الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعلى نيابة قضاء دوما. وغب حضوره إلى الشام ذهب إلى محل نيابته، وذلك في غرة جمادى الأولى سنة ألف وثلاثمائة وخمس عشرة، وكان في مدة نيابته حسن السيرة، ممدوح السريرة، لم يسمع عنه ميل إلى باطل، ولا تفرقة في الحق ما بين عالم وجاهل، ولا رشوة وإن جل قدرها، ولا تعصب لقضية وإن كان من الأعاظم أهلها، وكان يهوى قبل المرافعة إجراء المصالحة، وعدم المشاحنة والمشاححة، فإذا لم يتمكن بذل وسعه في مصادقة الحق ومجانبة الباطل، ولا يحكم إلا بعد النظر والتحري ومراجعة كتب الأفاضل، وعلى كل حال فمناقبه كثيرة، وبدائهه وبدائعه شهيرة، بأنواع المديح جديرة، ثم أنه بعد تمام نيابته في دوما جلس عضواً في مجلس استئناف الجزاء في العادلية، وفي أثنائها ذهب إلى الآستانة فوجهت عليه نيابة بعلبك، ولم يمض عليه بها مدة إلا ومرض فحضر إلى الشام ولم يزل مريضاً إلى أن اختارته المنية في شعبان سنة ألف وثلاثمائة وعشرين ودفن في تربة باب الصغير رحمه الله تعالى.
الشيخ زين العابدين بن جمل الليل المدني أبو عبد الرحمن بن السيد باحسن
جمل الليل
المحدث الفقيه، والمتفنن النبيه، صاحب الشهرة العالية، والسيرة الحسنة النامية، والمآثر اللطيفة، والمحامد الشريفة، فخر العلاء، وصدر الفضلاء، ولد في المدينة المنورة ونشأ بها، وأخذ عن والده وتكمل على يديه، وألقت رئاسة العلوم في المدينة مفاتحها إليه، وقرأ على غير والده من الأفاضل، من جملتهم محمد بن سليمان، ودخل مصر، وزبيد للرواية عن كل فاضل مفيد، ولما دخل الوهابية الحرمين، فر، ودخل العراقين، فروى عنه أجلة علماء بغداد، رغبة منهم بعلو الإسناد، وقرأ صحيح البخاري،
في مجمع حافل، فلم يدع مقالاُ لقائل أو ناقل، وكان له من الطاعة والتقوى والعبادة والزهد ما جعله معدوداً من الأوائل، مات رضي الله عنه سنة إحدى عشرة ومائتين وألف، ودفن في المدينة المنورة مدفن أسلافه، وله مؤلفات بديعة، وخدمة عالية لكتب الدين والشريعة، من جملة مؤلفاته كتاب في المشتهر والمفترق، وله مختصر المنهج لشيخ الإسلام القاضي زكريا الأنصاري الشافعي، وقد شرحه أيضاً شرحاً مفيداً، وله كتب كثيرة ورسائل شهيرة، نفعنا الله به آمين، وقد ترجمه صاحب اللآلئ الثمينة، في أعيان المدينة، فقال: ذو بديهة وروية، وسليقة مرضية، كأنها السحاب الرجاف، والغيث الوكاف، ارتدى من المكارم بحلل، وحظي من المحامد بجمل، فغرته كالهلال إضاءة وإشراقاً، ومحياه كالزهر بشاشة والزهر ائتلافاً، وكلامه كالعسجد طلاوة، والشهد حلاوة، والقطر جزالة، ترتشف الأسماع زلاله، وقد برع بنظم حسن المعاني، وبديع المباني، نظماً عليه رونق الفصاحة، وفرند الملاحة، يقطر كالمزن، بودق الحسن، كأنها الشفاه اللعس، أو تفتير العيون النعس، أو الخدود البضة، وقد ازدهرت بالورود الغضة، فمن ذلك النظم الزاهي الزاهر، والشعر الباهي الباهر، وقوله مجيباً بجواب، كأنه في كاس اللطافة حباب، وفي روض الحسن زهر مستطاب:
أغادة من خود حور الجنان
…
تتيه إن ماست فتسبي الجَنان
