الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ علي بن عمر بن أحمد بن عمر بن ناجي بن قنيش العوني البهي الشافعي
المصري
الإمام الفاضل الفالح والهمام الناسك الصالح القانع المتجرد والتقي المتعبد. ولد بالمنية إحدى قرى مصر وأول من قدمها جده فنيش، وكان مجذوباً من بني العونه العرب المشهورين بالبحيرة، فتزوج بها. وحفظ المترجم القرآن وقدم الجامع الأزهر وجوده على بعض القراء، واشتغل بالعلم على مشايخ عصره، ونزل طندتا ودرس العلم بالمسجد المجاور للمقام الأحمدي، وانتفع به الطلبة وآل به الأمر إلى أن صار شيخ العلماء هناك، وتعلم غالب من بالبلد علم التجويد منه، وهو فقيه مجود ماهر حسن التقرير جيد الحافظة، يحفظ كثيراً من النقول الغريبة وفيه أنس وتواضع وتقشف وانكسار. وكان كفيف البصر لا البصيرة، وورد مصر أيضاً في المحرم من سنة وفاته، ثم عاد إلى طندتا وتوفي باه في ثاني عشر ربيع الأول، ولم يمرض كثيراً، وذلك سنة أربع ومائتين وألف، ودفن بجانب قبر سيدي مرزوق من أولاد غازي في مقام مبني عليه، رحمه الله تعالى ونفعنا به.
الأمير علي بن عبد الله الرومي ثم المصري مولى الأمير أحمد كتخدا صالح
الأمير المبجل والنبيه المفضل، قال الجبرتي: اشتراه سيده صغيراً وأقرأه القرآن وبعض متون الفقه، وتعلم الفروسية ورمي السهام، وترقى حتى عمل خازندار عنده، وكان بيته مورداً للأفاضل، فكان يكرمهم
ويحترمهم ويتعلم منهم العلم، ثم أعتقه وأنزله حاكماً في بعض ضياعه، ثم رقاه إلى أن عمله رئيساً في باب المتفرقة، وتوجه أميراً على طائفته صحبة الخزينة إلى الأبواب السلطانية مع شهامة وصرامة، ثم عاد إلى مصر، وكان ممن يعتقد في شيخنا السيد علي المقدسي ويجتمع به كثيراً، وكان له حافظة جيدة في استخراج الفروع. وأتقن في رمي النشاب إلى أن صار أستاذاً فيه وانفرد في وقته في صنعة القسي والسهام والدهانات، فلم يلحقه أهل عصره.
ثم أن المترجم حصل له ضرر بعينيه فعالجهما كثيراً فلم يفد فصبر واحتسب، ومع ذلك فيرد عليه أهل فنه ويسألونه فيه ويعتمدون على قوله ويجيد القسي تركيباً وشداً، ولقد أتاه وهو في هذه المضرة رجل من أهل الروم اسمه حسن فأنزله في بيته وعلمه هذه الصنعة، حتى فاق في زمن قليل أقرانه، وسلم له أهل عصره، وحينئذ طلب منه أن يأذن له فيها، واجتمع أهل الصنعة في منزله لحضور هذا المجلس، فأرسل إلى السيد محمد مرتضى الزبيدي شارح القاموس، وطلب منه أن يكتب له شيئاً يناسب المجلس، فكتب عن لسانه ما نصه: الحمد لله الذي علم الإنسان ما لم يعلم، وهدى بفيض فضله إلى الطريق الأقوم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأكرم، الناصر لدين الحق بالسيف والسنان المقوم، وعلى آله وصحبه ما رمى مجاهد في سبيل الله سهماً وإلى الجنة تقدم. أما بعد فيقول الفقير إلى الله تعالى علي بن عبد الله مولى المرحوم أحمد كتخدا صالح غفر الله ذنوبه وستر عيوبه، ورحم من مضى من سلفه وجعل البركة في عقبه وخلفه. اعلموا إخواني في الله ورسوله أن كل صنعة لها شيخ وأستاذ وقالوا صنعة بلا أستاذ يدخلها الفساد، وإن صنعة القوس والنشاب بين الأقران والأصحاب على ممر الأحقاب شريفة،
وطريقة بين السلف والخلف مقبولة منيفة، إذ بها تعمير باب الجهاد، وفتح قلاع أهل الكفر والفساد. وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم في الكتب بإعداد القوة، وفسر ذلك برمي النشاب حيث قال جل ذكره " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم " وروى مسلم في صحيحه عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في تفسير هذه الآية، ألا إن القوة الرمي فكرره ثلاث مرات، وذلك زيادة لبيانه وتفخيماً لشانه، والأمر من الله يقتضي الوجوب، وهو فرض كفاية على المسلمين لنكاية أعداء الدين، وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى بالقوس وتقلد بالسيف وطعن بالرمح، وكانت عنده ثلاث قسي معقبة تدعى بالروحاء وقوس من شوحط تدعى البيضاء وأخرى تسمى الصفراء، وثبت أن كل شيء يلهو به المؤمن باطل إلا ثلاثاً، فذكر إحداهن الرمي بالقوس، وفي الأخبار الصحيحة أن الله تعالى ليدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة: صانعه المحتسب فيه الخير والرامي به والممد له ومنبله، فارموا واركبوا ولأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا. وروى البخاري عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على نفر من أسلم ينتضلون فقال ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً. وورد في فضل الرمي أحاديث كثيرة، منها في صحيح مسلم عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تعلم الرمي ثم تركه فليس منا وقد عصى. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من تعلم الرمي ثم نسيه فهي نعمة سلبها. وروى النسائي عن عمرو ابن عقبة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رمى بسهم
في سبيل الله بلغ العدو أو لم يبلغ كان له كعتق رقبة. وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب وهو متكئ على قوس، وجاء جبريل عليه السلام يوم أحد وهو متقلد قوساً عربياً، ويروى عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اتخذ قوساً عربياً نفى الله عنه الفقر. والأحاديث في ذلك كثيرة، وفي الكتب شهيرة. وقد ثبت أن أول من رمى بالقوس العربية آدم عليه السلام نزل جبريل عليه السلام من الجنة وبيده قوس ووتر وسهمان فأعطاها له وعلمه الرمي به، ثم صار إلى إبراهيم عليه السلام ثم صار إلى ولده إسماعيل عليه السلام وإليه ينتهي إسناد شيوخ هذا الفن.
