الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نفع الله بهم العباد، وأحيا ببركتهم أكثر البلاد، ولما ظهر في بلاد الهند ما ظهر من الفساد، خرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ومعه أخوه الشيخ عبد الغني والشيخ عبد المغني واستوطنوا المدينة المنورة، وذلك سنة أربع وسبعين ومائتين وألف واشتغل بالطريقة العلية كل الاشتغال، ونال أعلى مقامات القبول والإقبال، ثم توفي في تلك الأماكن الطيبة ثاني ربيع الأول عام سبعة وسبعين ومائتين وألف، ودفن في البقيع عند ضريح أمير المؤمنين سيدنا عثمان رضي الله عنه في مشهد عظيم كاد أنه لم يتخلف عنه أحد، وقد قيل في تاريخه عاش سعيداً مات شهيداً وممن أراخ وفاته العالم الجليل الإفادة الشيخ عبد الجليل برادة: فقال:
قضى قطب الأقطاب الشهير بأحمد
…
سعيد إمام العلم والحلم والهدى
منار الطريق النقشبندية التي
…
لها جده في الألف أضحى مجددا
ومذ حل في ذا القبر ناديت أرخوا
…
سعيداً شهيداً في جنان مخلدا
وقال غيره:
هو البدر فاغبر وجه الوجود
…
وأينع بالزهر روض اللحود
وقطب الهدى مذ قضى أرخوا
…
لأحمد تهدى جنان الخلود
أحمد أبو العباس بن محمد التجاني المغربي شيخ الطريقة التجانية
لقد ترجمه سيدي محمد العربي العمري في كتابه المسمى ببغية المستفيد لشرح منية المريد فقال: وإن ممن أحله الله تعالى من المقامات أعالي ذراها، وحلاه من هذه الكرامات بواضح سناها، شيخنا وأستاذنا العارف الرباني والوارث المحقق الفرداني، والقطب الجامع الصمداني، أبا العباس مولانا أحمد بن مولانا محمد التجاني رضي الله عنه وأرضاه ومتعنا وسائر الأحبة برضاه، فلقد صار رضي الله عنه في ذلك كله العلم المفرد بين الأكابر
واستحق النداء بالرفع في سائر الحضرات والمظاهر، وانتهت إليه دون العصابة رياسة هذا الشان، وخفقت عليه أمام الجماعة ألوية النصر في هذا الميدان، وأظهر من كنوز الشريعة المطهرة إبريزها الخالص، وأبرز من بحار الحقيقة خصائص الفرائد وفرائد الخصائص، وجاء في أساليب الدلالة على الله تعالى بما لم يسبق إليه، وأتى في مسالك التربية والترقية بما لم يعرج أحد عليه، لبلوغه رضي الله عنه أقصى درجات الكمال في الجمع بين العلم والحال والهمة والمقال، فأسست طريقته على تقوى من الله ورضوان، وشيدت من العلمين الظاهر والباطن على أقوم القواعد وأقوى الأركان، وأيدت من أنوار الهمة وأسرار العناية بأوضح دليل وبرهان، فعم النفع بها في سائر الأقطار وشاسع الأصقاع والبلدان، واختص وروده المحمدي اللفظ والترتيب، الأحمدي السر والتركيب، بتحقيق السير في مقامات الدين الثلاثة وسائر منازلها على الأسلوب الغريب والمنهج العجيب، كما يتبينه المنصف الذي كحلت عينه بإثمد الأنوار الإيمانية، بالوقوف عليه مبسوطاً في كتاب ميزاب الرحمة الربانية، ويتحققه السالك المحافظ على هذا العهد في السر والعلانية، من طريق الذوق التام بالمشاهدة العيانية، فلا جرم أن الله تعالى أحيا به مراسم السنة بعد اندثارها، وأوضح معالم الطريقة بعد خفاء آثارها، وأطلع به شمس الحقيقة بعد أفولها، واستتارها، ولله در العلامة المحقق شيخ مشايخ العلوم النقليات والعقليات المبرز على أهل زمانه في تحقيق الكليات منها والجزئيات، أبي زيد سيدي عبد الرحمن بن أحمد الشنجيطي المتوفى بفاس العليا في شوال سنة أربع وعشرين ومائتين وألف حيث قال فيما نسجه في مدح سيدنا رضي الله عنه على أبدع منوال وأعجب مثال:
أحيا طريقة أهل الله فهي به
…
مؤلف شملها والكسر مجبور
شيخ المشايخ من في طي بردته
…
جيب على النور والإسرار مزرور
من داره جنة الفردوس وهو بها
…
رضوان خازنها أذكارها الحور
يفيض من سلسبيل الذكر كوثرها
…
فاشرب مفجرها فأنت مأجور
أوراده عن رسول الله قد رويت
…
كذاك أفعاله والسر ماثور
فانقل فديتك في آثاره قدماً
…
فإن فعلت فذاك النقل مدخور
واحرص بأن تنتمي يوماً لجانبه
…
فحظ من ينتمي إليه موفور
أقول ولفظ التجاني بكسر المثناة مشددة وبالجيم المشددة أيضاً وقد تخفف كذا ضبطه بعضهم ولد المترجم رضي الله عنه عام خمسين ومائة وألف ومات رضي الله عنه عام ثلاثين ومائتين وألف فيكون قد عاش ثمانين سنة. وكانت وفاته صبيحة يوم الخميس السابع عشر من شوال بعد أن أدى فريضة الصبح على حالة الكمال ثم اضطجع على جنبه الأيمن رضي الله عنه، ودعا بماءٍ فشرب منه ثم عاد إلى اضطجاعه على حالته فطلعت روحه الكريمة من ساعته وصعدت إلى مقرها الأقدس، ولحقت بسربها من محضرها الأنفس، وحضر جنازته المباركة ما لا يكاد يحصى من علماء فاس وصلحائها وفضلائها وأعيانها وأمرائها، وصلى عليه إماماً علامتها الأوحد ومفتيها الماهر الخريت الأمجد، الفقيه النحرير المشهود له بالتحقيق والتحرير، أبو عبد الله سيدي محمد بن إبراهيم الدكالي نسبة إلى الإمام التونسي الشهير وازدحم الناس على حمل نعشه المبارك الميمون، وكسروه بإثر دفنه أعواداً صغاراً ادخروها للتبرك بما