الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اثنتين وخمسين ومائتين وألف، ودفن في مقبرة باب الصغير بقرب مقام سيدنا عبد الله بن زين العابدين من جهة الغرب. وبقرب قبره أم سلمة وأم حبيبة زوجتا رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهما وعنا بهم أجمعين.
الشيخ محمد أفندي بن الشريف إسماعيل أفندي العجلاني الدمشقي الميداني
مفخر الشرفاء الكرام ونخبة ذوي النسب العظام، يتصل نسبه الشريف بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان ذا أخلاق كريمة ومروءة عالية فخيمة، وشمائل جميلة، وله التفات إلى اكتساب ما يحصل به أنواع الفضيلة. ولا ينكر ذلك عليه لأنه من نسل من ينسب كل كمال إليه. توفي يوم الأربعاء عند الضحوة الكبرى ثالث عشر شوال سنة ثلاث وخمسين ومائتين وألف، ودفن بمدفنهم المعروف بمدفن بني العجلاني. وهو في سوق الغنم تجاه مقبرة باب الصغير.
الشيخ محمد بن المرحوم الشيخ محمد المغربي الأزهري المالكي
عالم وقته وأوانه وجهبذ عصره وزمانه، المحدث العمدة في العلوم والفاضل الذي تحل لديه مشكلات المنطوق والمفهوم، محط رحال السادة وكعبة طواف القادة، وحرم اعتكاف ذوي المعارف ومحراب توجه أهل الملح واللطائف. من سار في الآفاق ذكره وشاع في الناس علاه وقدره، الناهج في الكمال منهج الأوائل واللاهج بالأدب والتقوى وأنواع الفضائل.
حضر من الغرب سنة ألف ومائة وإحدى وستين تقريباً، ونزل في الجامع الأزهر والمقام الأبهى والأبهر، فتعلق بأذيال العلم تعلق الوالدة بالولد إلى أن امتزج به امتزاج الروح بالجسد، وأخذ عن الشيوخ الأكابر والجهابذة الذين حازوا المعالي كابراً عن كابر، ولم يزل معتكفاً على الطلب والاستفادة، إلى أن شهدوا له بأنه صار مستحقاً للتأليف والإقراء والإفادة، فخرج من
الأزهر بعد الاستئذان وطاف في الأمصار إلى أن وصل إلى حلب ذات القدر والاعتبار، فوجد الناس في قيل وقال وجدال كاد أن يوقع أصحابه في حيز الوبال، فقال ما هذا الأمر الذي دهى ودهم فقالوا اختلفنا في حديث ذكره صاحب المختار وليس له غيرك من حكم، فإن صاحب المختار قد ذكر في مادة عكك بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال طوبى لمن رأى عكّا، وبعض الناس قد سلمه اعتماداً على ناقله وبعض الناس قد رده ولم يعتمد على مثبته وقائله. وقال بأنه ليس إسماعيل كلام الذات المحمدية، ولا عليه طلاوة الأحاديث النبوية، فاحكم بيننا بالإنصاف فورودك علينا من كمال الإسعاف، فقال لهم دعوني الآن وسأكتب رسالة في هذا المرام، تزيل عنكم بعون الله الشكوك في هذا الحديث وأمثاله والأوهام. وقد ألف لهم رسالة قاطعة بأن هذا الحديث ليس من كلام النبوة، بل هو كذب مختلق مصنوع، وقد ذكرت هذه الرسالة بتمامها آنفاً لداعية دعتني إلى ذلك، وهي أن كثيراً من الجهال وبعض من يدعي الطلب، قد تداولوا هذا الحديث وهو طوبى لمن رأى عكة، وذلك سنة ثلاث وثلاثمائة وألف، وحكموا بصحته اعتماداً على ناقله وهو محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي في كتابه مختار الصحاح، مع أن ذكر المرقوم لذلك لا يدل على أنه حديث لأنه نقل من هو أعلم منه وأفضل، أحاديث كثيرة حكم عليها أهل الإسناد أنها موضوعة، لغايات قصدوها فأرادوا ترويجها فوضعوا لها أحاديث مكذوبة.
قال ابن الجوزي ما أحسن قول القائل إذا رأيت الحديث يباين المعقول، أو يخالف المنقول، أو يناقض الأصول، فاعلم أنه موضوع ومعنى مناقضة الأصول أن يكون خارجاً عن دواوين الإسلام من المسانيد والكتب المشهورة.
