الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن الندامة في المدامة أودعت
…
أن تقبلي نصحي وإلا جربي
ودعي المليح وقولهم يا حسنه
…
لم يبق ذو لب به إلا سبي
إن لاح لاح البدر من أطواقه
…
أو فاح أهدى طيبا من طيب
يزري بأغصان الأراك قوامه
…
إن قام يخطر خطرة المتعجب
من شعره وجبينه غار الضيا
…
حسداً له وانشق قلب الغيهب
ودعي هوى سلمى وزينب فالهوى
…
ضرب من الهذيان يجهله الغبي
إن تبد قل للشمس قولة ناصح
…
بالله يا شمس النهار تحجبي
هي كالغزالة إن بدت وتلفتت
…
لكنها حجبت بقلب العقرب
لا يشجينك بارق متألق
…
فلعله برق وليس بصيب
وتكلفي للجد في طلب العلا
…
من جد فاز علا بأرفع منصب
يا صاح خذ قولي ودع ما غيره
…
حتى تسمى بالأجل الأنجب
وله كثير في كل نوع من أنواع الشعر مذكور في ديوانه ومجاميعه، وفي آخر أمره ضاقت يده ولم يبق عنده من ثروته الواسعة شيء لا من دراهم ولا من دنانير ولا من عقارات، ومع ذلك تراه ضاحكاً راضياً كأنه ما أصابه شيء قط، وكنت كلما نصحته قبل ذلك يعتذر لي لأن مراد الله لا بد من وقوعه. وكان حضرة الأمير السيد عبد القادر الجزائري يصله كثيراً ويساعده، ولم يزل إلى أن توفي في نصف رجب الحرام الذي هو من شهور سنة اثنتين وتسعين ومائتين وألف، وتأسف الناس عليه، وكانت وفاته في حياة والده ودفن في تربة أسلافه، ومدته من العمر أربعون سنة.
الملا محمود بن غزائي الكودي السليماني الشافعي الأشعري
العالم الذي عد في أقرانه الأول، والبليغ الذي يفوق مختصر بيانه المطول، والإمام الذي هو الحسن المشهور، والهمام الذي هو بكل كمال
مذكور، قد استفاد وأفاد وأعاد فأجاد، فهو من أناس حمدوا سعياً، ومن غرر راقت بهم وجوه الدنيا، وهو من عيون أهل السليمانية الأكراد وساداتهم الأمجاد، الذين تحلوا بحلي الشرف، وأبرزوا في دروسهم الطرف، وأشار إليهم الفضل ببنانه وضم عليهم بأجفانه، فهو لا شك من أقمار تلك البلدة، ومن أبحرها بما ألقاه وأمده، وإن لم يشن الجزر مده، فلله فاضل كساه الفضل برده، ولطيف عباراته ألطف من الشمول، وعفيف على أوصافه يشرق القبول، وتقي سارت محاسنه، وعزت به مواطنه:
يا طالباً تحف للعلوم عليك ما
…
يرويه محمود من الآثار
كم جوهر أبدى بحلقة درسه
…
ترويه عنه عواطل الأفكار
عيناً لآثار النبي وجدته
…
أو ما تراه كل يوم جار
عانى العلوم الرسمية طفلا، فقالت له أهلاً وسهلاً، وناشدته المحافل بالآثار الحميدة، فوضع في جيدها كل فريدة، وجلا فيها من العلوم كل خريدة، وكان قد نادته السعادة فأجابها وماء صباه غريض، وروض قوته بالأنس أريض، وأنشدها من بنات أفكاره ما هو السبر لعلو اعتباره:
يا علوماً وافيتها وشبابي
…
ما نضاه عن كاهلي الملوان
لك طرفي مرأى وقلبي مرعى
…
ما تسامى من ذينك النيران
فما زال يقيد بالجوهر الفريد، ويظهر كل كمال ويحض الناس على طريق الجمال، ويأمر بالتقوى والعبادة، والعفة والزهادة، إلى أن حال حين وفاته ودعته المنية لمماته، وذلك في عام ألف ومائتين واثني عشر من هجرة سيد البشر.