الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورعاً زاهداً، تقياً عابداً، متخلقاً بالأخلاق الأحمدية، متحققاً بالحقائق المحمدية، كثير التواضع والحلم، غزير العمل والعلم، حسن الخلق والخلق، جميل اللطافة والرفق. وقد أفرد مناقبه بالتأليف، ولده الروحي الجامع بين الشريعة والحقيقة، والناهج منهج السنة والطريقة، العالم الإمام، والجهبذ الهمام، سيدي الشيخ خليفة السفطي، أحسن الله قراه، وجعل الجنة مأواه ومثواه، ولم يزل يعلو مقامه، ويسمو احترامه، إلى أن دعاه داعي المنون، لمقامه العالي المصون، وذلك في رابع عشر صفر سنة ثمان وخمسين ومائتين وألف ودفن ببلدة القايات وبني لها بها مقام كبير، ومسجد عظيم شهير، بمنارة عالية، وعمارة سامية، والقايات " بقاف بعدها ألف ثم ياء بعدها ألف فتاء مثناة من فوق " بلدة من بلاد الصعيد تابع القطر المصري.
السلطان الغازي عبد المجيد خان بن السلطان الغازي محمود خان
ولد سنة ألف ومائتين وسبع وثلاثين، وجلس على تخت السلطنة بعد موت والده السلطان محمود تاسع عشر ربيع الأول سنة ألف ومائتين وخمس وخمسين، فجهز الجيوش لقتال عساكر محمد علي باشا وإخراجها من الشام، وأعانه على ذلك دولة إنكلترا، وكانوا عرضوا على السلطان محمود الإعانة فأبى، فلما توفي وتسلطن ولده السلطان عبد المجيد قبل إعانتهم فأعانوه، وسير جيوشه إلى الشام فهزموا عساكر إبراهيم باشا وأخرجوهم من الأراضي الشامية، وأرادوا التوجه إلى مصر والإسكندرية لإخراج محمد علي باشا فتوسطت دولة إنكلترا بالصلح إلى أن أتموه بشرط أن تكون الإسكندرية
ومصر وأقطارهما لمحمد علي باشا ولأولاده من بعده، وضربوا عليه خراجاً معلوماً يدفعه في كل سنة، ويرجع إلى الدولة الشام والحجاز وتم الأمر على ذلك.
وكانت مدة تملكه الأقطار الشامية قريباً من تسع سنين وفي مدة السلطان المترجم المومى إليه قوي الاتحاد مع دولتي فرنسا وإنكلترا، فحسنوا له إحداث القوانين المسماة بالتنظيمات الخيرية، فصدر منه الفرمان السلطاني بذلك سنة خمس وخمسين ومائتين وألف، وهي سنة جلوسه على تخت السلطنة. وفي سنة تسع وستين ومائتين وألف كانت الحروب العظيمة بين السلطان عبد المجيد والروسيا المسماة بحرب القرم، وسببها أنه وقع اختلاف بين طائفتي الروم واللاتين في القدس من عدة سنين بسبب كنيسة القيامة وبعض الأماكن المقدسة، فكانت كل طائفة منهما تدعي لنفسها حق الرياسة والتقدم على الأخرى بالاستيلاء على مفاتيحها، ثم أخذت هذه المسألة تتعاظم بينهما وتمتد يوماً بعد يوم إلى أن آل الأمر إلى النزاع والجدال في سنة ثمان وستين ومائتين وألف، فوقع الباب العالي في ارتباك وحيرة من جهة تسكينها وإخماد نارها، لأن الروسيا كانت تحامي عن حقوق الروم، وفرنسا تحتشد لطرف اللاتين، فتداخل سفر إنكلترا في صرف هذا المشكل ورسم ترتيباً لائتلاف الملتين والمتخالفتين، فقبلته فرنسا ولم تقبله الروسية، لأن مقصدها التوحد، ولم يكن مقتصراً على المحاماة عن حقوق الروم بل كان لها غايات أخرى طالما كانت تجتهد على نوالها