ثم إن الواضعين للحديث أقسام بحسب الأمر الحامل لهم على الوضع، أعظمهم ضرراً قوم ينسبون إلى الزهد وضعوه حسبة أي احتساباً للأجر عند الله في زعمهم الفاسد، فقبلت موضوعاتهم ثقة بهم وركوناً إليهم، لما نسبوا إليه من الزهد والصلاح، ولهذا قال يحيى القطان ما رأيت الكذب في أحد
أكثر منه فيمن ينسب إلى الخير أي لعدم علمهم بتفرقة ما يجوز لهم وما يمتنع عليهم، أو لأن عندهم حسن ظن وسلامة صدر فيحملون ما سمعوه على الصدق، ولا يهتدون لتمييز الخطأ من الصواب، ولكن الواضعون منهم وإن خفي حالهم على كثير من الناس فإنه لم يخف على جهابذة الحديث ونقاده، وقد قيل لابن المبارك هذه الأحاديث المصنوعة فقال تعيش لها الجهابذة " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " ومما وضع حسبة ما رواه الحاكم بسنده إلى أبي عمار المروزي أنه قيل لأبي عصمة نوح بن أبي مريم من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة وليس عند أصحاب عكرمة هذا، فقال إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي ابن إسحق فوضعت هذا الحديث حسبة، وكان يقال لأبي عصمة هذا نوح الجامع، قال ابن حبان جمع كل شيء إلا الصدق. وروى ابن حبان في الضعفا عن ابن مهدي قال قلت لميسرة بن عبد ربه من أين جئت بهذه الأحاديث من قرأ كذا فله كذا، قال وضعتها لأرغب الناس فيها، وكان غلام خليل يتزهد ويهجر شهوات الدنيا، وغلقت أسواق بغداد لموته، ومع ذلك كان يضع الحديث، وقيل له عند موته حسن ظنك، قال كيف لا وقد وضعت في فضل علي سبعين حديثاً، وكان أبو داوود النخعي أطول الناس قياماً بليل وأكثرهم صياماً بنهار، وكان يضع، قال ابن حبان وكان أبو بشر أحمد بن محمد الفقيه المروزي من أصلب أهل زمانه في السنة وأذبهم عنها، وأقمعهم لمن خالفها، وكان مع هذا يضع الحديث، وقال بن عدي كان وهب بن حفص من الصالحين مكث عشرين سنة لا يكلم أحداً وكان يكذب كذباً فاحشاً، وجوزت الكرّامية وهم قوم من المبتدعة نسبوا إلى محمد بن كرّام السجستاني الوضع في الترغيب والترهيب، دون ما يتعلق به حكم من الثواب والعقاب،
ترغيباً للناس في الطاعة وترهيباً لهم عن المعصية، واستدلوا بما روي في بعض طرق الحديث من كذب علي متعمداً ليضل به الناس، وحمل بعضهم حديث من كذب علي أي قال إنه شاعر أو مجنون، وقال بعضهم إنما نكذب له لا عليه، وقال محمد بن سعيد المصلوب الكذاب الوضاع: لا بأس إذا كان كاملاً حسناً أن يضع له إسناداً! وجميع ذلك خلاف إجماع المسلمين الذين يعتد بهم، بل بالغ الشيخ أبو محمد الجويني فجزم بتكفير واضع الحديث، ووضعت الزنادقة جملاً من الأحاديث يفسدون بها الدين، فبين جهابذة الحديث أمرها ولله الحمد، روى العقيلي بسنده إلى حماد بن زيد قال وضعت الزنادقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر ألف حديث منهم محمد بن سعيد المصلوب في الزندقة، فروى عن حميد عن أنس مرفوعاً أنا خاتم النبيين لا نبي بعدي إلا أن يشاء الله، وضع هذا الاستثناء لما كان يدعو إليه من الإلحاد والزندقة والدعوة إلى التنبي. ومن الواضعين من يضع الحديث انتصاراً لمذهبه كالخطابية والرافضة وغيرهم، وروى ابن حبان في الضعفاء بسنده إلى عبد الله بن يزيد المقري أن رجلاً من أهل البدع رجع عن بدعته، فجعل يقول انظروا هذا الحديث عمن تأخذونه فإنا كنا إذا رأينا رأياً جعلنا له حديثاً. وقسم من الواضعين وضعوا أحاديثهم تقرباً لبعض الخلفاء والأمراء موافقة لفعلهم وآرائهم، أو ترغيباً لهم في بلاد يعدونها لا قدر لها، فيضعون لهم أحاديث دالة على فضلها ورفعة قدرها، ترغيباً لهم بها، كالأحاديث الموضوعة في عكا على اختلاف أنواعها، وقسم كانوا يتكسبون بذلك ويرتزقون منه في قصصهم كأبي سعيد المدايني.
فائدة قال النسائي الكذابون المعروفون بوضع الحديث أربعة: ابن أبي يحيى بالمدينة، والواقدي ببغداد، ومقاتل بخراسان، ومحمد بن سعيد المصلوب بالشام. ومن الموضوع الحديث المروي عن أبيّ بن كعب مرفوعاً في فضل القرآن سورة
سورة من أوله إلى آخره، وقد أخطأ من ذكره من المفسرين في تفسيره كالثعلبي والواحدي والزمخشري والبيضاوي، قال العراقي لكن من أبرز إسناده منهم كالأولين فهو أبسط لعذره إذ أحال ناظره على الكشف عن سنده، وإن كان لا يجوز له السكوت عليه.