ولما كان الأمر كذلك رغبه الرغبون في صنعة القسي واجتهدوا في تركيبها وأبدعوا في إتقان السهام التي يرمى بها، امتثالاً لأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وإسعافاً لإخوانهم المسلمين من الغزاة والمجاهدين، وكان من بينهم الرجل الكامل الحسن السمت والشمائل، حسن بن عبد الله مولى علي، قد طال اجتهاده في هذه الصنعة من مد القوس وإطلاقها والاختلاس وحمل الأوتار والجلة والكشتوان وفرض سية القوس من سائر أنواعها العربية والمعقبية والواسطية والخراسانية والشامية، وما يتعلق بها من تنجير الخشب وتركيبه، ونشر اللحام وتوقيعه، والتوقيع والحزم والرقع والتنوير والدهان مما عليه عمل الأستاذين من سالف الزمان، فلما رأيت منه هذا الإتقان في صنعته والإذعان بحسن معرفته، والإحكام مع التفقه في سائر الأوقات لأصول صناعته، صدرت مني هذه الإجازة الخاصة له بشهادة الإخوان في هذه الصنعة الشريفة البيان، كما أجازني به الشيخ
الصالح الكامل الماهر البارع المرحوم عبد الله أفندي بن محمد البسنوي، بحق أخذه لذلك عن شيخه المرحوم الحاج علي الألباتي، عن شيخه محمد الاسطنبولي، بإسناده المتصل إلى عبد الرحمن الفزاري، والإمام صاحب الاختيار مؤلف الإيضاح المعروف بالطبري، بحق أخذهما عن أئمة هذا الفن المشهورين طاهر البلخي وإسحاق الرفاء وأبي هاشم البارودي، بأسانيدهم المتصلة عن شيخ إلى شيخ إلى أن ينتهي ذلك إلى سيدنا إسماعيل عليه الصلاة والسلام، وحسبك من علو سند ينتهي إلى هذا الإمام. وأوصيه كما أوصي إخواني ونفسي المخالطة بالأدب الجميل، وتواضع النفس وحملها على مكارم الأخلاق، وأن لا يرفع نفسه على أحد، وأن لا يحقر أحداً من خلق الله، وأن يجعل دأبه لزوم الصمت والإدمان، والقناعة بالقليل مع المداومة على ذكر الله بالسكينة والوقار، وأن يسمى الله في أول مسكه في صنعته، ويستمد من الله القوة والحول ولا يضجر، ولا ييأس من روح الله، ولا يسب نفسه ولا قوسه ولا سهامه، ولا يحدث نفسه بالعجز فإنه يصل إلى ما وصل إليه غيره فإن الرجال بالهمم، ففي الحديث:" المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير " وأن يديم النظر إلى معرفة العيوب العارضة للقسي والسهام وعقد الأوتار، ويتعاهد لذلك وكيفية إزالة العيب إن حدث، وأن لا يبيع سلاح الجهاد لكافر، ويفتش دين من يشتري إن كان رجلاً، أو صبياً فيحتاج ذلك إلى إذن والده، فإذا علم إسلامه ووثق به فيأخذ عليه العهد أن لا يرمي به مسلماً ولا معاهداً، ولا كلباً ولا شيئاً من ذوات الأرواح إلا أن يكون صيداً أو ما يجب به قتله، وأن لا يعلم صنعته إلا لأهله الذي يثق بدينه، فقد روى أن لا يحل منع العلم عن مستحقه ويجب إعطاؤه بحقه، لا سيما إن كان عارفاً بقدر العلم راغباً فيه طالباً