وتترقب الفرص لاستحصالها، وهي إبعاد الدولة العثمانية من قارة أوروبا والاستيلاء على أقاليهما وولاياتها، فانتهز إمبراطورها نقولا تلك المنازعة فرصة مناسبة لنوال بغيته وبلوغ أربه، فبعث سفيراً إلى القسطنطينية لمقابلة السلطان عبد المجيد، بعد أن كان بعث جيشاً يبلغ مائة وأربع وأربعين ألفاً إلى نهر الطونة ليكون مستعداً لوقت اللزوم والحاجة، فلما وصل السفير المذكور إلى القسطنطينية رفض مواجهة فؤاد باشا وزير الخارجية، ودخل رأساً على الحضرة الشاهانية، وعرض عليه مطالب الأمبراطور نقولا في المسألة المتعلقة بالأماكن المقدسة، وأن جميع الروم الذين هم من تبعة الدولة العلية تكون تحت حمايته من الآن وصاعداً، وأن بطرك الروم القسطنطيني وباقي أساقفة الطائفة يكون انتخابهم وتغيرهم منوطاً به، وأن الشكاوى والدعاوى التي تصدر عليهم من جهة تصرفاتهم تعرض عليه لينظر فيها، ومغايرة للأصول وقوانين الدول، فانثنى السفر راجعاً من حيث أتى، وأعلم الامبراطور نقولا بواقعة الحال، فاستشاط غضباً وأصدر أمراً إلى العساكر التي أرسلها إلى أطراف الطونة أن تعبر النهر وتستولي على تلك الأطراف، فاجتازت النهر وشنت الغارات على إمارات الأفلاق والبغدان، واستولت عليها، ولما تحقق الباب العالي قدوم ذلك الجيش إلى أطراف بلاده علم أن مقاصد الروسية في تطلبها لم تكن إلا وسيلة لإشهار الحرب، فجهز جيشاً وأرسله إلى تلك الحدود تحت قيادة عمر باشا المجري لردع الروسيين، ولما تأكدت الدول الأرباوية بغية الروسية ومقاصدها بادرت إنكلترا وبروسيا والنيمسا إلى عقد جمعية للنظر بإجراء الوفاق بين الدولتين، وأرسلت كل دولة منهما معتمداً من طرفها إلى مدينة آثينا حيث وافاهم سفير من طرف الروسية وآخر من طرف الدولة العلية، وعقدوا هناك مجلساً في سنة ألف ومائتين وسبعين لم يأت بالمرغوب.
فلما لم يكن سبيل للصلح أشهر الباب العالي الحرب، وصدم سليم باشا العساكر الروسية في الأناطول، وانتصر عليهم في عدة مواقع، وهاجمهم عمر باشا في الروم ايلي وانتصر عليهم أيضاً، وأما العمارة التي للروسية في البحر الأسود فصدمت العمارة العثمانية واستظهرت عليها بعد حرب شديد فأتلفتها، وكانت مؤلفة من سبعة فركاتات وباخرتين وثلاث مراكب حربية، ثم أن إنكلترا وفرانسا لما تيقنتا سوء نتائج هذه الحرب احتشدتا لمعونة السلطان وأعلنتا الحرب على الروسية، وفي سنة إحدى وسبعين ابتدأتا في نقل رجالهما ومهماتهما إلى ساحة الحرب، واشتبكتا في القتال، وأما باقي دول أوروبا فكانت محافظة على الحيادة، وكانت دولة إنكلترا قد أرسلت عمارة بحرية إلى بحر بلتيك فاستولت على قلعة بومارستود ثم على جزيرة ألاند ولكنها لم تقدر على استخلاص القلعة نظراً لحصانتها. وإذ كانت سيواسطبول أعظم قوات الروسية التي يعول عليها في البحر الأسود، ووجهت إنكلترا وفرانسا قواتهما لافتتاحها والاستيلاء عليها فأرسلتا فرقاً من عساكرهما يبلغ عددها ستين ألفاً وكان أكثرها فرنساويين، فنزلوا في بوباسرايا، وبينما كانوا يتقدمون إلى سيواسطبول صادفهم العساكر الروسية فاقتتل الفريقان قتالاً شديداً إلى أن دارت الدائرة على الروسيين، فانهزموا عند نهر الماء، وكان جيش عساكر الروسية يحاصر مدينة سليسترة، ولم تقدر على أخذها، فخرجت عليهم العساكر العثمانية من المدينة واقتحمتهم فانتصرت عليهم وفرقتهم، فذهبوا عن المدينة خائبين وانضموا إلى آخرين، وقصدوا القرم لنجدة حصار قلعة سيواسطبول التي إليها وجهت الروسية كل قوتها من المهمات والعساكر والذخائر، وصادم جيش من الإنكليز جيشاً للروسيين عند بالاكلا فانتصروا عليهم بعد ما فقد منهم خلق كثير، فكان جيش للروسية محاصراً في الكرمات وعددهم ستون ألفاً، فخرجوا من
