الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يأبى الدواء سقامه كعيونه
…
فعلى الطبيعة يا معالج خله
ومن قوله:
حبيب قوس حاجبه كنون
…
وصاديد ابن مقلة شكل عينه
لعمري أنه نص جلي
…
على أن الرماية حق عينه
وله شعر رقيق، ونثر بديع أنيق، توفي سنة ألف ومائتين وواحدة.
السيد عبد الجليل بن مصطفى بن إسماعيل بن عبد الغني النابلسي
ولد سنة أربع وثمانين ومائة وألف، ونشأ في حجر والده فكان في العلم آية، وفي الآداب غاية، مع تقوى وعبادة، وأخلاق جميلة وزهادة، وعفة وديانة، وكمال وصيانة، وفضيلة مشهودة مشهورة، ومنزلة رفيعة بين الناس مذكورة، وأفعال حسنة، وأحوال مستحسنة، ومحاضرات غريبة، ومذاكرات عجيبة، لا يمله جليسه، ولا يروم فراقه أنيسه، يرى العزلة للدين أسلم، والابتعاد عن الناس أحسن وأحكم، فلله دره من فرد نادر، ناه عن المنكر والمعروف داع وآمر. ولم يزل على هذه الحالة الفاخرة، إلى أن دعاه داعي الآخرة، وذلك نهار الخميس أواخر شعبان سنة ألف ومائتين واثنتين وخمسين.
الإمام العارف بالله السيد الشيخ عبد الجواد بن الشيخ عبد اللطيف بن
الحاج حسين بن الشيخ عطية بن الشيخ عبد الجواد القاياتي من أولاد الشيخ ياسين القاياتي منتهى نسبه إلى الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه
الإمام الأمجد والبطل الأوحد، مؤيد السنة وناصر الدين، ومربي الفقراء والمريدين، من ملأت شهرته الآفاق، وحصل على كمال فضله
الإجماع والاتفاق، وتألفت على محبته القلوب، وزالت عن ذوي مشاهدته الهموم والكروب.
ولد في القايات سنة سبع وعشرين ومائتين وألف، ونشأ في حجر والده وبعد أن حفظ القرآن بالتجويد والإتقان، نقله والده إلى القاهرة، فأخذ العلم بها عن جماعة ذوي معرفة باهرة، منهم النور الشيخ علي البخاري الذي اشتهر في الآفاق علمه وولايته، ومعرفته بكمال الفنون ودرايته، وكان غالب أخذه عنه وجل تردده إليه، وأكثر اعتماده في مهماته عليه، وكان شيخه المرقوم يجله غاية الإجلال، ويقدمه على الواردين في الترحيب والإقبال، ويقول أنه من الأولياء، وسيكون له شأن بين العلماء. وأجازه العلماء ذوو القدر المصون، بما تجوز لهم روايته من جميع الفنون. وأخذ الطريق عن والده فجد واجتهد، وأفيضت عليه الأنوار وجذبته يد العناية والمدد، فلما أحس والده بالرحيل إلى جوار الملك الجليل، أمره بالتلقين والإرشاد والقيام بهداية العباد، فقام بإحياء تلك الشعائر أتم قيام، وبلغ به القاصدون والمريديون أتم مرام، وصار منهلاً عذباً للواردين، وملجأ وغوثاً للقاصدين، وبدراً منيراً للمسترشدين، وبحراً زاخراً للمستفيدين. وكثرت أتباعه كثرة فائقة جداً، وانتشرت مناقبه فلن تستطيع لها عدا. وشاع ذكره وعلا أمره في جميع البقاع، فكاد أن لا يخلو محل من المحلات إلا وله فيها مريدون وأتباع، وانطلقت الألسن بالثناء عليه، وكثرت وفود الوافدين إليه، حتى صارت قرية القايات، أكثر من كثير من المدن بطبقات، وكلهم ينالون منه أنواع الإجلال والكرامة، حتى كل منهم يتمنى أن يجعل في هذه القرية مقامه. وبنى لوالده المقام الأنور، والمسجد الشريف الأبهر، ورتب بالمقام ليلة الجمعة والسبت مقرأ عظيماً يحضره من أهل العلم والقرآن عدد كثير وجم غفير، ولكثرة الزوار لهذا المقام
الكريم، حدث يوم الجمعة بتلك البقعة سوق عظيم، وجعل بالمقام خزانة كتب من جميع العلوم، فما من كتاب إلا كاد أن يكون في قلادة هذه الخزانة من جملة المنظوم، وصار يحث الناس على تعليم الأولاد، ويساعدهم فوق المراد، حتى كثر أهل العلم والقرآن، وصار لهم بهذا المحل عز وشأن. وكان مع شغله بالإرشاد وإكرام الوافدين بالمال والزاد، وذكره وأوراده وإقباله واجتهاده، يقرأ للطلبة في كل يوم درسين مما هو للطلبة قرة عين، وكان له زيادة اعتناء بتعظيم الأشراف، حتى لو قدم لهم روحه لا يعد ذلك من الإسراف، وكان شديد الرحمة باليتامى والمساكين، والأرامل والمنقطعين، وكراماته أشهر من أن تذكر، ومناقبه لا تعد ولا تحصر.
