الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ محمد بن أحمد بن حسن بن عبد الكريم الخالدي الشافعي الشهير بابن
الجوهري
الإمام الألمعي والذكي االلوذعي، من عجنت طينته بماء المعارف وتآخت طبيعته مع العوارف، العمدة العلامة والنحرير الفهامة، فريد عصره ووحيد دهره، وهو أحد الإخوة الثلاثة وأصغرهم ويعرف هو بالصغير.
ولد سنة إحدى وخمسين ومائة وألف، ونشأ في حجر والده في عفة وصون وعفاف، وقرأ عليه وعلى أخيه الأكبر الشيخ أحمد، وعلى الشيخ خليل المغربي والشيخ محمد الفرماوي وغيرهم من فضلاء الوقت، وأجازه الشيخ محمد الملوي بما في فهرسته. وحضر دروس الشيخ عطية الأجهوري في الأصول والفقه وغير ذلك، فلازمه وبه تخرج في الإلقاء، وحضر الشيخ علي الصعيدي والبراوي، وتلقى عن الشيخ حسن الجبرتي كثيراً من العلوم، ولازم التردد عليه والأخذ منه مع الجماعة ومنفرداً، وكان يحبه ويميل إليه ويقبل بكليته عليه.
وحج مع والده في سنة ثمان وستين وجاور معه، فاجتمع بالشيخ السيد عبد الله الميرغني صاحب اللطائف، واقتبس من فوائده واجتنى من ثماره، وكان آية في الفهم والذكاء، والغوص والاقتدار على حل المشكلات، وأقرأ الكتب وألقى الدروس بالأشرفية، وأظهر التعفف والانجماع عن خلطة الناس، والذهاب والترداد إلى بيوت الأعيان، والتزهد عما بأيديهم، فأحبه الناس وصار له أتباع ومحبون، وساعده على ذلك الغنى والثروة وشهرة والده وإقبال الناس عليه ومدحتهم له وترغيبهم في زيادته، وتزوج ببنت الخواجا الكريمي وسكن بدارها المجاور لبيت والده بالأزبكية، واتخذ له مكاناً خاصاً بمنزل والده يجلس فيه في أوقات، وكل من حضر عند أبيه في حال انقطاعه من الأكابر أو من غيرهم للزيارة أو للتلقي، يأمره بزيارة
ابنه المترجم والتلقي عنه وطلبهم الدعاء منه، ويحكي لهم عنه مزايا وكرامات ومكاشفات ومجاهدات وزهديات، فازداد اعتقاد الناس فيه. وعاشر العلماء والفضلاء من أهل عصره ومشايخه وقرنائه، وتردد عليهم وترددوا عليه، ويبيتون عنده ويطعمهم ويكرمهم ويتنزه معهم في أيام النيل مع الحشمة والكمال، ومجانبة الأمور المخلة بالمروءة.
ولما مات أخوه الكبير الشيخ أحمد وقد كان تصدر بعد والده في إقراء الدروس، أجمع الخاص والعام على تقدم المترجم في إقراء الدروس في الأزهر والمشهد الحسيني في رمضان، فامتنع من ذلك، وواظب على حالة انجماعه وطريقته وإملائه الدروس بالأشرفية. وحج في سنة سبع وثمانين ومائة وألف، وجاور سنة وعقد دروساً بالحرم وانتفع به الطلبة، ثم عاد إلى وطنه وزاد في الانجماع والتحجب عن الناس في أكثر الأوقات، فعظمت رغبة الناس فيه، ورد هداياهم مرة بعد أخرى، وأظهر الغنى عنهم فازداد ميل الناس إليه، وجبلت قلوبهم على حبه واعتقاده.
وتردد الأمراء وسعوا لزيارته أفواجاً، وربما احتجب عن ملاقاتهم، وقلد بعضهم بعضاً في السعي، ولم يعهد عليه أنه دخل بيت أمير قط، أو أكل من طعام أحد قط، إلا بعض أشياخه المتقدمين، وكانت شفاعته لا ترد عند الأمراء والأعيان، مع الشكيمة والصدع بالأمر والمناصحة في وجوههم إذا أتوا إليه، وازدادت شهرته وطار صيته، ووفدت عليه الوفود من الحجاز والغرب والهند والشام والروم، وقصدوا زيارته والتبرك به، وحج أيضاً في سنة تسع وتسعين لما حصلت الفتنة بين أمراء مصر، فسافر بأهله وعياله وقصد المجاورة، فجاور سنة وأقرأ هناك دروساً، واشترى كتباً نفيسة، ثم عاد إلى مصر واستمر على حالته في انجماعه وتحجبه عن الناس، بل بالغ في ذلك، ويقرئ ويملي الدروس بالأشرفية، وأحياناً بزاويتهم بدري شمس الدولة، وأحياناً بمنزله بالأزبكية.
ولما توفي الشيخ أحمد الدمنهوري وتولى مشيخة الأزهر الشيخ عبد الرحمن العريشي الحنفي، باتفاق الأمراء والمتصدرين من الفقهاء، وهاجت حفائظ الشافعية، ذهبوا إليه وطلبوه للمشيخة فأبى ذلك، ووعدهم بالقيام لنصرتهم وتولية من يريدونه، فاجتمعوا ببيت الشيخ البكري واختاروا الشيخ أحمد العروسي لذلك، وأرسلوا إلى الأمراء فلم يوافقوا على ذلك، فركب المترجم بصحبة الجمع إلى ضريح الإمام الشافعي، ولم يزل حتى نقض ما أبرمه العلماء والأمراء، ورد المشيخة إلى الشافعية، وتولى الشيخ أحمد العروسي وتم له الأمر كما تقدم ذلك في ترجمة العريشي، ولما توفي الشيخ أحمد العروسي كان المترجم غائباً عن مصر في زيارة سيدي أحمد البدوي، فأهمل الأمر حتى حضر وتولى الشيخ عبد الله الشرقاوي بإشارته.
ولم يزل وافر الحرمة معتقداً عند الخاص والعام، حتى حضر الفرنساوية واختلت الأمور وشارك الناس في تلقي البلاء، وذهب ما كان له بأيدي التجار ونهب بيته وكتبه التي جمعها، وتراكمت عليه الهموم والأمراض، وحصل له اختلاط، ولم يزل حتى توفي يوم الأحد حادي عشرين شهر ذي القعدة الحرام عام ألف ومائتين وخمسة عشر بحارة برجوان، وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل، ودفن عند والده وأخيه بزاوية القادرية بدرب شمس الدولة. وبالجملة فكان من محاسن مصر والفريد في العصر، ذهنه وقاد ونظمه مستجاد، وكان رقيق الطبع لطيف الذات، مترفهاً في مأكله وملبسه.
ومن مؤلفاته مختصر المنهج في الفقه، وزاد عليه فوائد، واختصر الاسم وسماه النهج، ثم شرحه وهو بالغ في بابه، ومنها شرح المعجم الوجيز لشيخه السيد عبد الله الميرغني، وقد اعتنى به وقرأه درساً، ومنها شرح عقيدة والده المسماة منقذة العبيد في كراريس أجاد فيه جداً، ورسالة في تعريف شكر المنعم، وشرح الجزرية، والدر النظم في تحقيق