مكان حصارهم واقتحموا العساكر العثمانية والإنكليزية والفرنساوية، ودارت بينهم معركة شديدة الخسران على الفريقين، وانجلت بانهزام الروسية وألزموهم حصن يكن حينئذ في قوة الدول المتحدة الاستيلاء على سيواسطبول مع أنهم كانوا يزيدون في قوتهم الحربية ويكثرون هجماتهم وقنابرهم، ولم يقدروا على استخلاص تلك القلعة أو أن يمنعوا المساعدات التي كانت تأتيها من داخل البلاد، ولقد قاست العساكر المتحدة لا سيما الإنكليز في شتاء سنة إحدى وسبعين وشتاء اثنتين وسبعين أهوالاً وشدائد يكل اللسان عن وصفها وتعدادها، فإن الأمراض والأوجاع قد أخذت في العساكر كل مأخذ، وأهكلت كثيراً منهم فضلاً عن الجوع والتعرض لبرد تلك البلاد، والأبخرة المنتنة التي كانت تتصاعد من جثث القتلى والحيوانات. أما إيطاليا فقد هيأت جنودها للحرب وانضمت إلى الدول المتحدة، فأرسلت خمسة عشر ألف مقاتل بعدما تعهدت لها إنكلترا بدفع مبلغ مليون ليرة على سبيل الإعانة واشتهرت رجالها في تلك المجامع بالشجاعة والثبات، وفي خلال ذلك هلك الإمبراطور نقولا سنة اثنتين وسبعين ومائتين وألف، وجلس ولده إسكندر الثاني مكانه، وفي خلال ذلك وقعت وقعة هائلة بين الروسية والعساكر المتحدة، كانت الدائرة فيها على الروسية، واستولت جيوش فرانسا على قلعة ملاكوف، وإذ لم يبق للروسية استطاعة على حفظ مراكزهم تركوا سيواسطبول في مساء ذلك النهار، وعولوا على الهزيمة والفرار، ودخلت العساكر المتحدة إلى القلعة وامتلكتها، فانفتحت حينئذ مخابرات الصلح، وعقدت جمعية في باريز سنة ثلاث وسبعين ومائتين وألف حضرها اثنان من طرف كل دولة من الدول الست المتحاربة، وهي إنكلترا وفرانسا والعثمانية والنمساوية وروسيا وسردانيا، وأمضت شروط الصلح متضمنة أربعة وثلاثين بنداً أخصها أن الدولة العلية يكون لها الامتيازات التي لباقي دول أوروبا من جهة القوانين والتنظيمات السياسية، وأنها تكون
مستقلة في ممالكها كغيرها من الدول، وأن البحر الأسود يكون بمعزل عن جولان مراكب حربية فيه من أي جنس كان، ما عدا الدولة العثمانية والروسية فإن لهما حقاً في إدخال عدد قليل من المراكب الصغيرة الحربية لأجل محافظة أساكلها، وأن لا يكون للدولة العثمانية ولا الروسية ترسانات بحرية حربية على شواطئ البحر الأسود إلى مواطنها، وانتهت الحرب التي لم يكن لها داع سوى المطامع.
وفي سنة اثنتين وسبعين كانت فتنة عظيمة بمكة المشرفة بين أهالي مكة وعساكر الدولة بسبب ورود أمر يمنع بيع الرقيق، وانتهت في رمضان بالقبض على الشريف عبد المطلب بن غالب أمير مكة، وتولية الشريف محمد بن عون، والكلام عليها طويل.
وفي سنة أربع وسبعين وقعت فتنة في جدة بين أهالي جدة والنصارى الذين بها، بسبب اختلاف بعض أهل المراكب في وضع بنديرة الإسلام والإنكليز على بعض المراكب والكلام عليها أيضاً طويل.
وفي سنة سبع وسبعين كانت فتنة بالشام بين النصارى وأهل الشام الكلام عليها أيضاً طويل، قد ذكرت بعضه في ترجمة أحمد باشا الشهيد، وكان ابتداء الفتنة في هذه السنة بين النصارى والدروز في جبل لبنان فآل الأمر إلى وقوع حرب بين الفريقين، وكانت النتيجة ردية على النصارى بسبب اختلافهم وعدم انضمام بعضهم لبعض، وعدم انقيادهم لبعضهم، ففتكت بهم الدروز، ثم ما زال الأمر يتفاقم إلى أن وقع الأمر في الشام، وكانت فتنة كبرى، وداهية عظمى، فأرسل الباب العالي فؤاد باشا ليمهد الأمور وينتقم من المذنبين، وأرسلت فرانسا عشرة آلاف جندي