أم بكر فكر من خدور النهى
…
زفت بقينات بديع المعان
فاقت على أترابها مذ غدت
…
فريدة الحسن رداحا حصان
أم راح ألفاظ حلا رشفها
…
من كف ممشوق رطيب البنان
راقت ورقت فرقى هامها
…
تاج حباب فاق حبّ الجمان
ختامها مسك وممزوجة
…
بشهد ريق من رحيق اللسان
فتارة يسقيك خمر اللما
…
وتارة يعطيك بنت الدنان
حبابها مع لونها شاكلا
…
وجنته مع در فيه المصان
قد أسرت عقل أهيل الحجا
…
وأمسكت من كل لب عنان
أم أنجم لاحت بطرس أضا
…
كبدر صيف مذ وفى واستبان
أم ذي عقود من لآل حلت
…
قد صاغها الندب بديع الزمان
أم روضة غناء عنى على
…
أفنانها طير الهنا والتهان
أم نسمة الروض سرت سحرة
…
ففاح منها عرف روح الجنان
تحكي لنا باللطف أخلاق من
…
حاز المعاني فرد هذا الأوان
الكامل الشهم سراج الهدى
…
خدين فخر العلم رب البيان
أنواره مذ سطعت أخجلت
…
زهر الربا وانكسف النيِّران
نجل ذوي الفضل الألى شيدوا
…
بيوت عز دونها الفرقدان
شيخ أولي الحذق ربيب الذكا
…
رضيع البان الفخار المصان
أبدى لنا من بحر إبداعه
…
دراً نظيماً راق معنى وزان
نثراً ونظماً قد زهى لفظه
…
لله ما أحسن هذا القران
كم منة قلدنيها وما
…
في ساحة الفضل أرى لي مكان
لكنه من محض أفضاله
…
يقلد الأجياد عقد امتنان
فيا رفيع القدر عفواً فما
…
أحصي الثنا لو قلت طول الزمان
زففت لي مثرية قد حوت
…
حر القوافي ورقيق المعان
ولست كفواً أن أرى عبدها
…
إذ هي بلقيس الغواني الحسان
فهاك من خل قصيداً أتى
…
شتيت نظم بسناك استعان
ودم سليما راقياً رافلاً
…
في ثوب عز مائساً في أمان
ما ميل الأعطاف نشر الصبا
…
وهيمنت ورق على غصن بان
وهذه القصيدة جواب عن قصيدة العلامة عمر بن عبد السلام الداغستاني قرظ بها نظم قصيدة طويلة للمترجم وقصيدة الداغستاني المرقوم هي:
لله ما أحسن هذا الجمان
…
قد أخجل الدار بحسن البيان
نظم بديع قد حلا لفظه
…
ويسكر السمع كبنت الدنان
له قواف راق إبداعها
…
كعقد أجياد الغواني الحسان
مسبوكة في قالب اللطف بل
…
منظومة في سلك حسن المعان
كالأنجم الزهر بأفق البها
…
بل أنه الزهر بوسط الجنان
بل درر أبرزها الحذق من
…
أصداف أفكار بديع الزمان
الفاضل الجحجاح مولى الندا
…
الكامل الندب الفضيل المصان
مولى سما في أفق المجد بل
…
فاز من السعد بأعلى مكان
حسيب أصل بل نسيب علا
…
تالله ما أشرف هذا القران
رب المعالي والسجايا التي
…
يجز عن حصر حلاها اللسان
زين ذوي الفضل الذي خصه
…
مولاه من إحسانه بامتنان
رفيع قدر منتقى ماجد
…
ينزل عن عليائه الفرقدان
فاق على أقرانه رتبة
…
وصار فيهم ذا فخار وشان
له ذكاء مثل نهر وقد
…
أرخى له نظم القوافي العنان
يا أيها المولى الذي وصفه
…
يضوع مثل المسك بالزعفران
أقبل بعذر من محب وفى
…
نظماً حكى الطل على الأقحوان
أو حب مزن أو نسيم الصبا
…
إذ هبَّ فارتاح إليه الجنان
ودم بعون اله في عزة
…
ممتعاً في ظل دوح التهان
وله قصائد عديدة، وتأليفات وتقييدات مفيدة، وقد تقدم أنه توفي سنة ألف ومائتين وإحدى عشرة في المدينة المنورة ودفن في مدفن أسلافه رضي الله عنه وعنهم أجمعين.