الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتوجه مراراً إلى الدار العلية، والعاصمة الإسلامية، وفي المرة الأولى وجهت عليه باية أزمير المجردة، وفي المرة الثانية وجهت عليه باية ادرنه المجردة أيضاً، ثم إنه كان قد وقع بينه وبين أخيه شقيقه عارف أفندي مباغضة أوجبت مرافعة بينهما في الحكومة، فما زال يتفاقم الأمر بينهما إلى أن ذهب المترجم في المرة الأخيرة إلى الآستانة لأجل تتميم دعواه مع أخيه، فطلبته المنية، إلى السعادة الأبدية، وذلك سنة ألف وثلاثمائة وإحدى وعشرين ودفن في مقبرة الآستانة.
الشيخ صالح بن محمد سعيد بن حماد المدني الخطيب
الأديب الذي حاكى نظمه الدرر، واللبيب الذي لآلئ نثره كلها غرر، قد انفرد في فن المحاضرة، وانتهى إليه علم حسن المذاكرة، قد أخذ عن أفاضل الشيوخ وشيوخ الفضائل، وأذعن له الخاص والعام بأنه من السادة الأفاضل، وكان مثابراً على القراءة والإقراء، وأجازه شيوخ عصره ووصفوه بأوصاف الفضلاء البلغاء، وأذنوا له بالإفادة والتدريس، وبالإفتاء على مذهب سيدنا محمد بن إدريس، لما رأوا من تحقيقه وجودة فهمه وتدقيقه، وقد نظمه صاحب اللآلي الثمينة، في سلك تراجم أدباء المدينة، فقال فيه يصف حاله ويذكر أدبه وكماله: مبدي الكلمات الرائقة، التي هي بالحسن للقلوب شاثقة، والنظم النفيس، الذي ليس لجناسه جنيس، والنثر الذي يلمه بنان الأفهام في أطباق مجامع القلوب، وتشرب الأرواح طرباً منه راح معان في كأس الأبداع مصبوب، مع صدق لهجته ووضوح محجته، وانتشار فضل أأشرقت كمل بدوره، وذكاءه أناله من العلم عرائس خدوره، وحسن معاملات وأخلاق تشهد له بأنه الإمام الهمام الفيلق الغيداق. فمما أبدته خزائن أذهانه من جملة كلمه وعقيانه، مجيباً عن القصيدة التي مدحه بها عمر أفندي المدرس:
تجلت لنا ذات السنا المتألق
…
تميد بقد بالملاحة مشرق
بأبهى محيا زانه در مبسم
…
تحيي بأشهى من حميا مروق
تتيه دلالاً في حلي وحلة
…
وتزهو جمالاً قد حلا بترقرق
رشيقة شكل زينت بمحاسن
…
بديعة حسن أتقنت بتأنق
ترق بظرف تسترق به النهى
…
وترنو بطرف للقلوب مفوق
شمائلها سلاماً رق معنى لسامع
…
وأبدت كلاماً دق معنى لذائق
فهمت بها لما فهمت خطابها
…
وقابلتها مذ أقبلت بتشوق
وقبلتها حباً لها وقبلتها
…
وأمهرتها روحي وجسمي وما بقي
ولم لا ومهديها السراج ضياؤنا
…
أخو الفضل بل رب الكمال المحقق
مجيد لأفراد المناقب أجمعا
…
مجيد إلى أعلى المراتب مرتقي
همام له الباع الطويل تفضلا
…
يفيض به من بحره المتدفق
أديب أريب لا يجارى بحلبة البديع وفي الإبداع أبرع مفلق
فيا بارعاً وشى الطروس بنثره
…
ونظم كما الدر النضيد المنسق
ومن سخرت أعلى المعاني له متى
…
دعاها أجابته بغير تعوق
أتت بنت فكر منك تخطب خطة
…
يضيق نطاق عن نداها ومنطقي
ولولا الحيا من وجه جاك سيدي
…
مطلت بها فالمطل حيلة مملق
فدونكها خجلاء عطا فحلها
…
بحلي قبول بالتفضل أليق
ودم وابق واسلم في هناء وغبطة
…
برغم حسود لا يغيظك أحمق
ولم يزل هذا المترجم مستوياً على عرش أدبه، متصاعداً في ترقيه نحو بلوغ أربه، إلى أن قصد الدار الآخرة، وسكن غرفته السامية الفاخرة، وذلك في أوائل القرن الثالث عشر رحمه الله تعالى.