تنبيه ورد في فضائل السور مفرقة أحاديث بعضها صحيح وبعضها حسن وبعضها ضعيف وليس بموضوع، وإنما ذكرت هذا التنبيه لئلا يتوهم أنه لم يصح في فضائل السور شيء. واعلم أن السور التي صحت الأحاديث في فضلها الفاتحة، والزهراوين، والأنعام والسبع الطوال مجملاً، والكهف ويس والدخان والملك والزلزلة والنصر والكافرون والإخلاص والمعوذتان وما عداها لم يصح فيه شيء.
ومن الموضوعات أيضاً أحاديث الأرز والعدس والباذنجان والهريسة، وفضائل من اسمه محمد وأحمد، وفضل عين سلوان، وعسقلان، ووصايا علي، وضعها حماد بن عمر، والنصيبي ووصيته في الجماع، وضعها إسحق بن نجيح الملطي.
والحاصل أن الموضوع تحرم روايته مع العلم بوضعه، وإثباته في كتاب مع عدم التنبيه عليه بأنه موضوع في أي معنى كان، سواء كان في حكم من الأحكام، أو في قصة أو في ترغيب أو في ترهيب، وسواء كان معناه صحيحاً أو باطلاً، لحديث مسلم: من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين.
ويعرف الوضع للحديث بإقرار واضعه أنه وضعه، كحديث فضائل القرآن فإن ميسرة قد اعترف بوضعه، وقال البخاري في التاريخ الأوسط حدثني يحيى اليشكري عن علي بن حدير قال سمعت عمر بن صبح يقول أنا وضعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد استشكل ابن دقيق العيد الحكم بالوضع بإقرار من ادعى وضعه، لأن فيه عملاً بقوله بعد اعترافه على نفسه بالوضع، قال بعضهم: وهذا ليس باستشكال منه إنما هو توضيح وبيان، وهو أن الحكم بالوضع بالإقرار ليس بأمر قطعي موافق لما في نفس
الأمر، لجواز كذبه في الإقرار. ويعرف الوضع أيضاً بغير ذلك مما هو مذكور في كتب مصطلح الحديث، كركاكة اللفظ أو المعنى، قال الربيع بن خيثم: إن للحديث ضوء كضوء النهار تعرفه، وظلمة كظلمة الليل تنكره، وقال ابن الجوزي: الحديث المنكر يقشعر له جلد الطالب للعلم، وينفر منه قلبه في الغالب، قال الترمنيني:
والكذب المختلق الموضوع
…
على النبي فذلك الموضوع
أي المكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم فهو مختلق ومبتكر من عند واضعه فهو موضوع ومحطوط المنزلة فلا معول عليه بالمرة لأنه من جملة الأكاذيب، ولا تجوز روايته إلا لتعريف حاله، لا بنحو قال النبي صلى الله عليه وسلم، بل بنحو: هذا الكلام موضوع وليس بحديث، والكذب عليه صلى الله عليه وسلم من الكبائر ولو في ترغيب أو ترهيب، ويعرف الوضع بإقرار أو بركاكة.
وإنما أطلت الكلام في هذا المقام، لئلا يظن الإنسان أن نقل من هو معروف بالعلم والفضل لكلام مسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أنه حديث ولا يحتاج إلى نظر ولا إلى استدلال، فهذا قصور لا ينبغي التعويل عليه، لأن كثيراً من أفاضل العلماء قد نقلوا أحاديث في الترغيب والترهيب وفضائل القرآن سورة سورة، وقد تناقله أصحاب التفاسير وأهل الرقائق في كتبهم، ومع ذلك قد نبه المحدثون النقاد عليها بأنها موضوعة مكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم، فما كل ما صدر بقال صلى الله عليه وسلم يقتضي أن يكون حديثاً، إلا أن يجده الإنسان في كتب الحديث المسندة، وإن كان الناقل له عمدة كالواحدي والواقدي والزمخشري والبيضاوي وغيرهم، وصاحب مختار الصحاح في نقل الحديث المتقدم، ونحن لا نقول بأنهم هم الذين وضعوا الأحاديث التي ذكروها في كتبهم مما نبه العلماء عليها بأنها موضوعة، بل نقلوها اعتماداً على قائليها من غير أن ينظروا بها، فقد تبين لك مما تقدم أن هذا الحديث الذي ذكره صاحب المختار موضوع ليس بحديث، وذلك لا يطعن في مقام ناقله كما عرفت ولا في علمه، وها هي الرسالة للمترجم المذكور بحروفها: