الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى جوار الملك الجليل؛ فأجاب طلبه من غير إمهال، وذلك في يوم الأحد بعد العصر تاسع شعبان سنة إحدى وتسعين ومائتين والف من هجرة سيد ذوي الكمال، وصلي عليه في المسجد الحرام، ودفن في تربة المعلا عليه رحمة الملك السلام، وبنى بعض المحبين مزاراً واسعاً عليه، وهو في أول المعلا على يمين الذاهب إليه.
وقد رثاه بعض مريديه بقصيدة أولها:
ذروني أبكي بعد شيخي ومرشدي
…
لأحدث عهداً في بقية معهدي
وما شاقني برق بأبرق رامة
…
ولا نغمات من حمام مغرد
بلى شاقني وجه الرشيد الذي به
…
تشعشع نور الحق في كل مشهد
إذا ما رأت عيناك بهجة نوره
…
رأت بدر تم في منازل أسعد
وإن لثمت يمناك يمناه فالتزم
…
بركن سوى ركن من البيت أسود
سما بشعار الصالحين وهديهم
…
وأعلى منار الدين بعد محمد
أمد علينا الله من بركاته
…
وأوردنا من بره خير مورد
إذا ما ذكرت الأكرمين فإنه
…
هو الكوثر الفياض والعارض الندي
ومهما مدحنا الصالحين فمدحه
…
به نختم الذكر الجميل ونبتدي
الشيخ إبراهيم بن الشيخ السيد محمد الميدري البغدادي الشافعي
العالم الذي رقى معراج الفضائل، واستقى من بحر معارفه السادة الأفاضل، وجمع من الفنون ما تفرق عند غيره، وسار بسيرة ذوي السر المصون فلم يلحقه أحد من معاصريه في سيره، له اليد الطولى في المعقول والمنقول، والفكرة القادحة في معرفة الفروع والأصول، وليس من يجاريه في ميدان العلوم الرياضية، ولا من يباريه في الأبحاث الجدلية والعقلية، وله كتاب في المناظرة، قد فاق مزاولة أهل المحاضرة، شرح فيه نظم
رسالة الولدية، وعند تمامه قد قرض له حضرة الجهبذ الذي هو بكل كمال حري، عبد الباقي أفندي العمري، فكتب عليه ما يشهد بفضل مؤلفه، وعلو فهم مصنفه، وقد أحببت أن أذكره بتمامه، وفاء بحق مقامه، وها هو ذا: لا نسلم لمن علمته نفسه غاية الكر ونهاية الإقدام، من أهل الخلاف بدار الخلافة مدينة السلام، ولو كان وهيهات أن يكون نفس عصام، معارضة ما برهن عليه هذا الغلام، الشارح لهذا النظم البديع الانتظام بالبرهان القاطع بالمدية الإسماعيلية، وشفرة الدلائل القطعية الخليلية، جادة الجدال ومادة الخصام، ومناقضة ما دون وبين فيه من آداب البحث في مناظرة أرباب النظراء الأعلام، بالتبيان الساطع بصحة نقله الاستقرائي المؤدي بعد الإلزام، للتضمن والالتزام، فيا له من شب شب من توقد نار قريحته الضرام، فأجج في كانون أفئدة ذوي المعارضة بالقلب فحمة الإفحام، وقدح زند فكرته بمرخ المشاخرة وعقار المكابرة، فأبرزت ناره ترمي بشرر كالقصر فقلنا يا نار كوني برداً وسلام، هذا وقد أوتي الرسالة الولدية قبل أن يدرك الحلم، بل قبل أن يبلغ الفطام، فيا لله دره لقد كاد أن يكيد أساطين الحكماء، والفلاسفة القدماء، بقوة احتجاجه ومنعة سلوك منهاجه، وشدة إحكامه لهذه الأحكام، كما كاد حضرة سميه إبراهيم، عليه الصلاة والتسليم، وفاء بالإقسام؛ أولئك الأصنام؛ وقد غادرهم ابن الأصفياء أفلاذاً، كما جعلهم أبو الأنبياء جذاذاً، وقال " بل فعله كبيرهم هذا، فاسألوهم إن كانوا ينطقون " بكلام، فأبوا الفتح لأبواب آداب البحث لذوي الملكة من الطلاب، طاب ثراه لقد ملأ الوطاب، واستوفى المرام، وإبراهيم الذي وفى بل زاد وأحسن في الإتمام، حيث تمطى للمناضلة، وامتطى غارب المجادلة؛ واقتحم هذا الاقتحام؛ كيف لا