الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن نحو السبعين، وسيدي العلامة الشيخ أحمد الأجهوري الضرير الشافعي المتوفى سنة ألف ومائتين وثلاث وتسعين عن نحو الستين، وسيدي العلامة الشيخ حسن العدوي المالكي المتوفى سنة ألف ومائتين وثمان وتسعين عن نحو الثمانين، وسيدي العلامة الشيخ السيد عبد الهادي نجا الأبياري المتوفى سنة ألف وثلاثمائة وخمس وقد أناف على السبعين، رحمهم الله أجمعين، وجمعني بهم في مستقر رحمته بجاه سيد المرسلين. ومنهم وحيد مصر وفريد هذا العصر سيدي العلامة الشيخ شمس الدين محمد الأنبابي الشافعي شيخ جامع الأزهر الآن، لازمت دروسه سنتين في شرح الغاية لابن قاسم والخطيب وفي غيرهما، وسيدي العلامة الشيخ عبد الرحمن الشربيني الشافعي، وسيدي العلامة الشيخ عبد القادر الرافعي الحنفي الطرابلسي شيخ رواق الشوام، وسيدي العلامة الشيخ يوسف البرقاوي الحنبلي شيخ رواق الحنابلة حفظهم الله، وأطال أعمارهم وأدام النفع بعلومهم. ولي شيوخ غيرهم، منهم من هو موجود الآن، ومنهم من قد دخل في خبر كان، وكلهم علماء أعلام، جزاهم الله عني خيراً وجمعني بهم في دار الكرامة والسلام.
الشيخ يوسف بن عبد القادر بن محمد المشهور بالأسير
شيخ فاضل، وعالم كامل، ذو أسلوب حسن، وبلاغة ولسن، وقريحة جيدة، وفكرة لما تبديه مجودة، قد سار ذكره مسير المثل، واشتهر أمره اشتهار الأثل، وانتفع به عدد وافر، وأذعن بفضله أعيان الأكابر، ولد في مدينة صيدا في حدود سنة ألف ومائتين واثنتين وثلاثين، وتعلم القرآن الكريم وهو ابن سبع سنين، على الشيخ إبراهيم عارفة، وجوده على الشيخ علي الديربي، ثم شرع في طلب العلم، فقرأ على الشيخ محمد الشرنبالي نحو خمس سنين، ثم توجه إلى دمشق الشام، فحضر على أعيان علمائها الأعلام،
وأقام في المدرسة المرادية ستة أشهر، وذلك سنة سبع وأربعين بعد المائتين وألف، ثم بلغه وفاة والده فعاد إلى وطنه وبلده، وأقام بها نحو ثلاث سنين يتعاطى التجارة في مكان أبيه، ويربي إخوته مع عدم تركه لطلب العلم، ثم توجه إلى الأزهر الشريف فأقام به سبع سنين، وقرأ فيه على جملة من العلماء الأعلام، منهم الشيخ محمد الشبيني والشيخ محمد الطنتدائي والشيخ محمد الدمنهوري والشيخ إبراهيم الباجوري والشيخ أحمد الدمياطي وغيرهم، ثم عاد إلى بلده صيدا وقرأ بها الفقه للعموم، ثم توجه إلى طرابلس الشام وأقام بها نحو ثلاث سنين، فحضر عليه بها جماعة من أفاضلها، ثم تقلد القضاء في لبنان نحو سبع سنين، ثم صار معاوناً لقاضي بيروت، ولم يزل يتعاطى التدريس للعموم والخصوص، وقد ألف جملة من الكتب، منها رائض الفرائض، ومنها شرح أطواق الذهب، وغيرهما، ومن نظمه:
لطيبة الغراء ذات النور
…
سر بي أسر
فإن بي لتربها الكافور
…
شوقاً أسر
أبقى إذا ما لاح للبرق ابتسام
…
من نحوها أو فاح لي عرف انتسام
أو مر بي ذكر لتلك الدرو
…
كالمحتضر
قد جد بي وجدي وأغراني الغرام
…
إلى مقام المصطفى خير الأنام
من جاء كالمصباح في الديجور
…
يهدي البشر
وقام يسعى في صلاح المهتدين
…
ثم انتحى للماردين المعتدين
مثل انتحاء الباز للعصفور
…
حتى قهر
وجاء للخلق بقرآن مجيد
…
في الدين والدنيا بلا شك مفيد
ألفاظه كاللؤلؤ المنثور
…
فصح غرر
حلو المعاني لذة للسامعين
…
يا حبذا هاد إلى الحق المبين
به انمحت آثار كل زور
…
لما ظهر
كم من براهين على صدق الرسول
…
فيه وكم داع لأرباب العقول
إلى الهدى والعمل المبرور
…
وكم عبر
محمد رسول رب العالمين
…
بر رؤوف راحم بالمؤمنين
وقد غزا بجيشه المنصور
…
من قد كفر
وعنه قد أخبرنا موسى الكليم
…
بأنه رسول مولانا الكريم
وخط في كتابه المسفور
…
هذا الخبر
كذاك روح الله عيسى عنه قال
…
بأنه ليس لشرعه زوال
وذاك في إنجيله المسطور
…
قد انسطر
يا ربنا احشرنا جميعاً آمنين
…
ومن نحب من خيار المسلمين
تحت لواء عزه المنشود
…
يوم الحذر
عليه من رب الصلاة والسلام
…
وآله وصحبه الغر الكرام
ما انتظم الورد مع المنثور