وله من التآليف كتاب مجموع الفتاوى يشتمل على أجوبة المسائل التي سئل عنها على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه. وله بعض رسائل في الانتصار لأهل الطريق في أمور أنكرت عليهم، وله كتاب في أشياء من غوامض الطريق. وجعل على ضريح والده مقصورة في غاية الانتظام، وبعد موته قد جعل الناس له ولوالده مولداً يحضره الجم الغفير من الخاص والعام. وتروج فيه البضائع وتكثر الخيرات، وتظهر فيه البركات وجميل النفحات. ومن أراد أن يرى العجب العجاب، فلينظر ما يحصل من الإكرام في هذا المولد لمن حل بهذا الرحاب.
توفي المترجم المرقوم والفرد الذي بكل فضل موسوم، ليلة الجمعة في السابع والعشرين من المحرم سنة سبع وثمانين ومائتين وألف، ودفن بجوار والده في القايات داخل المقام الأنور، وعلى ضريحه مقصورة في غاية الانتظام. وقد كتب على قبره الشريف من نظم الشيخ مصطفى حبيب العدوي:
أيقظ جفونك من طيب الكرى وعظ
…
فليس شخص على الدنيا يمتعظ
لو كان يبقى بهذا الدهر ذو شرف
…
ما مات مثل الإمام العالم الوعظ
عبد الجواد الذي أحيا النفوس بما
…
أسداه من نور قلب مشرق يقظ
ضاق الفضا مذ قضى أيامه ومضى
…
إلى إله كريم خير محتفظ
بشرا فالحور قد قالت مهنئة
…
أرخ بدار الهدى عبد الجواد حظي
وقد مدحه الشيخ محمد شهاب بقصيدة منها:
أدر كؤوس التصابي واجل قدحاً
…
وخل من في مجالي صفوها قدحا
رهاتها خمرة بكرا معتقة
…
بكر بها لحديث الوجد قد شرحا
إلى أن قال:
نعم الخليفة في وجود وفي كرم
…
عبد الجواد سليل السادة الصلحا
يا حسنه واصلاً كانت طريقته
…
لله في الله لا في نيل ما قبحا
دلت على سره أنوار ظاهره
…
والظرف يشعر بالمظروف إن نضحا
وممن رثاه أحد علماء الأزهر العالم الفاضل الشيخ علي غزال فقال:
أبدرتم العلا من أفقه نزلا
…
أم كوكب السعد لما تم قد أفلا
أم حادث الدهر وافتني نوائبه
…
إذ ما سمعنا به في حكمه عدلا
حيث الإمام أبو الأنوار قد غربت
…
من بيننا شمسه لما قضى الأجلا
شيخ الشيوخ القياتي الذي شرفت
…
به الأواخر حتى أدركوا الأولا
وأطال فيما قال مع إنه لم يذكر من شيم هذا المفضال، إلا قطرة من بحر أو ذرة من بر، وقد رثاه غيره بمراثي كثيرة، وهي في محلة موجودة وشهيرة، ولو أردنا ذكرها مع ما مدح به هذا الفاضل صفوة الأخيار، لاحتاج الأمر إلى عدة أسفار، ولكن الشمس لا تحتاج إلى مديح، والبدر غني إشراقه عن التصريح نفعنا الله به والمسلمين آمين.