
هو العالم النحرير والعامل الذي
…
تجرد للمولى عن الآل والمال
إمام لأفراد الفضائل جامع
…
يؤم ذرى عليائه كل مفضال
إذا ماد في ميدان فن يراعه
…
وجال بأفكار جلا كل إشكال
كساني بروداً من نسيج قريضه
…
فبت على الأقران أسحب أذيالي
وقلدني من بحره عقد جوهر
…
نظيماً ولكن لا يليق بأمثالي
وقابل حظي منه أسعد طالع
…
فحققت وهما نجم نحسي بإقبال
فلا زال في جبر الكسير ملاطفاً
…
مدى الدهر ما المشتاق حن لآطلال
ولد هذا الشهم الأديب، سنة ألف ومائتين وستين بوجه التقريب، ولم يزل بحمد الله على أحسن حال، وأهنأ عيش وأعلى كمال، كلامه لطيف ومقامه منيف وسيرته حسنه، وصفاته مستحسنة، أطال الله بقاه، وأعلى حظه ومرتقاه.