الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فمن بعده يجلو دجنة شبهة
…
ويكشف عن ستر الدقائق مقنعا
وإن ذو اجتهاد قد تعثر فهمه
…
فيا ليت شعري من يقول له لعا
يقرر في فن البيان بمنطق
…
بديع معانيه يتوج مسمعا
وسار مسير الشمس غر علومه
…
ففي كل أفق أشرقت فيه مطلعا
وأبقى بتأليفاته بيننا هدى
…
بها يسلك الطلاب للحق مهيعا
وحل بتحريراته كل مشكل
…
فلم يبق للإشكال في ذاك مطمعا
فأي كتاب لم يفك ختامه
…
إذا ما سواه من تعاصيه ضيعا
ومن يبتغي تعداد حسن خصاله
…
فليس ملوماً إن أطال وأشبعا
فللصدق عون للمقال فمن يقل
…
أصاب مكان القول فيه موسعا
تواضع للطلاب فانتفعوا به
…
على أنه بالحلم زاد ترفعا
وكان حليماً واسع الصدر ماجدا
…
تقياً نقياً زاهداً متورعا
سعى في اكتساب الحمد طول حياته
…
ولم نره في غير ذلك قد سعى
ولم تلهه الدنيا بزخرف صورة
…
عن العلم كيما أن تغر وتخدعا
لقد صرف الأوقات في العلم والتقى
…
فما أن لها يا صاح أمسى مضيعا
فقدناه لكن نفعه الدهر دائم
…
وما مات من أبقى علوماً لمن وعى
فجوزي بالحسنى وتوج بالرضا
…
وقوبل بالإكرام ممن له دعا
الشيخ محمد المهدي الحفني الأزهري
الأستاذ الفاضل الفريد والملاذ الكامل المجيد، الإمام العلامة والهمام الفهامة، والجهبذ الفقيه والسميدع النبيه، علامة عصره وفريد مصره، كان والده من الأقباط فأسلم قبل بلوغه على يد الشيخ الحفني، فحلت عليه أنظاره وأشرقت عليه أنواره، فحضنه الشيخ ورباه وزاد في وداده، وأنزله بمنزله مع خاصته وأولاده، ولما ترعرع اشتغل بطلب العلم وكان جيد الهمة حسن الفهم، فلازم دروس الشيخ وأخيه الشيخ وغيرهما من السادة الأعلام،
كالشيخ العدوي والشيخ عطية الأجهوري والشيخ الدردير والبيلي والجمل والخرشي والشيخ عبد الرحمن المقري والشرقاوي وأمثالهم من القادة الفخام، واجتهد في التحصيل وجد في منهج التوصيل، ولازم مجالس الذكر بعد وفاة الشيخ الحفني خليفة الدردير المكين، وتصدر للتدريس سنة ألف ومائة وتسعين، ولما مات الشيخ محمد الهلباوي سنة اثنتين وتسعين جلس مكانه في الأزهر، وقرأ شرح الألفية لابن عقيل وغيره من العلم الأنور، ونما أمره واشتهر ذكره، وبعد صيته في الآفاق وطار قدره وفاق، ولم يزل أمره ينمو واسمه يسمو، مع حسن السمت ووجاهة الطلعة، وجمال الهيئة وبشاشة الوجه وطلاقة اللسان وسرعة الجواب، واستحضار الصواب في ترداد الخطاب، ومسايرة الأصحاب، وصاهر الشيخ محمد الحريري على ابنته، وأقبلت عليه الدنيا وتداخل في الأكابر ونال منهم حظاً وافراً بحسن معاشرته، وعذوبة ألفاظه وتنميق كلماته، ومعاملة كل إنسان بما يليق به.
ولما وقع الطاعون في مصر سنة خمس ومائتين وألف خصه إسماعيل بك كتخدا حسن باشا الجزائرلي بما أحبه مما انحل عن الموتى من إقطاعات ورزق وغيرهما، فزادت ثروته وتمن شهرته، ولما حضرت الفرنساوية إلى مصر واستولت عليها خافتهم الناس وهرب كثير من العلماء والأعيان، فكان للمترجم عندهم قدر عظيم وجاه جسيم، فلا تهان جماعته ولا ترد شفاعته، ولا زالت تعلو شهرته في مصر حتى صار يلقب عند الأجانب وعند الأهالي بكاتم السر، وجعلوه رئيس الديوان، إذا حكم قابله الجميع بالرضى والأذعان، وكان يخدمه كبراء الناس وعظماؤهم، ويلتجئ إليه أعيانهم وعلماؤهم، وكان يؤمن من أراد ويرده إلى الوطن والبلاد، فلا يعارضه أحد ولا يصل إلى من احتمى به هم ولا نكد، فحسن صنعه وعم نفعه.
ولما انتقل الحكم إلى العثمانيين، بقي على حاله وقدره المكين، ولما كان آخر المحرم سنة ثلاثين ومائتين وألف توعك المترجم أياماً، ثم عوفي