الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر القتال بين محمد علي باشا والسلطان محمود
وفي سنة سبع وأربعين ومائتين وألف، وجه محمد علي باشا والي مصر جيوشه براً وبحراً لتملك الشام وجعل قيادتها لولده إبراهيم باشا، فحاصر عكا وافتتحها مظهراً الانتقام من عبد الله باشا والي عكا لأسباب كانت بينهما، وفتح في طريقه غزة ويافا وحيفا فلما بلغ الدولة ذلك غضبت وأرسلت تأمر محمد علي باشا برجوع العساكر، وأنه إذا كان بينهما دعوى يقدمان إلى الباب العالي فيحكم بينهما، فلم يمتثل لأوامر الدولة، فأبرزت الدولة فرماناً بعصيان محمد علي باشا، وتنزيله عن ولاية مصر، وصدر الأمر السلطاني لوالي حلب بجمع العساكر لمحاربة إبراهيم باشا، وخرج حسين باشا بعساكر من الأستانة، وحصل القتال بين الفريقين خارج طرابلس، فهزم إبراهيم باشا واستولى على الأقطار الشامية، وقبض على عبد الله باشا والي عكا وأرسله إلى الاسكندرية لأبيه محمد علي باشا، ولما وصل إبراهيم باشا إلى داريا قرب دمشق خرج إليه علي باشا وزير دمشق، واشتبك الحرب بينهما فهزمهم إبراهيم باشا، وخرج أهل دمشق يسألونه الأمان فأمنهم ودخلها، وتقدم إلى حمص واشتبك القتال بينه وبين والي حلب، وكان يوماً عظيماً وحرباَ شديداً من أشهر الوقائع، قتل فيه خلق كثير، واستولوا على المهمات جميعها، وانهزم والي حلب ورجع إليها، فقفلت في وجوههم الأبواب، فساروا إلى أنطاكية، ولما وصل إبراهيم باشا إلى حلب خرج أهالي حلب لاستقباله، فدخلها وتسلم ما كان فيها من الذخائر والمهمات، وأمن أهلها، ثم سار إلى أنطاكية وحاربهم فيها ثم إلى بوغاز بيلان، ولما بلغ الباب العالي تقدم العساكر
المصرية سير رشيد باشا الصدر الأعظم بالجيوش لحربهم، فتقدم قونية، والتقى الجيشان واشتبك القتال، وانهزمت عساكر الدولة وقبض على رشيد باشا الصدر الأعظم، وأتي به إلى إبراهيم، فقابله بكل إكرام ثم خلى سبيله، وامتدت هذه الفتنة والحروب إلى سنة خمس وخمسين ومائتين وألف، ثم صدرت الأوامر السلطانية إلى حافظ باشا ليسير لمحاربة إبراهيم باشا، فالتقى الجيشان بالقرب من مرعش واقتتلا، ووقعت الهزيمة أولاً على عساكر إبراهيم باشا، وكان في واد عسر فجمع العساكر وخرج بهم من ذلك الوادي، وصعد إلى تل كان تجاه معسكر حافظ باشا، وأخذ يطلق عليهم المدافع فعطل أكثر مدافعهم وفرق صفوفهم، ثم هجم عليهم بعساكره هجمة هائلة، فانهزموا أمامه تاركين مدافعهم ومهماتهم عائدين إلى مرعش، وقتل من الفريقين خلق كثير، وهذه الوقعة من أشهر تلك الوقائع التي وقعت في تلك الحروب، وأعقبها إبراهيم باشا بفتح أكثر الجهات في تلك البلاد، ولم تصل أخبارها إلى القسطنطينية إلا بعد وفاة السلطان محمود بثمانية أيام، ومن فتوحاته المعنوية اعتناؤه بأهل الحرمين كمال الاعتناء، فإنه صدرت الإرادة الشاهانية من دولته بتحرير ما كان يصرف لهم من قمح الجراية، فوجدوا أكثر ذلك بيد الأغنياء والتجار كانوا يأخذونه من الفقراء بالفراغ بعوض حقير، فصار الفقراء ليس لهم شيء، فصدر الأمر الشاهاني بنقض ذلك وإبطاله، وتجديد كتابة دفتر بأسماء المستحقين، فحصل تجديد ذلك في المدة التي كان فيها محمد علي باشا بمكة.
ومن خيراته وفتوحاته المعنوية أنه جدد لأهل الحرمين خيرات ومرتبات زيادة على الذي كان مرتباً لهم من أسلافه، وذلك أنه في سنة إحدى