…
غب المطر
وغرد القمري مع الشحرور
…
فوق الشجر
ومن موشحاته التي عارض بها الأندلسيين قوله:
يا بريقاً من ربى نجد بدا
…
حي عني حي ذاك الوطن
لست أنسى حسن أنس أبدا
…
كان كالعروس بذاك المسكن
دور
شهد الله شجاني ذكره
…
لأريج جاء من أرجائه
فعلي اليوم حقاً شكره
…
والثنا مني على أثنائه
لا تلم صبا تبدى سكره
…
إن تلا الأنباء عن أبنائه
هم بدور الدور أرباب الندى
…
وأولو الحسن وأهل اللسن
سكنوا الوادي دهراً فغدا
…
كسما الدنيا كذا في حضن
دور
بينهم لي فرقد قد أشرقا
…
ورعى مني الحشا لا ذممي
يتهادى بين غزلان النقا
…
كتهادي البدر بين الأنجم
مفرد العصر جمالاً مطلقا
…
فلذا أسري إليه ينتمي
منجد لكنه ما أنجدا
…
متهما في وصله من شجن
مخلف وعد وصالي سرمدا
…
وإذا أوعدني لم يخن
دور
يا له ظبياً بعقلي لعبا
…
طلق الوجه وقيد الناظر
فاق إن قيس ببلقيس سبا
…
مع سنا بحسن باهر
نونه أبدى سبيلاً عجبا
…
صيده الصيد بجفن فاتر
ومن الشام له خال شدا
…
بلبلاً في مصر حسن الحسن
ومن الحور له القلب فدا
…
طرفه الهندي اليماني اليزني
دور
كنز در ثغره قد حرسا
…
بارق رطب أنيق منتظم
عجباً كيف به قد غرسا
…
في عقيق وبياقوت ختم
يا حريقي لو أسا مني الأسى
…
برحيق فيه بالريق وسم
كنت أروي القلب من حر الصدى
…
وأرى طرفي لذيذ الوسن
وأصوغ الشعر شفعا مفردا
…
في حلى الشهم الزكي الفطن
دور
هو ذو الفضل سليم سلما
…
من عدو وظلوم وحسود
طلب العلم فأمسى حلما
…
فيه وازداد ارتقاء في السعود
وهو من قوم فخام كرما
…
زانهم مجد وأفضال وجود
فهو في تلك المزيات اقتدى
…
بأبيه ذي العلا عبد الغني
من لأهل الفقر أضحى سنداً
…
ودواماً عنده الفضل عني
دور
باسم شهر الصوم في القوم اشتهر
…
وهو ذو فضل على باقي السنه
وهو في الأعيان ذاك المعتبر
…
مدحته في الصدور الألسنه
ذو أياد بهرت جود المطر
…
وهو في تلك الوجوه الحسنه
كعبة للجود ركن للجدا
…
محمل المدح لكل الألسن
فهو في عصر سعيد وجدا
…
ثم لا زال بطول الزمن
دور
ملتقى الأبحر تلقى داره
…
وبها المجد ينادي بالفصيح
أبشروا بالسعد يا أقماره
…
واهنأوا بالمنزل العالي الفسيح
وتلا بشر بها آثاره
…
وبها رونقه زاه صريح
فهي صرح بالمعالي مردا
…
والمعالي وعلى التقوى بني
مد باليمن وفيه شيدا
…
قصرها دام بذاك المأمن
دور
وبنوا بانيه أبناء العلا
…
كنجوم في سماء بل بدور
قصروا الجهد على نيل العلا
…
فاستطالوا وسواهم في قصور
واستووا في أوجها حيث علا
…
وعلى الأوجه منهم كل نور
عندهم سوق المعالي والهدى
…
نافق والكل بالعلم غني
فهم الغر الكرام السعدا
…
والثنا منهم عليهم ينثني
دور
لسليم الطبع أهدي جملا
…
ذاك من حلفي ويا نعم الرفيق
هو ممدوحي لدى كل الملا
…
وهو حقا كامل حر رقيق
فهو لا زال كريماً مفضلاً
…
لذوي الحب ومسرور الصديق
فأهنيه وأهدي منشدا
…
بهداء شاديا في العلن
فهنيئاً تم تاريخ بدا
…
جليت شمس إلى البدر السني
وله نظم كثير، ونثر بديع شهير، وقد نعاه الناعي ليلة السبت خامس ربيع الثاني سنة سبع وثلاثمائة وألف، فندبه كماله وفضله، وبكاه العلم وأهله، وحزن له البعيد والقريب، وأسف لفقده النسيب والغريب، وانفتح للتعازي والمراثي باب المقال، وانفسح للنوادب في تعداد محاسنه المجال، وعظم الكرب والهم، واشتد الخطب والغم، وقد ألبس الحزن بلدته لباس البوس، ووجه نحوها وجهه العبوس، وفي صباح ذلك اليوم حشر الناس لحضور مناحته، وشهود تشييع جنازته، وبعد تجهيزه والصلاة عليه وتوجيه أعالي الدعوات إليه، سار الناس بنعشه والنوح يحدوه، وصياح اللوعة لا يعدوه، إلى أن دفنوه، في مقبرة البشورة، ولا غرو فإنهم فقدوا من بلدهم فاضلاً عالماً عاملاً كاملاً، كان خير جليس مفيد، وملجأ للمتعلم والمستفيد، وما أحسن ما قيل من بديع الأقاويل:
إلا إنما الدنيا نظارة أيكة
…
إذا اخضر منها جانب جف جانب
هي الدار ما الآمال إلا فجائع
…
عليها ولا اللذات إلا مصائب
فلا تكتحل عيناك فيها بعبرة
…
على ذاهب منها فإنك ذاهب